"أميركا المنقسمة تنتخب، العالم يترقّب". هذه العبارة شكّلت عنواناً رئيسياً لعدد من وسائل الإعلام حول العالم، أو منطلقاً للتغطية بين يومي الثلاثاء والأربعاء. فبينما احتدم الصراع الرئاسي حتى الانتخابات التي أجريت أمس، بين المرشح الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطي جو بايدن، احتدم صراع ترامب مع العديد من الدول عبر سياساته الخارجية التي اعتمدها هو وإدارته، فيما خفتَ مع دول وأنظمة أخرى. هكذا، انعكست السياسات الخارجية على التغطية الإعلامية خلال الانتخابات.
وتقوم العديد من وسائل الإعلام العالمية بتغطية الانتخابات الأميركية بقدر ما تغطي الانتخابات الوطنية في بلدانها، وبقدر ما تغطّيها القنوات الأميركية نفسها. هذا العام، ظهر البودكاست في شكل التغطية الإخباريّة للانتخابات، وتكثّف العمل بالتحديثات الحيّة على المواقع الإلكترونيّة للصحف والشبكات الإخباريّة.
وفي ظلّ تدقيق شركات التواصل الاجتماعي في المنشورات عن الانتخابات، نظراً للانتقادات اللاذعة التي وُجّهت لها بعد انتخابات 2016 إثر استغلالها للتدخل في الانتخابات وتأجيج الانقسام، أوضحت "غوغل ترندس" أنّ أكثر المواضيع التي اهتمّ بها الأميركيّون كانت احتمال نقل الانتخابات مباشرةً على التلفزيون أو عدم نقلها، والتصويت عبر البريد الذي كان ترامب أكبر مصدرٍ للأخبار الكاذبة حوله.
وإضافةً إلى السياسة الخارجية والقرب من ترامب أو عدمه، أثّرت الأخبار الكاذبة هذا العام على التغطية الإعلامية، إذ حاولت وسائل الإعلام أن تتجنّبها وأن توضح للجمهور حقائق كي لا "تتكرّر" أزمة عام 2016.
الإعلام الأميركي
حصّة الأسد في التغطية تذهب للإعلام الأميركي الذي يتجنّد في متل هذه المناسبات لإجراء أوسع وأطول تغطية سياسيّة، تحوز على أعلى نسب مشاهدة. فتحت القنوات هواءها منذ الثلاثاء للحديث عن يوم الانتخاب، مع إعطاء الأهمية للتغطية المتعلّقة بفيروس كورونا وتفشّيه، والتي غابت مع الغوض في النتائج واحتمالاتها.
وعمدت القنوات الإخبارية والصحف إلى التذكير الدائم بأنّ نتائج الانتخابات هذه المرة قد تستغرق وقتًا أطول، وطالبت الناخبين بالصبر، فيما فتحت الشاشات لـ24 ساعة متواصلة من البثّ الحي الذي قطع برامج معتادة هذه المرة. رافقت التغطية خرائط تفاعلية للولايات الأميركية، وهي معتادة للإعلام الذي يحدّث النتائج لحظةً بلحظة لإعلان الفائز في النهاية عادةً، ويحاول جمع الأصوات قبل أن تصدر النتيجة الرسمية لمحاولة معرفة الرئيس الجديد. لكن هذه المرة، أضافت "سي بي إس" خريطة بـ"ماذا يحصل إذا"، فيما سمّتها "إم إس إن بي سي" "ماذا لو".
حاولت القنوات الأميركية تصويب الأخبار الكاذبة والتخفيف من وطأة تصريحات ترامب وادعاءاته حول التزوير والفوز
وكانت واضحة محاولات الشبكات للتخفيف من وطأة تصريحات ترامب، فيما كان الأميركيون يترقبون توتراً في الشارع بسبب الاستقطاب العالي في البلاد إثر الانتخابات والخلاف حول ترامب. وعمد الصحافيون والمراسلون والمحللون إلى تخصيص وقتٍ للقول إنّ تصريحات ترامب غير حقيقية خصوصاً عندما ينتقد التصويت المبكر والتصويت بالبريد، بالإضافة إلى إعلانه الفوز قبل ظهور النتائج النهائية، وهو ما تكثّف عبر "سي إن إن". وأثارت الأخيرة اهتمام الأميركيين عبر مذيعها جون كينغ الذي تابع الانتخابات ونتائجها ليلاً، ووصل للائحة الأكثر تداولاً على "تويتر" في ظلّ الاقتراع.
وفيما أبقت القنوات على النقل المباشر خلال إعلان ترامب الفوز وأوضحت بعد خطاب ترامب، قطعت "إن بي سي نيوز" كلمة ترامب كي توضح للمشاهدين أنّه لم يفز بعد ولا يمكنه القول إنّه فاز في ولايات كبنسلفانيا. من جانبها، كتبت "سي بي إس" أسفل الشاشة أنّ الفائز بالانتخابات لم يظهر بعد، وهو ما أكدته "سي إن إن" في شريطها العاجل. وانتقدت "فوكس نيوز" تصريحات ترامب تلك بعدما كان قد انتقدها هو أمس قائلاً إنّها "تغيّرت".
الإعلام الصيني
لشهور، هيمن التركيز على دونالد ترامب في وسائل الإعلام الصينية. لطالما كانت الصحف نقدية حول تعامله مع فيروس كورونا والتوترات العرقية في الولايات المتحدة وتعليقاته تجاه الصين.
