فنانون عراقيون يتبنون مبادرات لنشر الخط العربي وتعليمه

02 أكتوبر 2024
الخطاط رضوان الحسيني (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- اهتمام متزايد بالخط العربي في العراق: شهدت السنوات الأخيرة جهوداً مكثفة من الخطاطين العراقيين لتعزيز مكانة الخط العربي عبر ورش العمل والدورات التدريبية والتثقيف على وسائل التواصل الاجتماعي، بهدف الحفاظ على هذا الفن كواجب ديني وأخلاقي ووطني.

- التكنولوجيا وتأثيرها على الخط العربي: يُعتمد على التكنولوجيا الحديثة في الخطوط العربية لسهولة وسرعة استخدامها، لكن الخطاطين يحذرون من أن التكنولوجيا لا يجب أن تكون بديلاً من الجمال اليدوي، بل وسيلة لدعمه وتوسيع نطاق انتشاره.

- العراق كموطن للخط العربي: يُعرَف العراق بموطن أبرز الخطاطين عبر التاريخ، ويعمل الخطاطون العراقيون على إبراز هذا الفن من خلال المعارض الخاصة والعامة، مؤكدين على أهمية الحفاظ على الخط العربي كثروة وطنية.

شهدت السنوات الأخيرة اهتماماً متزايداً من قبل الخطاطين العراقيين بتعزيز مكانة الخط العربي وتسليط الضوء على جمالياته وفنونه.

يأتي هذا الجهد نتيجة الشعور بخطر انزواء الخط العربي التقليدي بسبب الاعتماد المتزايد على الخطوط الإلكترونية الجاهزة في المؤسسات الحكومية والمجتمع عموماً؛ إذ إن العديد من المواطنين باتوا يعتمدون على هذه الخطوط الإلكترونية في معاملاتهم اليومية، ما أدى إلى تراجع الاهتمام بتعلم الخط العربي التقليدي وممارسته.

جراء ذلك يسعى الخطاطون العراقيون من خلال ورش العمل والدورات التدريبية والتثقيف على وسائل التواصل الاجتماعي لتعزيز التثقيف حول الخط العربي، بحسب تصريحات الخطاط رضوان الحسيني لـ"العربي الجديد" حيث يؤكد أنه يقدم دروساً مجانية لتعليم الخط لأطفال وشباب. ويتحدث رضوان الذي يقضي أغلب أوقات يومه داخل مكتبه الواقع في وسط مدينة الموصل (شمال)، عن استقباله لكثيرين ممن يبدون اهتماماً بتعلم الخط العربي، ليعطيهم دروساً في كيفية التعامل مع أدوات الخط.

ويعتقد الحسيني أن "مهمة أخلاقية ودينية ووطنية تدفعني إلى تشجيع الناس لتعلم الخط وتحبيبه إليهم بعد أن لمسنا نحن الخطاطين ابتعاد كبير للناس عن الخط العربي، وهذا لم يكن موجوداً قبل ظهور الخطوط الإلكترونية". ويضيف: "الخط العربي ممثل مهم لديننا الإسلامي عبر القرآن الكريم الذي يكتب بأجمل الخطوط العربية، وهو أيضاً يمثل تراثنا الثقافي والفني، لذلك فإن الحفاظ عليه وتعظيمه وإعطاءه اهتماماً بالغاً هو واجب ديني وأخلاقي ووطني".

ويلفت الحسيني إلى أن من بين مبادراته التي يتبناها لدعم نشر الخط العربي نشره دروساً مبسطة لتعليم الخط عبر حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى إقامة ورش عمل داخل مكتبه حول أنواع الخطوط وكيفية اتخاذ الصغار هذا الفن هواية. وأكد الحسيني أنه حقق نجاحاً في مشروعه هذا، قائلاً: "اليوم هناك عشرات الشباب والأطفال ومن كلا الجنسين أصبح الخط العربي من أحب هواياتهم التي يمارسونها بعد دخولهم هذه الورشات".

يمكن ملاحظة اهتمام الخطاطين العراقيين بنشر ثقافة تعلم الخط العربي من خلال المشاركة في مسابقات ومعارض ومناسبات مختلفة حيث يعرضون أعمالهم بهدف جذب الشباب والأجيال الجديدة لتعلم هذا الفن وإدراك أهميته الثقافية والتاريخية، بحسب ما يقول لـ"العربي الجديد" الخطاط أحمد اللهيبي.

