يحاول أصحاب القرار السياسي في تركيا تأمين كل ما يلزم لولاية أنطاليا من أجل أن تدور فيها عجلة السياحة مجدداً. وآخر الأسئلة عن مستلزمات إعادة الولاية إلى الواجهة والضوء، كان عقد مؤتمر دبلوماسي دولي في أنطاليا، يحضره زعماء ومسؤولون دوليون، ليروا بأنفسهم كيف واجهت عاصمة السياحة التركية وباء كورونا، وصارت أكثر جمالاً وجذباً.
وفي 18 حزيران/ يونيو الجاري انعقد المنتدى الدبلوماسي في أنطاليا، إذ حضره الرئيس التركي وزعماء ورؤساء حكومات، إلى جانب من يهمهم الأمر، من المنظمات الدولية السياحية ورجال الأعمال وقادة الرأي. وقبل أن تجفّ توصيات المنتدى، حطت أول طائرة روسية، تقلّ 123 سائحاً، كمقدمة لكسر الحظر الذي فرضته موسكو منذ 15 نيسان/ إبريل كمقدمة لـ 12 ألف سائح يومي، لعلّ أنطاليا والروس يتلافون ما فاتهم من تواصل واستثمار وجمال، ويعيدون الرقم السنوي الذي تجاوز عام 2019 ستة ملايين سائح روسي.
يرى الباحث التركي، مصطفى إيش بيلر، أن سرّ أنطاليا ليس بقدمها التاريخي وما تحويه من معالم وطبيعة فقط، بل للمسة البشرية الحديثة، التي لها دور مهم بتتويج هذه الولاية التي تعتمد على الروس أولاً، بسياحتها واستثمارها، حتى بدت نموذجاً أقرب لهم وللأوروبيين.
وحين نتكلم عن أنطاليا، لا نقول المدينة القديمة كاليتشي أو وادي كوبرولو أو شلالات دودان فقط، بل نتبعها بأكبر حوض أسماك في أوروبا "أكواريوم" ومواقع التزلج والشواطئ التي حققت المركز الأول عالمياً بالراية الزقاء. (من أصل 463 شاطئاً في تركيا حصلت على العلامة، حصدت أنطاليا 202 منها).
تشير الكتب التاريخية إلى ازدهار أنطاليا أو وفق ما كانت تسمى أداليا أو أتاليا في العهدين اليوناني والروماني
والراية الزرقاء هي علامة بيئية تمنحها مؤسسة التعليم البيئي العالمية غير الحكومية (FEE) للشواطئ والموانئ التي تستوفي معايير معينة مثل جودة الماء، والإعلام والتثقيف البيئي، والإدارة والسلامة البيئية، وإقامة الفنادق والخدمات التي تتفرّد بها.
وحول تاريخ الولاية، يقول إيش بيلر لـ"العربي الجديد"، إنه توجد روايتان: الأولى أن مؤسس أنطاليا هو ملك بيرغامون، الإغريقي أتالوس الثاني، ما يعني أن تاريخ المدينة يعود إلى 150 قبل الميلاد، ولكن الرواية الثانية، وبناءً على مكتشفات أثرية في منطقة دوجو جاراجي عام 2008، تقول إن المدينة تعود إلى قبل ذاك، أي القرن الثالث قبل الميلاد، وكانت جزءاً من الجمهورية الرومانية بزمن الملك أتالوس الثالث.
وتشير الكتب التاريخية إلى ازدهار أنطاليا أو وفق ما كانت تسمى أداليا أو أتاليا بالعهدين اليوناني والروماني، وكانت إحدى المدن الكبرى خلال الإمبراطورية البيزنطية. ولما كانت أنطاليا معزولة عن تركيا، غزاها السلاجقة ومن ثم العثمانيون، وذلك بالقرنين الرابع عشر والخامس عشر.
ويتابع المختص بالتاريخ، ايش بيلر، أنَّ الولاية بقيت حتى القرن السابع عشر، مزيجاً بين الأتراك واليونانيين، حسب الباحث أوليا جلبي، أيام السلطان محمود خان الثاني بن عبد الحميد الأول، وقت كانت قوة مناوئة للعثمانيين، ومعروف بتلك الفترة ما يسمى عصيان الجلالي الذي قاده مصطفى باشا بالقرن السابع، ثم بعد ذاك بدأت الملامح التركية تعود للولاية عبر زيادة سكانها من القوقاز والبلقان، ليكون عام 1919 الأكثر تبدلاً، وقت تبعت الولاية لحكم المملكة الإيطالية بعد الحرب العالمية الأولى بموجب اتفاقية موندروس اتكيش لتعود ضمن الدولة التركية مع تأسيس الجمهورية على يد مصطفى كمال أتاتورك عام 1923.
وتمتاز الولاية بطبيعة جبلية وساحلية وسهول، فهي تجمع بين عوامل الجذب الطبيعية شتاءً وصيفاً، ولكن ربما الشواطئ أكثر ما يسعى إليه السياح هناك: شاطئ كونيالتي، شاطئ كابوتاش وشاطئ سيرالي الذي يعتبر من أجمل شواطئ العالم ويقع بقلب مدينة أوليمبوس الليسية القديمة. وأنطاليا ربما من المدن السياحية القليلة بالعالم، التي تمردت العام الماضي على كورونا، واستمرت بجذب السياح، وإن بأعداد لم تتجاوز 2.5 مليون سائح منهم 1.5 مليون روسي، وهي التي اعتادت جذب نحو 15 مليون سائح سنوياً. كذلك تزخر الولاية بالمعالم الدينية، نظراً لتعاقب الحضارات عليها، ففيها جامع مراد باشا ومحمد تكلي باشا وجامع يفلي منارة، فالمسجد يرجع تاريخه للقرن الـ 14 ويشتهر بمئذنته المزخرفة سلجوقية الطراز.