عبد الله الحاج... عينٌ شهدت المذبحة

14 يوليو 2024
كان ضمن المحاصرين في مجمع الشفاء الطبي لـ15 يوماً (من المصور)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- المصور الصحافي الفلسطيني عبد الله الحاج تعرض لهجوم بطائرة مسيرة إسرائيلية أثناء توثيقه الدمار في غزة، مما أدى إلى استشهاد نجل شقيقته وفقدانه ساقيه.
- نُقل الحاج إلى الدوحة لتلقي العلاج بفضل مبادرة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وخضع لعدة عمليات جراحية معقدة، واصفاً فترة علاجه في غزة بالأصعب بسبب هجمات الاحتلال.
- رغم إصاباته، يواصل الحاج توثيق جرائم الاحتلال ويدعو المنظمات الدولية لحماية الصحافيين الفلسطينيين، مؤكداً أن المستقبل للشعب الفلسطيني.

في 24 فبراير/ شباط الماضي، أصيب المصور الصحافي الفلسطيني عبد الله الحاج بصاروخ من طائرة مسيرة إسرائيلية، حين كان في مخيم الشاطئ في قطاع غزة. لا ينسى اللحظات التي سبقت هذه الجريمة التي أدت إلى استشهاد مصطفى، نجل شقيقته، وفقدانه ساقيه.

كان عبد الله الحاج (34 عاماً) برفقة مصطفى وقد انتهى لتوه من توثيق الدمار الهائل الذي لحق بالمخيم المتلاصق الضيق الذي يجاور البحر. بدأ بالدردشة مع صيادين اثنين، وسألهما عن أسعار السمك، ثم قصفت المسيرة الإسرائيلية. استشهد مصطفى وأحد الصيادَين. الصياد الثاني أصيب إصابات بالغة. الحاج استيقظ في المستشفى مبتور الساقين.

يؤكد الحاج في حديثه لـ"العربي الجديد": "أنا على ثقة بأنني كنت مستهدفاً بصفتي مصوراً صحافياً من قبل الطائرة المسيرة الإسرائيلية؛ قبل الاستهداف بيوم واحد، قصفت قوات الاحتلال الإسرائيلي منزلي، وفي اليوم التالي، استهدفت مباشرة". ويضيف: "لا أستغرب استهداف مصور يوثق جرائم الاحتلال الإسرائيلي والدمار الذي ألحقه بقطاع غزة، فالاحتلال لا يريد ذلك، وهو يقتل الصحافيين منذ ما قبل هذه الحرب".

وبالفعل، فقد قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 150 صحافياً وعاملاً في المجال الإعلامي في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وفقاً للمكتب الإعلامي الحكومي، واستهدفت عائلات الصحافيين ومنازلهم ومقار عملهم، ودمرت عشرات المؤسسات الإعلامية، واعتقلت عشرات الصحافيين في غزة، وكذلك في الضفة الغربية المحتلة. وشهادات هؤلاء الصحافيين عما يعانونه في الأسر تقشعر لها الأبدان.

بفضل طائرة الدرون الصغيرة التي يمتلكها عبد الله الحاج، الذي كان يتعاون مع بعض محطات وشبكات التلفزة ومنها قناة الجزيرة، بالإضافة إلى عمله مع وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، تمكن من توثيق الدمار الكبير الذي لحق بقطاع غزة بعد بدء حرب الإبادة الإسرائيلية المتواصلة هناك. وتناقلت صوره العديد من وسائل الإعلام العالمية.

وصل عبد الله الحاج إلى العاصمة القطرية الدوحة في مايو/ أيار الماضي، ويخضع حالياً للعلاج في مستشفى حمد العام، وذلك بفضل مبادرة أطلقها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لتوفير الرعاية الصحية لـ1500 جريح فلسطيني من قطاع غزة، حيث استهدف الاحتلال الإسرائيلي منهجياً القطاع الطبي ما أدى إلى انهياره. ومنذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أجلت قطر مئات الجرحى الفلسطينيين وعائلاتهم الى الدوحة، كما قامت بكفالة ثلاثة آلاف طفل فقدوا عائلاتهم خلال العدوان.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

ويقول الحاج عن إصاباته ورحلة العلاج: "بترت قدماي، كما تعرضت لإصابات عدة بالغة أخرى. وأُجريت لي عملية معقدة لزراعة جلد في المؤخرة والفخذين، وقد أخذ هذا الجلد من الظهر. كما أُغلقت الجروح الغائرة وعولجت الإصابة التي تعرضت لها في يدي اليسرى وإصابة أحد الأوتار".

قبل وصوله إلى قطر للعلاج، قضى الحاج 15 يوماً داخل مجمع الشفاء الطبي في غزة الذي استهدفته قوات الاحتلال الإسرائيلي، ويصف هذه الفترة بأنها "الأصعب والأقسى". يضيف: اقتحم الاحتلال الاسرائيلي المستشفى، وبقينا بلا ماء أو كهرباء أو غذاء أو علاج مدة 15 يوماً. بدأت الديدان تخرج من جروحي والجرحى الآخرين، إذ كان في المستشفى نحو 150 جريحاً، تركوا للموت من قبل جنود الاحتلال الذين أطلقوا النار على الممرضات والأطباء، وقتلوهم، وحرقوا المعدات الطبية، وحولوا المستشفى إلى مقبرة".

انسحبت قوات الاحتلال الإسرائيلي، في الأول من إبريل/ نيسان الماضي، من داخل مجمع الشفاء الطبي في غرب مدينة غزة، كما غادرت المناطق المحيطة به باتجاه مناطق جنوب حي تل الهوى، لتتكشّف الجريمة المروعة التي ارتكبها جيش الاحتلال في المنطقة، حيث عُثر على مئات من جثث الشهداء في المجمع وفي محيطه، فضلاً عن دمار واسع خلّفه الاقتحام.

يدرك عبد الله الحاج أن رحلة تعافيه ما زالت طويلة، لكنه "لن يترك مهنته، وسيستأنف تنفيذ مشاريعه حالما ينتهي من العلاج والتأهيل وتركيب الأطراف الاصطناعية"، يشدد في حديثه لـ"العربي الجديد". ويردف: "الاحتلال يشن حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني. يقول إنها حرب وجود، وهي حرب سننتصر بها نحن بإذن الله، فالمستقبل للشعب الفلسطيني وليس للاحتلال".

والمصور الفلسطيني يعرض لزواره الصور التي التقطها لقطاع غزة قبل الحرب وبعد الحرب، ويتحدث عن شغفه الكبير بعمله، رغم إدراكه الخطر الذي يحيط به. ويقول إنه حين طلبت منه "أونروا" التوقف عن التصوير والتوثيق حفاظاً على سلامته، رفض، وأصر على مواصلة مهمته، رغم انعدام أدنى شروط السلامة العامة وعدم توفر الكهرباء وشبكة الاتصالات والإنترنت، فضلا عن قطع المسافات الطويلة مشياً لعدم توفر الوقود. ويدعو المنظمات الدولية "التي خفت صوتها" إلى الوقوف إلى جانب الصحافيين الفلسطينيين، والضغط لوقف قتلهم واستهدافهم، والتدخل لحمايتهم وحماية الشعب الفلسطيني الذي يتعرض للإبادة الجماعية، إذ يواصل الاحتلال ارتكاب المجازر من تسعة أشهر، وقتل 38 الفاً و345 فلسطينياً، حسب وزارة الصحة في قطاع غزة.

المساهمون