منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/ شباط، غزت الأخبار الزائفة منصات التواصل الاجتماعي التي كافحت للحدّ من التضليل وتشديد الخناق تحديداً على دعاية الكرملين التي وصفتها مراسلة صحيفة "تلغراف" البريطانية بأنها تشبه تلك التي اعتمدتها في سورية.
ووسط هذه الحرب، تحولت منصة "تيك توك"، المملوكة لشركة "بايتدانس" الصينية، إلى المصدر الأول للمعلومات المضللة، وعزا الخبراء ذلك إلى عدد مستخدميها الضخم واعتمادها الحد الأدنى من تنقية المحتوى.
الصحافي في فريق "هيئة الإذاعة البريطانية" (بي بي سي) للتدقيق في الأخبار شايان سرداريزاده، قال لوكالة "فرانس برس" إن المنصة "لا تخوض حرباً جيدة"، وأضاف: "لم أشهد هذا الكمّ من المعلومات المضللة على أي منصة أخرى؛ شهدنا كل ما يمكن التفكير فيه: إعادة تدوير مقاطع فيديو من نزاعات سابقة، ولقطات حقيقية مقدمة بطريقة مضللة، ومنشورات من الواضح أنها خاطئة للغاية، ولكنها لا تزال تحصل على عشرات الملايين من المشاهدات".
ورأى سرداريزاده أن المحتوى الأكثر إرباكاً وإثارة للقلق هو البث المباشر الوهمي الذي يتظاهر فيه مستخدمون بالوجود على الأرض في أوكرانيا، بينما هم يستخدمون لقطات من صراعات أخرى أو حتى من ألعاب فيديو، ثم يطلبون المال لدعم "تغطياتهم".
أناستازيا جيرمونت، من المنظمة الدولية للدفاع عن الحقوق الرقمية "أكسس ناو"، قالت إن "تيك توك" لا تملك أي عذر، ولا يمكنها القول إن الحرب شكلت مفاجأة بالنسبة إليها، وأضافت متحدثة لـ"فرانس برس": "هذا الصراع يتصاعد منذ عام 2014، وأثيرت مشاكل الدعاية والمعلومات المضللة في الكرملين مع (تيك توك) قبل وقت طويل من الغزو. وعدت (تيك توك) بمضاعفة جهودها وعقد شراكة مع مدققين، لكنني لست متأكدة من أنهم يأخذون هذا الالتزام على محمل الجد".
وأشارت جيرمونت إلى أن المشكلة ربما تكمن في عدم وجود مشرفين للمحتوى باللغة الأوكرانية، ما يصعّب على "تيك توك" اكتشاف المعلومات الخاطئة. لكن "تيك توك" أكدت لـ"فرانس برس"، أنها وظفت مشرفين على المحتوى يتقنون الروسية والأوكرانية لكنها لم تكشف عن عددهم، كما أفادت بأنها أضافت موارد تركز على الحرب لكنها لم تذكر أي تفاصيل.
البعض يعزو هذه المشكلة إلى طبيعة التصفح نفسها في المنصة، إذ قالت شين لاب، من مؤسسة "نيوز غارد" التي ترصد الأخبار الزائفة على شبكة الإنترنت، إن "الطريقة التي تستهلك بها المعلومات على (تيك توك) ــ التمرير من مقطع فيديو إلى آخر بسرعة كبيرة ــ تعني عدم وجود سياق لأي جزء معين من المحتوى".
أجرت "نيوز غارد" تجربة لمعرفة المدة التي سيستغرقها المستخدمون الجدد للبدء بتلقي معلومات خاطئة إذا استمروا في مشاهدة مقاطع فيديو عن الحرب. وكانت النتيجة 40 دقيقة.
ولفتت "نيوز غارد" في تقرير لها، إلى أن نتائج بحثها "تضاف إلى مجموعة من الأدلة على أن افتقار (تيك توك) إلى تصنيف وإشراف فعّال على المحتوى، إلى جانب مهارته في دفع المستخدمين إلى ما يبقيهم على التطبيق، قد جعله أرضاً خصبة لنشر المعلومات المضللة".
