سلّط تحقيق صحافيّ لموقع "عرب 48" الضوء على قضيّة شبكة "دويتشه فيله" الألمانية، ولجنة التحقيق التي اعتمدتها قبل فصلها موظّفين من القسم العربي، بتهمة "معاداة الساميّة"، العام الماضي.
ونشر "عرب 48"، الأحد، التحقيق الذي جرى العمل عليه لأكثر من سنة.
ولفت التحقيق إلى أن توقيف الموظفين، قبل فصلهم نهائياً لاحقاً، حصل بعد 3 أيام فقط من نشر تقرير لصحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" الألمانية التي نبشت منشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، و"هي فترة لا تعتبر كافية للتحقّق من المزاعم ومن سياق مضمون المنشورات".
وفي ما يخص لجنة التحقيق، لم توضّح "دويتشه فيله" بشكل كافٍ سبب اختيار مؤسّسة "مايند بريفنشن" (Mind Prevention)، التي يديرها الأخصّائيّ النفسي أحمد منصور وزوجته بياتريس منصور، لتكون لجنة تحقيق خارجيّة ومستقلّة في مزاعم تهم حول معاداة السامية. واسم المؤسّسة لم يذكر في بيان "دويتشه فيله" الأوّل حول إطلاق لجنة تحقيق مستقلّة، وذكر فقط في بيان إعلان نتائج التحقيق. كذلك الأمر بالنسبة لاسم بياتريس منصور التي لم يكن دورها في لجنة التحقيق واضحاً.
وعندما سأل صحافيو "عرب 48" الشبكة الألمانية عن سبب اختيار المؤسّسة ومؤهّلاتها، لم يحصلوا على إجابة، مع وجود اتّهامات للجنة التحقيق بالانحياز السياسي لإسرائيل.
وضمّت لجنة التحقيق أيضاً وزيرة العدل الألمانيّة السابقة القاضية زابينه لويتهويزر- شنارينبرغر التي تحمل آراء تحارب الشخصيّات الداعمة لحملة مقاطعة إسرائيل، وتروّج لادّعاءات مغلوطة تتوافق مع البروباغندا الإسرائيلية.
واستعرض التحقيق شهادات الموظّفين المفصولين، وأجرى بحثاً في الادّعاءات الموجّهة ضدّ العضو الأبرز في لجنة التحقيق التي شكّلتها "دويتشه فيله"، أحمد منصور، وهي ادّعاءات تتعلّق بانحيازه السياسيّ لإسرائيل، وتبنّيه آراء معادية للفلسطينيّين والمسلمين.
لفت الموقع الإخباري إلى أن أحمد منصور تعرّض، قبل تولّيه العمل في لجنة التحقيق، لانتقادات عدة في ألمانيا وخارجها، من مؤسّسات وشخصيّات أكاديميّة وإعلاميّة، حول مواقفه المنحازة لتوجّهات اليمين الأوروبي والبروباغندا الإسرائيليّة، وهو أمر تجاهلته إدارة "دويتشه فيله" خلال اختيارها له ليكون في لجنة التحقيق.
أمّا في ما يخصّ أداءه خلال عمله في لجنة التحقيق، من خلال ما صدر في التقرير النهائيّ من تعليقات سياسية، وطبيعة الأسئلة التي وجّهها للموظفين المفصولين بحسب الشهادات التي حصل عليها "عرب 48"، فإنّها تؤكّد مواقفه السياسيّة المنحازة التي تتناقض مع ما تدعو إليه "دويتشه فيله" من قيم، مثل التعدّديّة الثقافيّة وحرّيّة التعبير عن الرأي.
