تواصل الصحافية الفلسطينية مها الحسيني تغطيتها الميدانية لمجريات حرب الإبادة الإسرائيلية وتأثيراتها على مختلف النواحي المعيشية والشرائح المجتمعية، والتي يتشارك فيها المدنيون العزل ومن يحاولون إيصال أصواتهم المرتجفة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وتتزايد الأزمات التي تواجه الصحافيين الفلسطينيين منذ بدء حرب الإبادة، سواء بالاستهداف المباشر الذي أدى إلى استشهاد 188 صحافياً وصحافية، آخرهم الزهراء محمد أبو سخيل وأحمد محمد أبو سخيل ومصطفى خضر بحر وعبد الرحمن خضر بحر، وفقاً للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة، الذي كرر دعوته إلى المجتمع الدولي والمنظمات الدولية وذات العلاقة بالعمل الصحافي في العالم إلى ردع الاحتلال وملاحقته في المحاكم الدولية على جرائمه المتواصلة والضغط عليه لوقف جريمة الإبادة الجماعية، ووقف جريمة قتل واغتيال الصحافيين الفلسطينيين، أو تدمير مكاتب ومقار المؤسسات الإعلامية، والتهجير القسري لكوادرها وذويهم، في ظروف إنسانية ومعيشية صعبة.
وإلى جانب الواقع الإنساني الصعب الذي يعيشه الصحافيون كغيرهم من أهالي القطاع المحاصر منذ تسعة عشر عاماً، يتسبب طول أمد الحرب وتواصل التغطية الميدانية على مدار الساعة في حالة من الإرهاق الشديد للكوادر الإعلامية، خاصة في ظل النقص الحاد في مختلف المتطلبات الأساسية، والتي من شأنها مساعدتهم على مواصلة نقل الأحداث وتطوراتها المتلاحقة.
الصحافيون تركوا بيوتهم قسراً، وخسروا مقارّهم المجهزة بمختلف المعدات، ويعانون أزمات تقنية عدة جراء الإغلاق الإسرائيلي للمعابر منذ بداية الحرب، وتشديد ذلك الإغلاق بعد الاجتياح البري لمدينة رفح جنوبي القطاع والسيطرة على معبرها مطلع مايو الماضي. وهم يواجهون منع دخول الأجهزة والكاميرات وأجهزة البث، إلى جانب تدمير شبكات الاتصالات وقطع خطوط الإنترنت والكهرباء وإعدام القدرة على إيجاد البدائل الأولية من خلال منع دخول مشتقات البترول، الأمر الذي بات يزيد من عمق الأزمة.
وتصف الصحافية مها الحسيني، في حديثها لـ"العربي الجديد"، صعوبة الواقع الميداني والإنساني الذي يندمج فيه الصحافي الفلسطيني مع مختلف الشرائح المجتمعية التي تتشارك في الواقع الكارثي الذي أفرزته التأثيرات الصعبة للعدوان الإسرائيلي المتواصل، للشهر الرابع عشر على التوالي.
وتبيّن الحسيني أن منع الاحتلال الإسرائيلي دخول الصحافيين الأجانب يزيد من حجم المسؤولية والأعباء الملقاة على عاتق الصحافيين الفلسطينيين في تغطية تفاصيل ومجريات حرب الإبادة من دون القدرة على أخذ قسط من الراحة، إذ أن "توقف الصحافي في غزة عن العمل يعني تعتيماً إعلامياً عمل الاحتلال على تحقيقه منذ اليوم الأول للإبادة".
ومن بين الأسباب الرئيسية التي تحتّم على الصحافي الفلسطيني مواصلة العمل رغم مختلف الضغوط، الشعور الدائم بالمسؤولية الكبيرة، على الرغم من الاستهداف الإسرائيلي الممنهج للصحافيين الذين يستمرون في العمل، رغم تيقّنهم بأنه من الممكن أن يكون ذلك آخر يوم في العمل أو في الحياة، وفق الحسيني.
وتشير الحسيني إلى أن الصحافيين يواصلون تغطيتهم على الرغم من كونهم ضحايا مثل أولئك الذين يوثقون قصصهم، إذ "قد يذهب الصحافي لتغطية قصة عن النزوح القسري، تجده يخرج من خيمته أو مكان إيوائه الذي اتخذه ملجأ بعد أن نزح قسراً من منزله ليجري مقابلات مع نازحين آخرين. وإذا ما عمل على تغطية المجاعة، من الممكن جداً أن يكون ذهب لإجراء مقابلات مع الضحايا في الوقت الذي لم يجد فيه هو نفسه ما يأكله في الصباح".
