استمع إلى الملخص
- قادة وسائل الإعلام الغربية قمعوا خطاب العاملين المؤيدين للفلسطينيين، وتعرض العديد منهم لهجمات وتهديدات بالقتل، مثل ديفيد فيلاسكو ومايكل إيزن وستيف بيل.
- فرضت وسائل الإعلام الغربية قواعد جديدة تحد من التغطية واستخدام الصحافيين لحساباتهم الشخصية، مما أثر سلباً على نشر الرواية الفلسطينية وزاد من العنف ضد الصحافيين.
منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأوّل الماضي، تشهد وسائل الإعلام الغربية حملات انتقام وتكميم أفواه للصحافيين والعاملين الذين أدانوا استمرار الإبادة والقتل والتجويع بحقّ الفلسطينيين، ولترويع من يفكرون برفع صوتهم في المستقبل.
وبيّن الاتحاد الوطني للكتاب في الولايات المتحدة في تقرير أصدره في مايو/ أيار الماضي، وجود نمط انتقامي واضح من الصحافيين المعارضين لحرب الإبادة التي أودت حتى اللحظة بحياة 40 ألف شهيد فلسطيني، بحسب موقع تروث أوت الأميركي.
وثّق التقرير 44 شكوى في مكان العمل بين السابع من أكتوبر 2023 ومطلع فبراير/ شباط 2024، في الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وألمانيا. أدّت هذه الشكاوى إلى حالات طرد وإيقاف عن العمل وإلغاء خطابات وفرض للرقابة، كان ضحيتها بالدرجة الأولى العاملون الملونون بنسبة 76% والمسلمون بنسبة 38%.
ولفت معدو التقرير إلى أن قادة وسائل الإعلام الغربية عملوا منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية ضد غزة على قمع خطاب العاملين والصحافيين الذين حاولوا نقل الرواية الفلسطينية أو عبّروا عن انتقاداتهم لانتهاكات الاحتلال لحقوق الإنسان.
إضافةً إلى ذلك، تعرّض آخرون، مثل الناشطة والكاتبة نورا ليستر مراد، لحملات هجومية عبر الإنترنت ولتهديدات بالقتل بسبب موقفهم المؤيد للفلسطينيين. فيما فرضت صحيفة ذا نيويورك تايمز قراراً يمنع 38 صحافياً من تغطية العدوان على غزة، بعد توقيعهم على رسالة تدين قتل الاحتلال للصحافيين في القطاع.
ومن بين أشهر المطرودين من وسائل الإعلام الغربية بسبب موقفهم المناهض للحرب، رئيس تحرير مجلة آرت فوروم، ديفيد فيلاسكو، الذي أقيل بعد توقيعه على رسالة مفتوحة تدعو إلى وقف إطلاق النار، ورئيس تحرير مجلة إي لايف، مايكل إيزن، والصحافية في سي تي في نيوز أتلانتيك، يارا جمال، إضافةً إلى رسام الكاريكاتير البريطاني ستيف بيل الذي كان يعمل في صحيفة ذا غارديان البريطانية.
نشر ستيف بيل في مسيرته المهنية أكثر من 13 ألف رسم كاريكاتيري معظمها في "ذا غارديان"، لكن ذلك لم يحمه من الطرد بتهمة "معاداة السامية". أمّا السبب فرسم يصور رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو وهو يحمل مشرطاً فوق معدته، التي احتوت خريطة لقطاع غزّة، وكتب: "يا سكان غزّة اخرجوا الآن".
وقال بيل لموقع تروث أوت: "تلقيت مكالمة من المحرر عندما كنت في قطار متوجهاً إلى مؤتمر. أبلغني أنهم لا يستطيعون استخدام الرسم الكاريكاتوري لأنه يحتوي على مجاز معادٍ للسامية، رطل اللحم الذي طالب به شايلوك، المقرض اليهودي في مسرحية تاجر البندقية".
أشار إلى أنّه صدم من المكالمة، وأوضح أن الفكرة لا علاقة لها بمسرحية شكسبير، بل مستوحاة من رسم كاريكاتوري لديفيد ليفين بعنوان "ندبة جونسون" نشرته مجلة ذا نيويورك ريفيو أوف بوكس عام 1966، يظهر فيها الرئيس الأميركي آنذاك ليندون جونسون وهو ينقش صورة على شكل خريطة فيتنام على جذعه.