وأفضت المراجعة التي أجراها "عرب 48" لتقرير لجنة التحقيق الخارجيّة المعينة من "دويتشه فيله"، من خلال البروفيسور والخبير موشيه تسوكرمان، إلى تناقض كبير في ما يدّعيه من تهم معاداة السامية، المستند إلى تعريف التحالف الدوليّ لإحياء ذكرى الهولوكوست، وبين ما قدّمه تسوكرمان من مراجعة تهم معاداة السامية، استناداً إلى "إعلان القدس" الذي يمثّله. وهذا التناقض أكد وجود مشكلة في التعريف الذي اعتمدت عليه لجنة التحقيق و"دويتشه فيله"، كونه لا يميّز بين النقد والعداء للصهيونيّة/ إسرائيل، وبين العداء لليهود كيهود، ويساوي إسرائيل مع الصهيونيّة واليهوديّة. وأكّدت مراجعة تسوكرمان أنّ غالبيّة ما ورد في التحقيق من أمثلة هي ناقدة لإسرائيل وبعضها لاذع، لكنّها ليست معادية للساميّة.
وجاءت قرارات ثلاث محاكم لثلاثة موظّفين مفصولين، والتي قالت إنّ عمليّة الفصل من "دويتشه فيله" غير شرعيّة ويجب إعادة الموظّفين للعمل، لتؤكد على أن المسار الذي اختارته "دويتشه فيله" لمواجهة الضغوط الإعلاميّة في أعقاب تقرير "زود دويتشه تسايتونغ" كان متسرّعاً وخاطئاً.
وأكد المتحدّث الإعلاميّ باسم "دويتشه فيله"، كريستوف يومبيلت، لموقع "عرب 48"، حصول هذه الضغوطات.
في ما يخصّ رسالة الاعتذار التي أرسلتها أكاديميّة "دويتشه فيله" لعدد من المؤسّسات الفلسطينيّة الشريكة، فإنّها توحي بتنصّلها مما جاء في تقرير لجنة التحقيق الصادر عن مؤسّسة Mind Prevention المعيّنة من قبل "دويتشه فيله" نفسها. وهذا التنصّل المتعلّق بالمؤسّسات الشريكة سبقته لقاءات توضيحيّة عُقدت بين ممثّلين عن "دويتشه فيله" وعضو لجنة التحقيق القاضية زابينه لويتهويزر- شنارينبرغر، مع المؤسّسات الشريكة. وأفضت الرسالة واللقاءات إلى استمرار الشراكة، بخلاف توصيات وتعليقات ما ذُكر في لجنة التحقيق حول وقف الشراكة أو إعادة النظر فيها.
لم توضّح "دويتشه فيله" لموقع "عرب 48" علاقة افتتاح مكتب جديد لها في إسرائيل مع قضيّة فصل الموظّفين، واكتفت بإحالته إلى بيان لها، جاء فيه أنّ "افتتاح المكتب هو جزء من خطّة النقاط العشر، ويساهم المحتوى من المنطقة بتقديم معلومات حول معاداة السامية والحياة اليهوديّة ومعالجة معاداة السامية"، من دون أيّ توضيح لكيفيّة فعل ذلك، ولماذا معالجة معاداة السامية ضمن خطّة النقاط العشر التي أعلن عنها في أعقاب فصل الموظّفين العرب يجب أن تكون من خلال افتتاح مكتب في إسرائيل.
ويحيل عدم الوضوح المباشر في هذه المسألة، ضمن سياق النقاط المذكورة سابقاً، إلى تبنّي "دويتشه فيله" موقفاً سياسيّاً منحازاً لإسرائيل في تعريف معاداة السامية، وفق "عرب 48".
وأكّدت الشهادات المختلفة التي حصل عليها موقع "عرب 48" وجود حالة من التخوّف والقلق بين الموظّفين العرب في "دويتشه فيله"، سواء في تناول الموضوع الفلسطينيّ أو نقد إسرائيل، ووجود رقابة ذاتيّة ومراجعة منشورات شخصيّة سابقة على منصّات التواصل الاجتماعيّ، كلّ ذلك حدث بعد قضيّة فصل الموظّفين والطريقة التي تعاملت بها إدارة "دويتشه" مع القضيّة، وهو أمر يتناقض مع القيم التي تدعو لها "دويتشه فيله" في ما يتعلّق بحرّيّة التعبير عن الرأي، وتبتعد عن تفهّم السياقات السياسيّة والثقافيّة للموظّفين القادمين من العالم العربي.