قصص من غزّة وعنها... حكايات القطاع وأهله

27 مايو 2024
من معرض "قصص من وعن غزة" في رام الله (العربي الجيدد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- "قصص من وعن غزة" هو معرض في رام الله يعرض تسجيلات بودكاست لحكايات من غزة ومناطق فلسطينية أخرى، تهدف لتوثيق تجارب الحياة والمعاناة خلال الحرب الإسرائيلية.
- المعرض جزء من مشروع "ترددات مسموعة"، يستعرض مقاطع صوتية تعكس الحياة المعاصرة والتراث في فلسطين، مع التركيز على الصمود والأمل في ظل الحرب.
- يضم المعرض قصصًا مثل "سفير الحلاقة" و"يوميات نازح"، تنقل تجارب متنوعة وتحديات الحياة في غزة، مستلهمة من رسالة الشاعر رفعت العرعير عن الصمود وأهمية نقل الحكايات.

"قصص من وعن غزة" ليس معرضاً تشكيلياً، بل مساحة استماع. أمام كل صورة في المعرض المقام في رام الله، يقف المتفرّج ليستمع إلى حكاية خاصة. حكاية تلو الأخرى، هي تسجيلات بودكاست، نفذها وسّجلها شباب من أجيال مختلفة، من قطاع غزّة وباقي المدن والقرى الفلسطينية، عبر راديو "أثير" الثقافي، بهدف تسجيل قصص من غزة، في ظل تواصل حرب الإبادة الإسرائيلية منذ أكثر من ثمانية أشهر.
المثير للسخرية ربما هو أنّ هذا المشروع المنفّذ بحرفية وبإخلاص تام من الفلسطينيين المشاركين فيه، يقام في المركز الثقافي الألماني الفرنسي في رام الله، بالتوازي مع استمرار دعم ألمانيا بشكل خاص الاحتلال الإسرائيلي، وتزويده بالأسلحة المناسبة لقتل أبناء قطاع غزّة وبناته.

تردّدات مسموعة

يأتي معرض قصص من وعن غزة ضمن مشروع "ترددات مسموعة"، هو العنوان الجامع لاستعراض مقاطع مسموعة عاشها فنانون، وموسيقيون، وصحافيون، وكتاب من فلسطين، ووثقوا عبرها جوانب من الحياة المعاصرة، في استعادات لتاريخ وتراث مجتمعهم ضمن رؤيتهم الفنية. ويكشف المعرض الصوتي "قصص من وعن غزّة"، حكايات لتجربة مُركبة، تؤطرها شهادات المشاركين، عن حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، التي لم تترك أحداً إلا وأصابته بنكبة جديدة.
كتب هذه القصص مدونون وكتّاب من غزة، وعمّموها تبعاً لنهج ووصية الشاعر الشهيد رفعت العرعير، حين قال: "إذا كان لا بد أن أموت، فلا بد أن تعيش أنت، لتروي حكايتي".
وكما روى الفلسطينيون قصصهم بطرق مختلفة على مر الزمن، فالمعرض الصوتي هذا يسرد فيه الرواة "قصص من لا صوت لهم من أخوتنا الصغار في غزة، في محاولة صغيرة منا لعيش جزءٍ من مأساتهم ومعاناتهم".
وتسلط التسجيلات التي قُدّمت بطريقة مُبتكرة الضوء على واقع الحياة في القطاع خلال العدوان المتواصل وفترات التهجير، حيث يتمحور الحديث حول الظروف الصعبة التي يعيشها أصحابها، أو من تُروى حكاياتهم، وكيف تؤثر هذه الظروف على ممارسة المهن المختلفة.
تحت عنوان "لتروي حكايتي"، أعدّ عمار أبو حسين تسجيلاً صوتياً حول أطفال غزّة، الذين كبروا قبل أوانهم، خصوصاً في الحرب المتواصلة منذ قرابة ثمانية أشهر، وما سبقها من حروب، فباتوا هم، كما أحلامهم وآمالهم، هدفاً لهذه الحرب الطاغية، فهؤلاء الذين رآهم جثثاً أو جرحى أو نازحين، كما يقول في التسجيل، قد يكونون هم أنفسهم الذين رآهم يلهون قبل ست سنوات في غزّة، وربما تتشابه قصصهم مع حكاية "أمير" الشهير بـ"شهيد الطحين"، أو حكاية "شهد" الناجية الوحيدة من تحت ركام منزل عائلتها.
وتميّز تسجيل "يوجد هنا صيدلية" من إعداد وتنفيذ وائل جروان، بالنظرة الإيجابية والتفاؤل، مُظهِراً الصمود والإرادة القوية للأفراد في مواجهة التحديات، بحيث تعكس عبارة "يوجد هنا صيدلية"، التي أصبحت شعاراً للأماكن التجارية في الخيام، انتصاراً لروح الصمود والأمل في مواجهة الظروف الصعبة.

