كما كان اسم الشاعر نزار قباني يحظى بحب وشغف النساء، بسبب قصائده الغزلية والجريئة والمدافعة عن المرأة وحقوقها، يرتبط اسم المطرب كاظم الساهر بالنساء كذلك. فالمغني العراقي استطاع أن يجذب قلوبهن إلى أغنياته، فصار مطربهن المفضل، منذ أن تخصص في تقديم قصائد نزار قباني نصير النساء وملهمه الفني. حتى أن الساهر الذي بدأ مشواره الفني في نهاية الثمانينيات مقدماً للأغنيات العراقية الشعبية، غيَّر من جلده الغنائي على أعتاب الألفية الجديدة، جاراً الجمهور معه إلى بستان القصيدة الفصحى المليئة بالغزل، حتى صارت "الأغنية القصيدة" مرتبطة باسم الساهر. فلا ينجو أي مغن آخر من فخ المقارنة مع المغني العراقي في هذا اللون، والذي يعد مُعلّماً فيه لا يضاهيه أحد.
لكن المطّلع على سيرة الساهر الفنية التي تقترب من الأربعين عاماً بمختلف مراحلها، والتي طرح خلالها ما يزيد على 300 أغنية وقعها بتفرده الفني، خاطب في معظمها المرأة، يجد أنه لم يستعن في أغانيه الغزلية بأي من قصائد النساء الشاعرات اللواتي تمتلئ بهن الساحة الأدبية، إلا فيما ندر.
فالساهر لم يخض تجربة الغناء للشاعرات إلا في مرات محدودة، بدأها في عام 2008 مع أغنية "هات حضنك" للشاعرة نشوى جرار في ألبوم "صور"، وأتبعها بتجربة ثانية مع الشاعرة ذاتها في العام التالي بأغنية "نمت وحلمت" في ألبوم "الرسم بالكلمات"، قبل أن يطرح في ألبومه "لا تزيديه لوعة" الصادر عام 2011، القصيدة الفصحى الوحيدة التي قدمها لشاعرة وهي "ماذا بعد؟" من كلمات حنين عمر. وفي عام 2018 قدم أغنية "نحنا ما بدنا شي" من كلمات الشاعرة سهام الشعشاع، والأغنية كانت شارة مسلسل "الواق واق".
ترى الشاعرة حنين عمر (غنى لها الساهر قصيدة "ماذا بعد؟")، أن غناء القصائد الغزلية بالنساء لا يقتصر فقط على مواضيع الدفاع عن المرأة وحقوقها، وتشرح: "في كل القصائد/الأغاني، هناك دفاع عن الرجل العاشق، وأجد أن كاظم هو صوت الرجل العاشق بامتياز، الرجل الحقيقي الذي يحب بصدق ويقول في محبوبته أجمل ما يمكن أن يقال في المرأة، لذا برأيي فإن كاظم الساهر لا يدافع عن النساء بشكل خاص، بل يدافع عن قيمة الحب الحقيقية بشكل عام في أغانيه، سواء كان في أعماق رجل أو في أعماق امرأة، وهذا ما ينبغي أن يكون الفنان الحقيقي عليه، وهو أن يكون صوت الإنسان والجمال أينما كان وكيفما كان". وحول اقتصار تجربة كاظم الساهر في التعامل مع الشاعرات على عدد محدود، ترى حنين أن الأمر عادة يكون بيد المطرب الذي يختار ما يجده مناسباً في الوقت الذي يحدده، مشيرة إلى تجربتها الوحيدة مع كاظم، كانت عندما أهدته ديوانها الشعري، واختار منه ما وجده ملائماً لمشروعه الفني.
الشاعرة نشوى جرار، والتي تجرأت أن ترسل بقصيدة لمطربها المفضل لكي يغنيها لها، تروي حكايتها بالقول: "لك أن تتخيل طفلة في عامها الثالث عشر، تلثَغ قليلاً في لفظ الراء وتتفوق في دراستها كي لا تترك فرصة لأحد بلومها على هوسها بكتابة الشعر، تحارب طواحين الحظ، لترسل ورقة واحدة لعراب شغفها الأدبي، كاظم الساهر، وعندما تصله ورقتَها الأولى، يرن هاتف منزلها ليأتي صوته قائلاً لها: لا تتوقفي أبداً، سيكون لنا ذات يوم شيء معاً، وهو ما تحقق بعد عشرة أعوام عندما غنى لي (هات حضنك)، كان تعاوني الأول بعد اجتهاد كبير، وهو شهادة أعلقها إلى جانب شهادتي في طب الأسنان". تضيف نشوى: "في التعاون الثاني، كان الأمر صعباً للغاية فاللحن مُعد مسبقاً، وكاظم يشتهي أغنية تبدأ بكلمتين اثنتين، لم أنم لأيام حتى كانت (نمت وحلمت)، والتي أسعدني أن تكون نشيداً للعاشقات والعاشقين معاً". وحول ندرة تعاون الساهر مع الأصوات الشعرية النسائية، ترد نشوى الأمر إلى أن القصيدة هي التي تفرض نفسها على المطرب، فهو لا ينظر إلى اسم كاتب القصيدة بقدر مضمونها.
يجد الكاتب الصحافي والناقد الفني، طلعت شناعة، في كاظم الفنان الذكي والملحن المتميز، يضيف: "الذكاء صفة كان يمتاز بها المطرب الراحل عبد الحليم حافظ، وأجد أن الساهر هو التالي في هذا الأمر، فهو ملحن متميز أيضاً وقادر على اختيار الكلمات التي تتواءم مع مشروعه الفني، فالساهر هو نصير المرأة وقضاياها والمدافع الأول بأغانيه عن المشاعر الراقية، لذا أرى أنه الأحق بأن يحظى بالمكانة التي وصل إليها". ويرفض شناعة حصر غناء الساهر الغزلي بنصوص نساء على اعتبار أن المرأة الأقدر على تدليل ذاتها، بالقول: "بالعكس القصيدة التي يكتبها الشاعر/ الرجل أصدق، وتجد روح المرأة بها أكثر شمولية". ويؤشر شناعة على مسألة خجل الشاعرة/ المرأة العربية عامة في التعبير عن مشاعرها إلا فيما ندر، لذلك: "بالتأكيد كاظم ينتصر لفكرة القصيدة، ومدى مناسبتها لمشروعه الفني، أكثر من اسم من كتبها وجنسه".
ترى الكاتبة الصحافية سوسن مكحل بأن كاظم الساهر يؤمن بما يغني، مستعينة بجملة من أغانيه تقول: "كوني امرأة خطرة.. كوني الأنثى كوني النمرة". وتشرح: "أنا مؤمنة برسائل العاطفة والغزل التي يبعثها كاظم لجمهوره من الجنسين، ولأنه مطرب رجل لزاماً أن ينجذب نحو النساء، وكذلك ترى النساء من الجمهور بأنه فتى أحلامهن الرومانسي، لذا لا أجد الغناء من كلمات شاعر أو شاعرة مهماً، بقدر غناء ما يؤمن به وما يريد إيصاله من خلال الأغنية".