استمع إلى الملخص
- وثائقي جديد بثته منصة أمازون يقدم لمحة عن حياة ديون ومعاناتها مع المرض، مبرزًا تحدياتها والجانب الإنساني لها بعيدًا عن الأضواء.
- على الرغم من المعاناة، تظل ديون رمزًا للقوة والإلهام، مشاركة تجربتها بصراحة ومصممة على مواصلة القتال، مؤكدة أنها لن تتوقف حتى لو اضطرت إلى الزحف، مما يجعل قصتها أيقونة للشجاعة والتصميم.
في ديسمبر/كانون الأول 2022، وبعد 17 عامًا من الدوران في متاهة معتمة من الافتراضات والشكوك حول ما أصاب صوتها، امتلكت الكندية سيلين ديون (1968) الجرأة الكاملة لتظهر أمام جمهورها على "إنستغرام"، إذ يتابعها ما يزيد عن 6.5 ملايين شخص، لتعلن عن الحرب التي خاضتها طوال الأعوام السابقة، وكانت المفاجأة أكبر مما يستطيع الجمهور المحبّ لديون أن يستوعبها؛ فالمغنية ذات الصوت الملائكي الفريد مصابة بمرض عصبي نادر. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، لا يصيب هذا المرض إلا ما نسبته 1 أو 2 بالمئة من كل مليون شخص حوال العالم، والنتيجة: صوتها، لؤلؤتها النادرة، مهدّد بالضياع. نشرت الطبعة الفرنسية لمجلة فوغ مقابلة مطولة مع سيلين ديون في إبريل/نيسان 2024، قالت خلالها: "لم أنتصر على المرض بعد، لا يزال بداخلي وسيبقى دائماً، وآمل أن تتوصّل الأبحاث العلمية إلى علاج شافٍ لأعراضه، لكن عليّ من الآن فصاعداً أن أتعلّم كيفية التعايش معه". حينها، ملأ اسم المرض النادر وسائل الإعلام: "متلازمة الشخص المتيبّس" (Stiff Person Syndrome)، ويشار إليه اختصاراً بـSPS، وهو اضطراب عصبي نادر تتصلّب فيه العضلات وتعجز الأطراف عن الاستجابة للأوامر العقلية، وله العديد من المحفّزات، مثل الضوضاء والأضواء القوية، وهو أكثر شيوعاً بين النساء.
في الوثائقي الجديد الذي بدأ بثّه على منصة أمازون في 25 يونيو/حزيران بعنوان "أنا سيلين ديون" (I Am: Celine Dion)، قدّمت المخرجة الأميركية المرشحة للأوسكار إيرين تايلور صورة صادمة للمغنية التي تتربّع منذ عقود على عرش أفضل فنانة في تاريخ كندا على الإطلاق، حين أظهرتها في بيتها وهي تفقد السيطرة على جسدها وتنهار باكية إثر نوبة تشنّج أصابتها أثناء التصوير، ليكتشف الجمهور حقيقة ما تعانيه نجمة موسيقى البوب منذ سنوات، وكان السبب في ابتعادها عن الأضواء.
يمكننا القول إن صوت سيلين ديون صبغ عقد التسعينيات، على الرغم من بداياتها المبكّرة في الغناء بالفرنسية في موطنها كندا منذ كان عمرها 12 عاماً، وفوزها في عام 1982 في مهرجان ياماها العالمي للأغنية الشعبية، وهو النجاح الذي أكدته ديون عام 1988، حين فازت بمسابقة الأغنية الأوروبية ممثلة سويسرا، حيث كانت تعيش آنذاك، وهي المسابقة التي أوصلت اسمها إلى العالمية، ودفعت شركة Epic records في الولايات المتحدة إلى توقيع عقد معها عام 1989.
في يناير/كانون الثاني 2016، رحل زوج سيلين ديون ومدير أعمالها الملياردير الكندي ذو الأصل السوري رينيه أنجيليل عن 73 عاماً، إثر معاناته مع مرض السرطان، بعد 21 عاماً من الحياة المشتركة أنجبا خلالها أبناءهما الثلاثة. وبعد ذلك بيومين فقط، رحل شقيقها دانيال عن 59 عاماً بسبب السرطان أيضاً. حينها، قطعت ديون إقامتها في لاس فيغاس وألغت سلسلة من العروض الفنية والحفلات التي كانت تباع تذاكرها بالكامل أسبوعياً في فندق سيزار بالاس الشهير، لتدخل مرحلة جديدة من الوحدة، ومقاومة المرض النادر بصمت، وبعيدًا عن أعين العالم. بدءاً من عنوانه الواضح، نشعر في "أنا سيلين ديون" وكأن المغنية الشهيرة تريد تقديم نص اعترافي لجمهورها، كأنها تقول: ها أنا كما أنا عليه، لا أدوات تجميل، أو أزياء باهظة الثمن، أو مجوهرات تلمع تحت أضواء النيون. نراها في بيتها وبين أبنائها الثلاثة؛ امرأة عادية، تصارع مرضاً يشلها عن الحركة حين تأتي نوباته الفجائية. تقول: "كنت أتناول ما بين 80 إلى 90 ملغ من مسكنات الألم يومياً، وهي جرعة كبيرة كان يمكن لها أن تقتلني".