بالنسبة لبيل كان الاتهام "مفتعلاً"، أضاف: "بمجرد أن أدركت أن ذا غارديان لن تنشر الرسم، كتبت تفاصيل ما جرى على إكس ونشرت الكاريكاتير على صفحتي". في النهاية أدى ذلك إلى طرد الرسام بحجة أنه كتب عن "قرار تحريري سري".
وأكمل: "من الواضح أن هناك مجموعة ضغط تعمل، لذلك لن يقترب مني أحد بعد الآن في الصحافة البريطانية. لقد تجاوزت الصدمة الآن وأحاول القيام بأعمال أخرى"، معتبراً أنّ "الأمر أشبه بوضعي على القائمة السوداء".
وسائل الإعلام الغربية تنتقم من مناهضي الحرب
بعد بدء العدوان على غزة انتشرت العديد من الأخبار بين أعضاء اتحاد الكتاب الوطنيين عن صحافيين وفنانين ومحرّرين تعرضوا للفصل أو العقاب بسبب مناهضتهم للصهيونية والحرب الإسرائيلية، بحسب ما قالته المراسلة المستقلة خولة ناقوع.
كان تواتر هذه الأخبار الدافع وراء تحقيق اتحاد الكتاب في القضية، وفق ناقوع، التي أضافت في حديث مع "تروث أوت": "لقد أدركنا أن هذه ليست مجرد قضية صحافية. الأشخاص الذين يتحدثون عن آرائهم غالباً ما يعرضون حياتهم المهنية للخطر، لذا فهذه أيضاً قضية نقابية، وقضية عدالة في مكان العمل".
حقّق التقرير في قضيتين متشابكتين تؤثران على الصحافيين والعاملين في وسائل الإعلام الغربية: الأولى هي الانتقام بسبب ما قالوه أو كتبوه، والثانية تتمثل في الرقابة الذاتية.
قالت ناقوع: "نعلم أن هناك تاريخاً طويلًا من الضغط على الأشخاص الذين يتحدثون عن فلسطين، لكنني ما زلت مندهشة من شدته". كما اعتبرت أن مواجهة الصحافيين حملات عنيفة بسبب توقيعهم على رسائل تطالب بالسلام أو الدعوة إلى إنهاء القتل، "أمر مروع وله تأثير هائل على كيفية قيام المراسلين بوظائفهم".
وأشارت إلى أن حالات الطرد والعقاب حظيت بتغطية إعلامية واسعة عمداً، بهدف جعل الصحافيين الآخرين أكثر حذراً في انتقاء عباراتهم، و"جعلهم غير قادرين على وصف الحرب بالإبادة الجماعية أو وصف المذابح بأي شيء آخر غير كونها حوادث مؤسفة".
كذلك، فرضت العديد من وسائل الإعلام الغربية قواعد جديدة على صحافييها ومراسليها، تحد من نطاق التغطية ومن كيفية استخدامهم لحساباتهم الشخصية على منصات التواصل الاجتماعي للتعليق على الأحداث السياسية.
قال محرّر الفيديو في مجلة ديليش التابعة لشركة هيرست، والرئيس المشارك لنقابة موظفيها، زاكاري لينون سيمون: "بعد السابع من أكتوبر مباشرة، تلقى الموظفون رسالة داخلية تتعهد بأن هيرست، التي تمتلك 35 محطة تلفزيونية و24 صحيفة يومية و52 صحيفة أسبوعية وأكثر من 200 مجلة، ستتبرع للمنظمات المؤيدة لإسرائيل. لكن لم يُذكر أي شيء محدد حول مساعدة الشعب الفلسطيني".
واستعاد لينون سيمون الجدل الذي أشعله منشور لرئيسة تحرير مجلة هاربر بازار، سميرة نصر، عن جرائم الاحتلال في غزة، متحدثاً عن انتشار دعوات لطردها، وتعرضها للتوبيخ من رئيسة مجلات هيرست، أدانت ديبي تشيريشيلا، ممّا دفعها للاعتذار وسحب منشورها.
بعدها بفترة وحيزة أصدرت تشيريشيلا "سياسة هيرست" للاستخدام المقبول لوسائل التواصل الاجتماعي"، التي حظرت على العاملين والمتعاونين معها من نشر رسائل سياسية تتعارض مع مواقف الشركة على منصات التواصل الاجتماعي. كما طلبت الإدارة من الموظفين التوقيع على وثيقة تلزمهم بالامتثال للقواعد الجديدة.
