فيلمان مصريان جديدان (2021) يُصنّفان في النوع الكوميدي، من دون بلوغ حدٍّ مقبولٍ منه. "أعز الولد" لسارة نوح و"نُصِّ يوم" لحسن السيّد يحاولان اشتغالاً كوميدياً، لكنّ النواة الحكائية والشكل الإخراجيّ والأداء التمثيلي تحول كلّها دون تحقيق اشتغالٍ كهذا، مع فرقٍ بينهما، يكمن في أنّ "نُصّ يوم" ينتهي بمشهدٍ درامي حزين، بعد سلسلة لقطات متتالية، تخلو غالبيتها الساحقة من كلّ إضحاكٍ وترفيهٍ.
رغم أنّه يجمع ممثلات مصرياتٍ، لكلّ واحدة منهنّ أدوار كوميدية ودرامية متفاوتة الأهمية، كالراحلتين رجاء الجداوي (الفيلم مُهدى إليها) ودلال عبد العزيز، إلى ميرفت أمين وإنعام سالوسة وشيرين، يعجز "أعز الولد" عن تحرير نصّه السينمائيّ من معالجة باهتة، وأداء مسطّح، مُشبع بتصنّعٍ ومبالغة. ومع أنّه يُصبح آخر ظهور سينمائي للجداوي (1934 ـ 2020) وعبد العزيز (1960 ـ 2021)، وهذه ميزة وحيدة له، من دون التغاضي عن أدائهما العاديّ فيه، والمتكلّف أحياناً، يعجز "أعز الولد" عن ابتكار شكلٍ يُلائم حكايةً عادية، في عالم البورجوازية والنزاعات العائلية الداخلية، مع التنبّه إلى أنّ الحكاية تتجرّد من كلّ معالجة مُقنعة ومؤثّرة ومُضحكة، مع أنّ الفيلم يُراد له أنْ يكون كوميدياً.
"نُصِّ يوم" (قصّة وسيناريو وحوار الأديب السعودي عبد الرحمن عثمان المرشد) مُصابٌ بأعطابٍ فنية وتقنية وكتابيّة، تكاد تُشبه أعطاب "أعز الولد" (قصّة وسيناريو وحوار شريف نجيب وجورج عزمي)، الذي ـ رغم هذا ـ يُحافظ على نسقٍ واحدٍ لكوميديا مُعطّلة، بدلاً من التحوّل المفاجئ، في دقائقه الأخيرة، إلى بُكائية "مُثيرة للضحك المُسطّح"، لشدّة خوائها وعدم توافقها ومسارٍ مناقضٍ تماماً لها (نُصِّ يوم).
النصّان مُفكّكان، مع أنّ البنية الأساسية واضحة: خطف تلامذة مدرسة للأغنياء (أعز الولد)، وسؤال الأب المؤمن عن ابنه عمر، والبحث عنه في يومٍ كامل، مع أنّ العنوان يقول "نُصِّ يوم". نهاية "أعز الولد" منبثقةٌ من مساره، المُحافظ على رغبةٍ في الكوميديا، تبقى ناقصة؛ بينما نهاية "نُصِّ يوم" انقلابٌ يتناقض مع الوجهة المرسومة لحكاية أبٍ، لا يزال ينكر وفاة ابنه عمر، فيظنّ جيرانه في المجمّع الثري أنه متوارٍ عن الأنظار، فيبحث بعضهم عنه من دون جدوى، وهم غير عارفين حقيقة الوفاة، وبعضهم غير عارفٍ أنّ للأب ابناً يُدعى عمر.
الدقائق الأخيرة لـ"نُصِّ يوم" تكشف المستور، في بُكائيّة مملّة؛ بينما الدقائق الأخيرة لـ"أعز الولد" تقول بتصالحٍ كبيرٍ وسعادة أكبر، فالأحفاد/ الأولاد يعودون إلى ذويهم، والجدّات ينتبهن إلى ضرورة تخفيف التسلّط على عائلاتهنّ، والمغامرة التي يقمن بها لإنقاذ أحفادهنّ تجعلهنّ رهائن لدى عصابةٍ، تريد فدية مالية. وفاة عمر تُصيب والده بصدمةٍ، تجعله ينكر موته ويتعامل معه (الابن) كأنّه حيٌّ يُرزق (نُصِّ يوم). إخفاء هذه المعلومة منذ البداية، رغم ارتباك ابنة الحجّ وشقيقة الراحل في البداية، الذي (الارتباك) يوهم أنّ هناك مخفيّاً سينكشف لاحقاً، خطوة مقبولة، لو أنّ لها تتمة سينمائية متكاملة. المشكلة، إلى جانب فقدان النصّ والمعالجة والإخراج والتمثيل أدنى قواعدها الأساسية، أنّ ما يُكشف لاحقاً يتناقض كلّياً والنوع الذي اختير للفيلم، الذي تجعله نهايته مجرّد دراما عائلية ساذجة، كسذاجة العمل برمّته.
يوحي "نصِّ يوم" أيضاً أنّه مُهتمّ بقضايا مختلفة، كالتنمّر وإنكار حدثٍ وغياب الحِداد وحُسن عمل الشرطة، التي يُلقي رجالها القبض على عصاباتٍ وعاملات في بيوت دعارة. هناك أيضاً عصابةٌ تخطف مهندساً، لاشتغاله في مكانٍ ما، ترفض العصابة، ومن يقف وراءها، أي اشتغال فيه.
وفرة القضايا المطروحة في "نُصِّ يوم" غير مُقنعةٍ لكونها مبتورة ومُسطّحة، تعبر سريعاً السياق الأصلي، المُهتمّ بالبحث عن عمر، من دون عنايةٍ درامية وسجالية وفنية. تماماً كوفرة قضايا أخرى، أقلّ عدداً، يطرحها "أعز الولد"، وأبرزها البناء العائليّ، وسطوة الكبار على صغارهم، آباءً وأمهات وأحفاداً، ونزاعات بين رجلّ مستبدّ وزوجته المحجّبة، والتعالي الذي يسم نساء ثرياتٍ (ظهور عابر لمنى زكي). هذه قضايا عابرة بدورها، فالحبكة الأساسية معقودة على سعي الجدّات إلى إنقاذ أحفادهنّ من عصابةٍ، تطلب 5 ملايين جنيه، قبل إلقائها القبض عليهنّ، فترتفع القيمة المالية للفدية المطلوبة. والنهاية؟ تمكّن الجدّات من إنقاذ الأحفاد، ومساهمتهنّ الفعلية في إلقاء القبض على رجال العصابة.
فيلمان كهذين يُمكن تفادي إنجازهما، بدلاً من أنْ تُصرف أموالٌ في تحقيق ما يوصف بكونه "مضيعة وقت". تبدو الرداءة سمةَ مرحلة ارتباك في العالم، وإنْ تُنتج سينمات كثيرة، عربية وأجنبية، أفلاماً تُثير متعاً ونقاشاتٍ وتأمّلات وراحةً، أيّاً تكن حكاياتها وحالاتها وانفعالات شخصياتها.