في غضون ذلك، يكمن القلق الأكبر في أن القسم الأكبر من مستخدمي "تيك توك" هم من صغار السن، فمتوسط أعمارهم في الولايات المتحدة على سبيل المثال لا يتجاوز 19 عاماً.
ووفقاً لورقة بحثية نشرها "مركز شورنستين" التابع لـ"جامعة هارفارد"، في مارس/ آذار الماضي، تحت عنوان "تيك توك، الحرب على أوكرانيا، و10 ميزات تجعل التطبيق هشاً أمام المعلومات المضللة"، فإن الميزات الأساسية في المنصة تشجع مستخدميها على مزج الوسائط المختلفة، ما يسمح لهم بتحميل مقاطع الفيديو ومقاطع الصوت من دون ذكر مصادرها، وهو ما يصعّب وضع المنشورات في سياقها والتحقق من صحة الأخبار.
أضاف الباحثون أن هذه الميزات خلقت جواً رقمياً "يصعب فيه ــ حتى بالنسبة للصحافيين والباحثين المتمرسين ــ تمييز الحقيقة من الشائعات والمحاكاة الساخرة والتلفيق". كما قال الباحثون إن ميزات التصميم داخل التطبيق تخلق مساراً سهلاً للمعلومات المضللة، إذ ينشر المستخدمون في الغالب بأسماء مستعارة، ولا يعرض تاريخ تحميل مقاطع الفيديو بشكل بارز، ما يعقد محاولات وضع المحتوى في سياقه، كما أن احتلال كل مقطع فيديو لشاشة المستخدم كلها يجعل البحث عن مصادر إضافية أمراً صعباً.
في 6 مارس، أوقفت شركة التواصل الاجتماعي تحميل مقاطع فيديو جديدة في روسيا، بعد تمرير قانون يعاقب محاولات "تشويه صورة" القوات المسلحة الروسية. ويتخذ قرار هذا التطبيق الذي يستخدمه أكثر من مليار شخص في أنحاء العالم كافة بُعداً دبلوماسياً، لأن "تيك توك" شركة تابعة لمجموعة "بايتدانس" الصينية. وحتى الآن امتنعت الصين التي تربطها علاقات وثيقة مع روسيا عن إدانة غزو أوكرانيا.
وخلال الشهر نفسه، انخفض تدفق الرسائل الموالية لروسيا بشكل واضح، حتى وإن كانت ما زالت تُبث مقاطع فيديو تتهم وسائل الإعلام الغربية باستخدام لقطات من الأرشيف أو الولايات المتحدة بالكذب بشأن الطبيعة الحقيقية للنزاع. وقالت منصة "تيك توك" سابقاً إنها تقوم بتعديل المحتوى العنيف وتحظر صور العنف الجسدي أو القتال أو عرض صور لشخص يحتضر.
وفي مقابل سيل الأخبار الزائفة هذا على "تيك توك"، ينشر بعض مستخدميها مقاطع صورها أوكرانيون ما زالوا في بلادهم عن حياتهم اليومية المأساوية شوهدت ملايين المرات. ومن بين الوجوه الجديدة على "تيك توك" في سياق الحرب فاليريا شاشينوك، وهي مصورة تبلغ من العمر 20 عاماً ظلت تحت القنابل في تشيرنيغوف، شمال شرق كييف.
تحولت شاشينوك إلى اللغة الإنكليزية لزيادة نطاق وصول مقاطع الفيديو السريالية التي تنشر من خلالها وصفات في طهي البورش من الملجأ إلى السير بين الأنقاض على خلفية ريمكس لأغاني ريانا، وضاعفت عدد متابعيها 3 مرات في شهر واحد.
وهكذا، تعرف جزء من "الجيل زد"، وهم مواليد نهاية التسعينيات الذين لا يشاهدون التلفزيون التقليدي، في الولايات المتحدة، إلى دولة لا يعرفون شيئاً عنها. وقال مدير الاستراتيجية الرقمية لدى البيت الأبيض روب فلاهرتي إنه جرى عرض موجز "لأحدث المعلومات من مصدر موثوق" عن الأحداث الجارية، على 30 من مستخدمي "تيك توك" الرئيسيين، وفق ما نقلت عنه صحيفة "واشنطن بوست".