تصعيد مستمر
رأى مدير الاتصالات في مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية، إبراهيم هوبر، في حديث مع "تروث أوت" أنّ التحيّز ضد الفلسطينيين أمرٌ مستمرٌ منذ سنوات، وأنّ "وسائل الإعلام الغربية المهيمنة كانت تجرّد الشعب الفلسطيني من إنسانيته لعقود من الزمان"، معتبراً أنّ ذلك يوضح "رد الفعل العنيف ضد الأشخاص الذين يتحدثون علناً لدعم الفلسطينيين". لكنّه أشار إلى تغيّر إذ بات الناس "يرون أخيراً ما يفعله المتطرفون الإسرائيليون ويسجلون أن الحكومة الإسرائيلية تسعى إلى محو الشعب الفلسطيني".
كانت الكاتبة الشابة أوتون ألين واحدة من كثيرين تعرّضوا لحملات عنيفة بسبب تأييدهم للشعب الفلسطيني، ممّا أدى إلى خسارتها فرصاً ودعوات للمشاركة في فعاليات مختلفة.
في فبراير/ شباط الماضي، كانت ألين تتحضر للمشاركة في فعاليات اليوم العالمي للحجاب في إحدى مدارس ماساشوستس. لكن، وقبل ثلاثة أيام على اللقاء، أبلغت الكاتبة بأن بعض الأهالي شعروا بأن عرضها سيجعل المدرسة "غير آمنة" للطلاب اليهود. أمّا السبب، فيعود بحسب ألين إلى نشرها "لوحة تصور طفلاً يقف أمام جدار عليه رسومات غرافيتي، مع كلمتي الله والمقاومة المكتوبتين باللغة العربية".
أضافت: "بصفتي امرأة مسلمة سوداء، أشعر بالإهانة لأن الناس يرون في ذلك تهديداً. اتُهمت بأنني أكره اليهود ومعادية للسامية، وعندما دافع الناس عني على وسائل التواصل الاجتماعي، ووصفوني بالمؤلفة المتميزة، رد أحدهم بأن هتلر كان مؤلفاً متميزاً أيضاً. إنه اغتيال للشخصية".
في مايو الماضي، واجهت ألين موقفاً مماثلاً، فقبل أيام من لقاء في مدرسة أخرى في ماساشوستس، أبلغتها الإدارة بأنّ بعض الأهالي اشتكوا من مشاركتها، ووصفوها بأنها "معادية للسامية". لكن، هذه المرة، أبقت المدرسة على الاستضافة واكتفت بإعادة جدولتها.
تركت هذه التجربة آثاراً سلبية على الكاتبة، التي ما زالت تتلقى رسائل مضايقة على موقعها الإلكتروني وعلى منصات التواصل الاجتماعي، مشيرةً إلى أنّها ليست الكاتبة الوحيدة التي ألغيت استضافتها في مدارس محلية.
من جهتها، رأت الكاتبة اليهودية نورا ليستر مراد، المتزوجة من فلسطيني، أن الحملات المماثلة لتلك التي تعرضت لها ألين، تهدف إلى نزع الشرعية عن الأصوات الفلسطينية وإسكات اليهود المناهضين للصهيونية.
كانت الروائية قد كتبت في وقت سابق من عام 2023: "من خلال دمج الهوية اليهودية التي يبلغ عمرها قرابة 4000 عام مع دولة إسرائيل التي يبلغ عمرها 75 عاماً، يقترح الفاعلون السياسيون المؤيدون لإسرائيل بشكل مخادع أن تصوير الفلسطينيين بشرا، أشخاصا ذوي حقوق، أو حتى مجرد التعامل مع فلسطين بما هو موضوع مشروع للتحقيق، يأتي على حساب سلامة اليهود".
وهو الأمر الذي تنبّه له تقرير الاتحاد الوطني للكتاب الأميركيين، الذي لفت إلى أن الخلط بين معاداة السامية ومعاداة الصهيونية كان له تأثير مضر على ما تنشره وسائل الإعلام الغربية عموماً، والأميركية خصوصاً.
أضاف: "عندما تمنع إدارات المؤسسات الإعلامية موظفيها من تغطية الحكومة الإسرائيلية بشكل نقدي، أو تسليط الضوء على العنف المتطرف على وسائل التواصل الاجتماعي، أو الدعوة إلى حماية زملائهم، فإنهم يساهمون في تصعيد العنف الذي يؤثر بشكل ملموس على الصحافيين الأكثر ضعفاً في غزة".