حقق فيلم الرسوم المتحركة The Wild Robot المقتبس عن رواية مصورة بالعنوان نفسه للكاتب بيتر براون، نجاحاً مذهلاً ومرضياً لجمهور الأفلام العائلية الموجهة إلى الأطفال. عانى المتفرّجون خيبات متتالية مع الأنميشن الأميركي الموجه إلى الأطفال بعد الإصدارات السيئة الأخيرة لـ"ديزني". اليوم، وجد الجمهور أخيراً فيلماً عائلياً حميمياً ويحمل قيماً للأطفال، ومشاعر غامرة للكبار.
أخرج The Wild Robot كريس ساندرز، المعروف بأعماله السابقة، مثل Lilo & Stitch وHow to Train Your Dragon وThe Croods. حقق الأخير بعد صدوره نجاحاً كبيراً في شباك التذاكر، فتجاوزت إيراداته العالمية 270 مليون دولار. ويتوقع أن يدخل سباق الجوائز برصيد كبير.
تدور القصة حول روز، الروبوت الذكي الذي يُشحن على متن سفينة، ولكنه ينجرف عن طريق الخطأ إلى شاطئ جزيرة نائية بعد تحطم السفينة.
روز مصمم لخدمة البشر، وتنفيذ المهام، ويتمحور كل وجوده حول مهامه وتنفيذه، لكنه في جزيرة برية لا بشر فيها، وكل ما حوله من كائنات حية هو حيوانات برية تعيش بغرائزها، وتظن الدخيل الجديد الغريب وحشاً.
يعيش روز مأزقاً مع عدم وجود ما يعطيه مهمة لتنفيذها، مع صعوبة العيش في البرية حيث تعبث الحيوانات الصغيرة بمرح معه، وتفككه. وفي إحدى المشكلات التي يقع فيها، يقتل عن طريق الخطأ عائلة من البط ولا ينجو منها سوى بيضة واحدة.
يُكلّف روز بإيعاز ثعلب ماكر بالاعتناء بفرخ البط الذي ظن روز أمه. ومع صعوبة المهمة، يمضي كثير من الوقت حتى يتمكن روز من تعليم فرخ البط العوم والطيران، ثم الهجرة مع سرب البط في الشتاء.
في المقابل، نجد أن الحيوانات التي يتفاعل معها روز، تعيش بناءً على غريزتها الطبيعية. الغريزة هي القوة الدافعة وراء سلوك هذه الكائنات، فتعمل بناءً على رغباتها الفطرية في البقاء والتكاثر والتكيف مع بيئتها. على سبيل المثال، نرى أن برايتبيل يتعلم الطيران ليس بفضل روز، بل بسبب غريزته الفطرية التي تحثه على الطيران والهجرة مع باقي البط قبل حلول الشتاء.
هذه الغريزة تتجلى في تفاعل الحيوانات الأخرى مع روز، إذ ترى فيها كائناً غريباً وغير مألوف. لكن، بمرور الوقت، ومع تطور شخصية روز، تبدأ الحيوانات في التعرف إليها على أنها جزء من بيئتها: كائن جديد قد يكون له دور في دائرة الحياة الطبيعية.
ما يجعل The Wild Robot مثيراً للاهتمام هو الطريقة التي يتطور بها روز من كائن مبرمج إلى كائن يتصرف بطرق تبدو كأنها غريزية. هذا التحول ليس وليد اللحظة، بل يحدث تدريجياً من خلال التجارب التي يخوضها على الجزيرة. عندما يتولى روز رعاية برايتبيل فرخ البط، نجد أنه يبدأ باتخاذ قرارات لم تكن جزءاً من برمجته الأصلية، مثل البحث عن الطعام للفرخ، وتعليمه الطيران، وحتى المخاطرة بحياته لحمايته.
ليست شخصية روز وحدها من تتجاوز حدودها البرمجية؛ بل حتى شخصية الثعلب فينك، المفترس بطبيعته، تتطور بطريقة غير متوقعة. يبدأ فينك شخصيةً ساخرةً وذكية، تُظهر تصرفاته مكر الثعالب. لكنه، بمرور الوقت، يصبح صديقاً وداعماً لروز وبرايتبيل. تحوُّل فينك لم يكن سحرياً، فحاجته الماسة إلى صديق جعلته يلتصق بالروبوت الذي لا تجمعه به علاقة افتراس، أو خوف، ولا يعرف الروبوت شيئاً عن سمعته. قبول فينك في النهاية كان مطلوباً من الحيوانات الأخرى التي أُرغمت على رؤية جوانب أخرى منه، وليس فقط غرائزه الماكرة.
هذه حكاية عن التكيف مع الذكاء الاصطناعي، ووعيه (المبرمج) مقابل الغريزة الحيوانية وتشابههما، لينتهي الحال في تكيف الاثنين معاً داخل الحياة القائمة على التشارك، واكتساب العادات. إنها كذلك بالفعل، لكن إن رأيناها من زاوية أدب وسينما الأطفال، فإن الروبوتات اليوم صارت جزءاً من الحكايات لا خيالاً علمياً، ولا خرافة مثل الغيلان، إنما بينهما تماماً.
الروبوتات والذكاء الاصطناعي لم يعودا "خيالاً علمياً" بالكامل، لذا هي في حكايات الأطفال صارت جزءاً من الشخصيات التي يمكن استخدامها شخصيةً خياليةً لا نمطَ معروفاً لها سوى بعض المعلومات البسيطة، وتتطور بحسب الحاجة في القصة، مثلها مثل التنانين والغيلان وغيرها. حقق براون في روايته نمطاً جديداً لتطوير الحكايات التي تدور بين حيوانات، وتماماً في الوقت المناسب مع النقاشات الدائرة حول الذكاء الاصطناعي.