يرى الخطاطون العراقيون أن الخط العربي ليس مجرد أداة للكتابة، بل هو فن يحمل في طياته هوية الأمة وتاريخها، وفق اللهيبي، الذي يشير إلى أنه "من خلال تسليط الضوء على الجوانب الجمالية للخطوط العربية المختلفة، مثل خط الثلث والنسخ والديواني والتعليق وغيرها، نسعى لإحياء روح الاهتمام بهذا الفن وإظهار قدراته التعبيرية في السياقات الحديثة". ويلفت إلى أن "الخطاطين اليوم يُدخلون في لوحاتهم تفاصيل فنية جمالية مبهرة من النقوش والألوان والرسومات التي لم تكن موجودة في السابق، ما يدفع إلى جذب الناس واهتمامهم وحبهم لهذا الفن وتفاصيله، وهو نوع آخر يساهم فيه الخطاطون بنشر الخط العربي".

التكنولوجيا عدو الخط العربي

يوضح اللهيبي أن الخطاطين يوصون باستمرار من خلال لقاءاتهم بمسؤولين في الأجهزة الحكومية ووسائل الإعلام والقائمين على إنتاج الأعمال الدرامية والأفلام بدعم الخط العربي من خلال الترويج له في الأعمال والنشاطات المختلفة. ويحذر من أن عدم الاهتمام بالخط العربي سيساعد "التكنولوجيا الحديثة" التي يشبهها بأنها "كالعدو الذي يحارب فن الخط العربي وبقوة".

استخدام التكنولوجيا الحديثة في الخطوط العربية بات يُعتمد من قبل الجميع اليوم، سواء في المؤسسات الحكومية أو الخاصة وعموم المجتمع، لسهولة وسرعة استخدامه وخياراته الواسعة وخفض تكلفته مقارنة بالخط اليدوي المتعارف عليه. لكن يؤكد اللهيبي أنه "لا يجب أن يكون بديلاً من الجمال اليدوي لهذا الفن، بل يمكن للتكنولوجيا أن تكون وسيلة لدعمه وتوسيع نطاق انتشاره بين الأجيال الجديد".

الاهتمام المستمر من قبل الخطاطين العراقيين بتثقيف الجيل القادم يعكس إدراكاً عميقاً لأهمية الحفاظ على هذا الفن، الذي يُعَدّ جزءاً لا يتجزأ من الهوية الثقافية للعالم العربي، فضلاً عن ارتباطه العميق بالتراث العراقي.

فعلى مرّ العصور، برع الخطاطون العراقيون في تطوير أساليب وتقنيات فنية مبتكرة في الخط العربي، واشتهرت أسماء عراقية في هذا الفن، وهي تُعَدّ اليوم مدارس كبيرة يتعلم منها الخطاطون في مختلف البلدان.

العراق موطن الخط العربي

ويُعرَف العراق بموطن أبرز الخطاطين عبر تاريخ هذا الفن، فمنذ عصر صدر الإسلام اشتهر الخط الكوفي الذي ظهر في مدينة الكوفة جنوبيّ البلاد، وصولاً إلى صدر الدولة العباسية التي بزغ فيها نابغة الخط العربي ابن البواب، مروراً بخطاطين كُثر ازدحم بهم تاريخ الخط العربي في العراق، وصولاً إلى هاشم محمد البغدادي الذي توفي في عام 1973.

وتشتهر في ذلك مقولة الخطاط التركي حامد الأمدي، الذي يعد آخر الخطاطين العظام، حيث قال إن "الخط ولد ومات في بغداد". ويشير بذلك إلى أن ولادته كانت من الخطاط البغدادي المعروف ابن البواب، ووفاته برحيل الخطاط هاشم البغدادي.

وعليه، يؤكد الخطاط حسين العبيدي لـ"العربي الجديد"، أن "الخط العربي ثروة وطنية يجب الحفاظ عليها؛ فهو فن وعلم حمله أساتذتنا وطوروه وجمّلوه ونشروه في العالم؛ لذلك نحاول نحن ورثتهم أن نعمل بكل جهد لكي نحفظ فضل وإرث خطاطينا الأوائل ونواصل إبراز هذا الفن للناس ونشره دون أن نلتفت إلى تأثير التكنولوجيا الحديثة".

ومن بين أبرز المساهمات التي تحافظ على الخط العربي وتدفع الأجيال إلى حبه وتعلمه هي المعارض الخاصة والعامة للخط العربي التي تقام باستمرار في مختلف المحافظات. ويقول العبيدي إن هذه المعارض تتيح للزوار فرصة مشاهدة أعمال فنية مبهرة، وتعرّفهم إلى دقة التفاصيل وروعة الإبداع الذي يُميز الخطاط العربي، مضيفاً: "أنا وكثيرون غيري من الخطاطين حين نقيم معارضنا الخاصة أو الجماعية نوجه الدعوات إلى رياض الأطفال والمدارس لكي يحضر الصغار ويتعرفوا إلى هذا الفن العظيم ويحبونه؛ فحب الأشياء هو ما يدافع عنها مهما كانت التحديات".

المساهمون