تشهد أزمة صحيفة "الوطن"، كبرى الصحف الجزائرية المستقلة الصادرة باللغة الفرنسية، تطورات جديدة ومفصلية، بعد توصل إدارة ومالكي الصحيفة إلى تفاهمات غير معلنة مع السلطة، تضمن توقيع اتفاق لحصولها على حصة إعلانات حكومية. وقد تزامن ذلك مع تغيير لافت في خطها الافتتاحي، الذي تحوّل إلى خط مؤيد للسلطة وداعم لسياسات الرئيس عبد المجيد تبون.
وفاجأت الأعداد الأخيرة لصحيفة "الوطن"، المعروفة بنقدها للسلطة، القراء والجمهور بإعلانها التوقيع على اتفاق مع الوكالة الحكومية، تحصل بموجبه على حصة من الإعلانات الرسمية. كما تضمنت الأعداد الأخيرة صفحات إشهار حكومي.
لكن حصول الصحيفة على حصة من الإعلانات الحكومية تزامن مع تغير لافت في خطها التحريري ومعالجاتها للقضايا السياسية والاقتصادية وموقفها من السياسات الحكومية. إذ تخلت عن موقفها الناقد، واستبدلت ذلك بعناوين رئيسية على صدر الصفحة الأولى تثمن منجزات الرئيس تبون، على غرار مقال "تبون على كلّ الجبهات" الذي أشادت فيه بإنجازات الرئيس الجزائري في الملفات الدبلوماسية، والقضايا الإقليمىة، وعودة الجزائر إلى لعب دور في المنطقة العربية والقضية الفلسطينية. كما خصصت ملفاً في ذكرى مرور ثلاث سنوات من حكم تبون، حمل عنوان "تبون... النتائج والانتظارات"، تبعه في 24 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تثمين لافت للحوار التلفزيوني الأخير الذي أجراه مع الصحافة الوطنية.
وكانت صحيفة "الوطن" قد دخلت منذ أكثر من سنة في أزمة حادة على مستويين: الأول في علاقتها بالسلطة بعد قرار الأخيرة تجميد الحسابات البنكية للصحيفة ومنعها من سحب الأموال، بسبب مستحقات ضريبية (بقيمة 300 ألف يورو)، وقطع الإشهار عنها من قبل الدولة. أما الثاني فتجسيد في الأزمة الداخلية بين الصحافيين والإدارة التي تضم المالكين والمساهمين. إذ أعلن الصحافيون عن إضراب وتوقف عن العمل في شهر يوليو/تموز الماضي، غابت معه الصحيفة عن الصدور لفترة، قبل أن تقرر إدارة الصحيفة في سبتمبر/ أيلول الماضي الاستعانة بمحررين من غير فريق التحرير لإعادة النشر. وقد اعتبرت نقابة الصحافيين أن هذه الخطوة تهدف "إلى كسر حركة الإضراب العمالي التي دعت إليها نقابة المؤسسة"، حيث تجدد الاضراب حينها حتى الوقت الحالي.
بالنسبة لمقربين من إدارة الصحيفة، فإنّ الخيار الأخير المتعلق بالتفاهم مع السلطة، يخدم صالح المؤسسة لجهة الحفاظ على وجودها من جهة، وحلّ مشكلاتها الإدارية والمالية وأزمة أجور الصحافيين وتحرير حسابها البنكي من التجميد...
لكن ماذا عن الصحافيين الذين يواصلون إضرابهم؟ يحمّل هؤلاء الإدارة المسؤولية الكاملة عن تفاقم الأزمة، والعجز عن إيجاد حل لمشكلة الأجور وتحرير الحساب البنكي للمؤسسة، وينتظرون حلاً عاجلاً لأزمة رواتبهم المستمرة منذ عشرة أشهر، وقد أثرت في أوضاعهم الاجتماعية.
في حديث مع "العربي الجديد" يقول الصحافي في "الوطن" مجيد مكاد إنّ "إضراب الصحافيين لا يزال متواصلاً، لم تُدفع الأجور العالقة حتى الآن، لأنه لم يتم فتح أرصدة الصحيفة بعد، والمساهمون لم يفعلوا أي شيء لإيجاد حلّ للمشكلة". ويعلّق على تغيير الخط التحريري للمؤسسة: "المساهمون لم يقوموا بما يجب للحفاظ على استقلالية حقيقية للصحيفة، بعد حل مشكلة الأجور ونعود للعمل سنعقد جمعية عامة ونتوقف عند الخطوات التي يجب اتباعها في هذا الإطار".
ولصحيفة "الوطن" اهميتها على الساحة الجزائرية، وتثير تحولاتها اهتمام المختصين والقراء. ونشر الأستاذ في كلية الإعلام والصحافة رضوان بوجمعة، تقدير موقف يخص التحولات التي تعرفها الصحيفة، تساءل فيه عن ظروف "تحول هؤلاء في مسارهم، من صحافيين في القطاع العام ومن حركة الصحافيين الجزائريين (قبل عام 1988) إلى أرباب عمل لا يعترفون بالحق النقابي وبحق الإضراب، على الرغم من أنّ الكثير منهم جاء من محيط حزب الطليعة الاشتراكية (الحزب الشيوعي الجزائري) ومن أيديولوجيا تمجد العمال وحق الإضراب".