أما الصحافية شيرين خليفة فتؤكد أنه "ليس من السهل مواصلة التغطية الميدانية لأكثر من عام في ظل ظروف قاسية وصعبة، فقد نزحنا من بيوتنا منذ بداية الحرب، وعانينا تماماً كما يعاني كل الناس الذين كتبنا عنهم من مرارة ترك البيوت والخروج من دون حقائبنا. لا ملابس تكفينا، ولا مكان يتسع لنا. عام بأكمله من سوء التغذية والضغط النفسي".
وتسلط خليفة، في حديث مع "العربي الجديد"، الضوء على جملة من التحديات التي تعصف بالعمل الإعلامي، بدءاً بانقطاع الكهرباء والإنترنت والتنقل من مكان إلى آخر لشحن الهواتف وأجهزة الحاسوب. وتوضح: "نسير مسافات طويلة من أجل كتابة قصة أو تقرير صحافي، بلا وسائل مواصلات سوى العربات التي تجرها الدواب إن توفرت، ونصل إلى الأماكن مرهقين ونكتب موادنا متعبين، لا راحة على الإطلاق، إذ نسابق الوقت للانتهاء من كتابة المادة قبل أن يفرغ شاحن الحاسوب المحمول".
وتبيّن خليفة أن مختلف التحديات التي واجهها الصحافيون وما يزالون مع أسرهم، والتي أورثتهم ضغطاً نفسياً شديداً، كانت دافعاً إضافياً لمواصلة التغطية الميدانية، إيماناً بأهمية نقل الصوت والصورة للجميع.
ويتحدث المراسل التلفزيوني أحمد غانم عن معركة من نوع آخر يخوضها الصحافيون في غزة على مدار عام متواصل من التغطية الميدانية الصعبة والقاسية، وهي معركة الرواية التي تعكس مجريات الأحداث على الأرض بحق المدنيين الأبرياء ضد الرواية الزائفة التي يحاول الاحتلال الإسرائيلي ترويجها.
ويشير غانم، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن تغطية العدوان المتواصل هي الأصعب، وتزداد صعوبة يوماً تلو الآخر، لتشارك الصحافيين في الهموم التي تعاني منها مختلف الشرائح المجتمعية. ويقول: "نحن جزء أساسي من المجتمع، لنا عوائل تعيش في خيام النزوح وتبحث عن الدواء والطعام والمتطلبات الأساسية للحياة اليومية، ومن المرهق التركيز في سير التغطية في الوقت الذي ينشغل عقلنا بكيفية توفير ما يلزم الأسرة".
ويلفت إلى مجموعة من الأزمات الناتجة عن طول أمد العدوان، وفي مقدمتها تهالك الأجهزة والمعدات وأدوات السلامة المهنية، وصعوبة التنقل في ظل النقص الشديد في الوقود جراء إغلاق المعابر، وحرمان الصحافيين من تجديد المعدات ومتعلقات توفير الطاقة البديلة أو أجهزة الهواتف، في الوقت الذي يتواصل فيه الاستهداف المباشر للصحافيين وأماكن تجمعهم بهدف إضعاف التغطية.
ويشير غانم إلى تزامن مختلف التحديات التي تواجه الصحافيين منذ اليوم الأول للعدوان، مع الغياب شبه الكامل لسبل دعمهم، بفعل تفكك الجسم الصحافي ومحدودية المبادرات التي من شأنها دعم الصحافيين وتوفير الإمكانيات التي تضمن سير التغطية، بما يتناسب مع حجم التحديات التي تفرضها الحرب.
بدوره، يلفت الصحافي أسامة الكحلوت إلى أن التغطية المتواصلة على مدار الساعة منذ بداية حرب الإبادة التي يتعرض لها أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة أصابت الطواقم الصحافية بالإرهاق الجسدي والمعنوي، خاصة في ظل المتابعة الحثيثة وانعدام فرص الراحة أو الاستقرار.
ويوضح الكحلوت، لـ"العربي الجديد"، أن ما يزيد صعوبة التغطية هو العمل من داخل المستشفيات والشوارع، من دون وجود مكاتب أو مقار إعلامية، إلى جانب النقص الشديد في المعدات اللازمة لمواصلة العمل، بفعل تلف واهتراء نسبة كبيرة منها، في الوقت الذي يواصل الاحتلال إغلاق المعابر ومنع دخول أجهزة ومعدات جديدة. ويضيف: "نتعرض لكل أشكال التحديات بفعل نقص الإمكانيات اللازمة للعمل، إلى جانب المعاناة الإنسانية مثل باقي المدنيين، جراء الخوف المتواصل على الأهل، والنقص الشديد في مختلف مقومات الحياة، وأبرزها المواد الغذائية والملابس ومواد التنظيف والغلاء الجنوني في الأسعار".