على أطراف مدينة دهوك، أقصى شمالي العراق، على الحدود مع تركيا، تعرف قرية بريكفا، المشيّدة فعلياً على سفح أحد الجبال المرتفعة في المنطقة، المئات من مريدي الطرق الصوفية، الذين يتوافدون على التكايا الموجودة فيها للذكر والعبادة.
هذه القرية ذاع صيتها عن باقي القرى المجاورة، بسبب اتباع سكانها إحدى الطرق الصوفية الموجودة في إقليم كردستان العراق، ويعتبر سكانها ذلك مصدر اعتزاز لهم، بصفتهم مركزا لمشيخة التصوف في المنطقة.
وتطلق عبارة الشيخ في القرية، بغض النظر عن عمر الشخص، حتى لو كان في عمر المراهقة، إذ تعتبر القرية مركزا لتكية الشيخ نور الدين البريفكاني، الموجودة منذ عام 1620، في عهد الدولة العثمانية، ومؤسسها الشيخ شمس الدين الأخلاطي. وتقام حلقات الذكر علنا في القرية، وداخل المنازل ويشارك فيها بالعادة الجميع.
ثمة أيضا مع التكية في هذه القرية مسجد يتسع لأكثر من ألف مصل، شُيد في سبعينيات القرن الماضي. وتحتوي التكية على مكتبة مخطوطات إسلامية قديمة نادرة، نقلت بعضها إلى دار المخطوطات في بغداد.
يرتاد أتباع الطريقة النقشبندية في قرية بريفكا في أيام محددة من الأسبوع، لأداء ما يعرف، حسب منهج الطريقة، بـ "الذِكر"، حيث يتحلق المريدون على شكل دائرة مغلقة، يتوسطها قارع للطبل وناقر للدف، وتتعالى الأصوات بالأذكار الدينية المختلفة حسب رأي الطريقة.
بحسب أرقام وزارة الأوقاف في إقليم كردستان العراق، هناك في كردستان فقط 157 تكية، هي لأتباع الطريقة القادرية والطريقة النقشبندية، حسب تصريح وزارة الأوقاف في كردستان لـ "العربي الجديد". وتضيف الوزارة أنها لا تمتلك رقما دقيقا حول عدد مريدي هذه الطرق.
أكثر الطرق الصوفية انتشاراً في كردستان العراق، هي الطريقة القادرية، ومقرها الرئيسي في السليمانية، حيث تمتلك مركزا كبيرا في حي بختياري، ويجتمع مريدو الطريقة القادرية في مناسبات دينية عديدة، كالمولد النبوي والأعياد وغيرها، ويرأسها رجل الأعمال والسياسي العراقي نهرو الكسنزاني، الذي ورثها عن والده مرشد الطريقة القادرية، الشيخ عبد الكريم الكسنزاني، الذي توفي في الولايات المتحدة في يوليو/تموز 2020 عن عمر ناهز الـ 82 عاماً.
أما ثاني أكبر الطرق الصوفية في كردستان، فهي النقشبندية، ولها مركز ديني كبير في أربيل، ويرأسها الشيخ رشيد شيخ كاكا. والطريقة النقشبندية هي الطريقة الوحيدة التي تدّعي تتبّع السلسلة الروحية المباشرة مع النبي محمد، من خلال الخليفة أبو بكر الصديق، وبذلك تكون تلك الطريقة مرتبطة بطريق غير مباشر بالإمام علي بن أبي طالب، وهذا اختلافها عن بقية الطرق عن تلك الطريقة في العراق، حسب أدبيات الطريقة.
يقول الشيخ مريوان نقشبندي، أحد شيوخ الطريقة النقشبندية في أربيل، في حديث إلى "العربي الجديد"، إن الطرق الصوفية مهمتها هي "توطيد علاقة العبد بالله". ويرى نقشبندي أن الطرق الصوفية يجب ألا تكون لها مشاركات في الشأن السياسي، لأن ذلك يتعارض مع منهج الطرق الصوفية، حسب رأيه.
يقول الكاتب والباحث في الشأن الصوفي حسين شاكر، الذي يمتلك بحوثا منشورة تتناول شأن الصوفية وأسباب انتشارها في العراق، إن التصوف بدأ ينتشر في العراق في القرن الثالث الهجري.
ويعتبرها في حديثه لـ "العربي الجديد"، بأنها "مزيج من بقايا أديان قديمة امتزجت بالإسلام فجمعت أمورا مختلفة". ويختم شاكر حديثه: "إن الطرق الصوفية، أيا كانت، فهي تعتبر بمثابة مقاومة ناعمة ضد التطرف الديني، لأنها تحتوي على بعض الثقافات القديمة".
في الموقع الرسمي على شبكة الإنترنت للطريقة القادرية، يرد الشيخ مخلف العلي القادري، أحد شيوخ الطريقة القادرية، على منتقدي الطريقة، بالقول: "كثيراً ما نسمع من الذين ينكرون الطريقة الصوفية ويتهمونها بأنها بدعة محدثة".
ولم تخل السنوات السابقة من إثارة للجدل أحدثها مرشد الطريقة القادرية، الشيخ نهرو الكسنزاني، بسبب نشاطه السياسي؛ فهو الأمين العام لتحالف "من أجل وحدة العراق"، فضلا عن امتلاكه مجموعة شركات خدمات أمنية، كما أن وزير التجارة العراقي الأسبق، ميلاس عبد الكريم، هو أحد أتباع الطريقة، المتهم إلى جانب الشيخ نهرو بقضايا فساد.