حلاق ونازحون

يفتح لنا الحلّاق محمد أنور بكير نافذة تاريخية على مهنة الحلاقة في غزة، بل ويأخذنا في رحلة تحكي لنا تاريخ مهنة الحلاقة والحلاقين في غزة. وكان محمد أنور يدير صالون الرمال للرجال في غزة، وهو أحد أقدم صالونات الحلاقة في القطاع، مُكملاً بذلك مشوار أبيه أنور بكير، حيث يتحدث في تسجيل "سفير الحلاقة"، من إعداد عمر موسى، عن علاقته مع مهنة الحلاقة وعن كتابه الذي أنجزه حول تاريخ مهنة الحلاقة والحلاقين في غزة.
وفي تسجيل"يوميّات نازج" من إعداد وإنجاز تامر نجم، يستمع من يضع السمّاعات في تلك المساحة المخصصة للمعرض الصوتي في الطابق السفلي من المركز إلى تسجيلات صوتية مؤثرة للنازحين من قطاع غزة إلى رفح، حيث القصص الحية التي يرويها أصحابها بأصواتهم، وتتناول تفاصيل حياتهم اليومية منذ الصباح الباكر حتى اللحظات الأخيرة ما قبل اليوم.
وتعكس هذه التسجيلات الواقع القاسي الذي يواجهه النازحون في مخيمات النزوح، حيث يعانون مع طوابير طويلة للحصول على الاحتياجات الأساسية، علاوة على أسعار السلع الخيالية، التي تجعل الحياة أكثر صعوبة ومأساوية، كما تسلط الضوء على الظروف الصعبة التي يواجهها النازحون في معسكرات التخييم، وكيفية تأثير ذلك على حياتهم اليومية وسط  النزوح المتواصل تحت القصف.
ومن إعداد وإنجاز رمز بشارات، وتحت عنوان "عالقون حتى إشعار آخر"، ركز هذا التسجيل الصوتي على اليوميات الصعبة للغزيين العالقين في الضفة الغربية والقدس والداخل بعيداً عن عائلاتهم وبيوتهم، التي تعاني من القصف المتواصل منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. ففي هذا التسجيل، نستمع إلى حكاية أم محمود، التي قدمت إلى الضفة الغربية بتصريح من سلطات الاحتلال لأسباب طبية، كي ترافق ابنتها عبير المُصابة بالسرطان، لتعلق في رام الله إلى أجل غير مسمى.

وأعد هشام ورزان  أبو عساكر تسجيلاً صوتياً لمعرض قصص من وعن غزة عن نفسيهما بصفتهما شقيقين من غزة يعيشان في المنفى، يتناولان فيه تجربة الخروج من مدينتهما التي يحبّان عبر الحواجز العسكرية الإسرائيلية والمعابر، كما يعودان إليها بذاكرتهما التي تقاوم المحو. يذهب بنا هشام للحديث عن الأمكنة والحياة الثقافية التي شكلت شخصيته هناك وصنعت هوّيته الشعرية، وباتت بعد السابع من أكتوبر الماضي أثراً بعد عين، كما تحكي رزان عن الحاكورة الواقعة أمام منزلها لتكتشف علاقتها، كونها فلسطينية، بالأرض، التي يجهد المحتل لتفتيتها بل وإبادتها، وتدمير أي جسر معنوي أو مادي ما بينها وبين أصحابها.
في تسجيل "في حُب غزّة" الذي أعدته شهد بني عودة، نستمع للصحافية الغزّية هند خضري (الصورة)، تتحدّث عن نشأتها، وعملها، وعائلتها، وبيتها، وحبّها لغزة، ولكن الاستثنائي هو توقيت إنتاج الحلقة وسياقها. الاستثنائي هنا ظروف خضري واختيارها البقاء في غزة بعد قرابة ثمانية أشهر من محاولات الاحتلال إبادة غزّة وإصراره على محوها من على وجه الأرض، وإزالتها عن الخريطة.

المساهمون