فازت سيلين ديون بخمس جوائز غرامي خلال مشوارها الفني، وأصدرت 27 ألبوماً، وباعت ما يزيد عن 250 مليون ألبوم وأغنية منفردة حول العالم، لكنها اليوم تطل على جمهورها بصورة أخرى لم يتوقعها أحد. امرأة مهدّدة بالحرمان من سرّ موهبتها الذي جعلها تتبوّأ المكانة التي هي عليها اليوم: صوتها النادر، ذلك الذي طبع أجيالاً بأكملها على نغمات أغنيتها My Heart Hill Go On من فيلم "تايتانيك" الشهير عام 1998.
يبدو التناقض شديداً بين المشاهد الأرشيفية التي تستعين بها مخرجة الفيلم من تسجيلات وعروض سيلين ديون الغنائية السابقة، وبين المشاهد الراهنة التي نرى فيها النجمة متعبة وهي تصارع أعراض مرضها الخطير، لكنها كانت صريحة كفاية أيضًا حين قالت معترفة: "لم يعد بإمكاني الكذب، في بعض الأحيان كنت أوجّه الميكروفون إلى الجمهور وأدعوه للغناء كي أداري عجز صوتي، وفي أوقات أخرى كنت أنقر على الميكروفون بإصبعي كما لو أنه لا يعمل جيداً". لذلك، تشعر المغنية الكندية بالمسؤولية تجاه جمهورها، فتقول: "إقامة حفل ليست صعبة، إلغاؤه هو الأصعب". تقتصر حركة الكاميرا في الوثائقي على التنقل خلف سيلين ديون في بيتها الأنيق في لاس فيغاس، الذي تعيش فيه مع أطفالها الثلاثة، بصحبة فريق من المتابعين لحالتها الصحية، يتكون من 13 شخصاً ما بين أطباء ومعالجين. كما نلاحظ في الفيلم أيضاً، وعلى خلاف ما هو معتاد في هذه النوعية من الأعمال الوثائقية، أنه لا يحتوى على أي مقابلات مع أي شخص باستثناء سيلين ديون نفسها، لا لقاءات مع أصدقاء أو نجوم آخرين أو أفراد من أسرتها. اقتصرت المشاهد على حديث النجمة الكندية أمام الكاميرا ومزجها بمواد أرشيفية، وهو ما أوضحته المخرجة إيرين تايلور في العرض الخاص للوثائقي في نيويورك قائلة: "منذ اللحظة الأولى التي عرضت فيها مقترح العمل عليها، طلبت مني ديون شيئاً واحداً فقط، ألّا يتحدث أي شخص آخر غيرها خلال الوثائقي، فهي تريد أن يكون رسالة منها إلى محبّيها".
تسجل ديون شهادتها عن مرضها النادر، وتشرح معاناتها معه خلال الأعوام العشرين السابقة، تقول: "لم أغنّ منذ عامين، ولا أعرف هل إن كنت سأقدر يوماً ما على القيام مجدداً بذلك، لكنني بحاجة إلى أن أعرف". وفي مشهد لاحق، تقول بعد نوبة بكاء: "إذا لم أستطع المشي، فسأزحف، لكنني لن أتوقف"، كما لو كانت حنجرتها هي التي تنطق هذه الحروف، غاضبة من خيانة الصوت لها. تتخلّى سيلين ديون في طلّتها الوثائقية عن كونها أيقونة فنية، فتنسى ولعها بالأزياء وثروتها الحقيقية من الأحذية الثمينة، حتى لو استعرضتها خلال مشاهد الفيلم، فثروة سيلين ديون التي تخطّت 400 مليون دولار، بحسب مجلة فوربس، كفيلة بأن تجعلها تمتلك ما تريد من أزياء ومجوهرات، إلا أنها تعجز عن إيجاد علاج فعال ضد مرضها النادر، ذلك لأنه ما من علاج أصلاً إلّا التعايش مع المرض، وهو ما يعني بصيغة أخرى أن تقبل سيلين ديون حقيقة أنها ربما لن تستطيع العودة مجدداً إلى الغناء، كما سيكون على محبّيها أن ينتظروا حدوث المعجزة. وفي الحالتين، ويا للمفارقة، تكتمل أيقونة سيلين ديون الحقيقية بهذه الخاتمة الشكسبيرية الغريبة: أن تفقد صوتها.