لكنّ هذا لا يعني أن الصين لا تريد أن يفوز ترامب، بحسب "بي بي سي"، التي تقول إنّ الصين تعتبر ترامب خصمًا سياسيًا ضعيفًا على المسرح الدولي، والناس في الصين يحبون كرهه.
ولكن مع بقاء القليل من الوقت قبل الانتخابات، غيرت وسائل الإعلام تركيزها فجأة، وهيمنت التغطية الإعلامية على بايدن.
وأشارت صحيفة "غلوبال تايمز" التي تديرها الدولة إلى أن بايدن يريد "توظيف" الدكتور أنتوني فوشي بدلاً من "طرده ، الأمر الذي أكسبه الثناء في الصين، نظرًا لانتقادات البلاد للتعامل مع كوفيد-19.
تتمتع المغنيّة ليدي غاغا أيضًا بقاعدة جماهيرية ضخمة في الصين، لذا حظيت مشاركة "غلوبال تايمز" لتأييدها لفيديو بايدن بالثناء أيضًا، بحسب "بي بي سي".
ونقلت عن رئيس تحرير الصحيفة هو تشيجين اعتقاده بأنّ بايدن لديه "ميزة واضحة". وأعرب عن قلقه من أن مؤيدي ترامب هم الأكثر "راديكالية وعدوانية".
وأشارت الإذاعة الرسمية CCTV إلى مخاوف مماثلة بشأن التعصب تحت قيادة ترامب. والثلاثاء، بثت قناتها الإخبارية لقطات تحذيرية من "موجة شراء السلاح" في العديد من مناطق الولايات المتحدة قبل الانتخابات. يُظهر التقرير مقابلة مع امرأة ترتدي قناع وجه بايدن، وتقول إنها "قلقة على كبار السن لدينا" الذين يخرجون للتصويت اليوم والذين "عليهم أن يقلقوا بشأن رؤية مجموعة من الناس في الخارج بالبنادق".
مع ظهور النتائج، غطت وسائل الإعلام الحكومية الصينية الانتخابات الأميركية باستخفاف. وأعلنت صحيفة "غلوبال تايمز" التي تديرها الدولة أن الانتخابات تبدو وكأنها واحدة في دولة نامية. وقالت افتتاحية الصحيفة: "من الواضح أن الولايات المتحدة لديها مشاكل مع القدرة التنافسية الوطنية وقدرة الحوكمة الاجتماعية، وأنها بحاجة إلى إصلاحات داخلية جادة وعميقة".
ووصف مينغ جينوي، نائب رئيس التحرير الخارجي لوكالة أنباء "شينخوا" التي تديرها الدولة، الولايات المتحدة بأنها "بلا أمل".
في هونغ كونغ، حيث يرى العديد من المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية ترامب على أنه فحص للقمع الصيني، أنتج مستخدمو "يوتيوب" البارزون تعليقاتهم وتحليلاتهم المباشرة لنتائج الانتخابات الأميركية.
الإعلام الروسي
انعكست الآمال الروسية في فوز ترامب في وسائل الإعلام الموالية للكرملين، والتي أكدت على فكرة أن الديمقراطية الأميركية آخذة في التآكل، وتواجه العنف المحتمل بعد الانتخابات أو صراعات داخلية أوسع، حسبما نقلت "واشنطن بوست".
ووجّهت قناة RT الروسية، كل أسلحتها لجو بايدن، منذ أن دخلت الحملة الانتخابية أيامها الأخيرة.
ففي الأسبوع الذي سبق التصويت في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني، كانت القصص الإخبارية والتعليقات والتغريدات المتعلقة بالانتخابات التي يسيطر عليها الكرملين معادية تمامًا لبايدن. ومن بين أكثر من 30 قصة متعلقة بالانتخابات في الولايات المتحدة على صفحات افتتاحية RT على مدار الشهر الماضي، هناك عدد قليل فقط من المقالات التي خصصت لانتقاد ترامب.
بحسب "بي بي سي" أيضاً وبّخ أحد الكتاب ترامب لرفضه عرضاً روسياً للحد من التسلح، وعرضين آخرين لكونه شديد العدوانية تجاه حليف روسيا الجيوسياسي، الصين. وانتقدت حفنة أخرى كلا المرشحين، في سياق تصوير النظام السياسي الديمقراطي للولايات المتحدة على أنه فاسد ومحتضر - وهي رواية قياسية في وسائل الإعلام التي يسيطر عليها الكرملين بشكل عام. لكن الغالبية العظمى من مقالات الرأي في RT كانت سلبية من جانب واحد تجاه بايدن أو الديمقراطيين بشكل عام.
تؤكد RT على أن مقالات الرأي تعكس وجهات نظر الكتاب الشخصية. لكن جميع مقالات الرأي التي تنشرها تم إنتاجها من قبل مجموعة ضيقة نسبيًا من الكتاب الذين تخلق مخرجاتهم انطباعًا بوجود سطر تحريري واضح المعالم.
الإعلام الأوروبي
كرّست وسائل الإعلام البولندية الكثير من الاهتمام للإجهاض وحقوق المثليين في تغطيتها للحملة الرئاسية الأميركية - وهي القضايا التي أدت إلى استقطاب الانتخابات الرئاسية في البلاد خلال الصيف.
اقتراح دونالد ترامب بوقف تمويل المرافق الطبية الفيدرالية التي تجري عمليات إجهاض أكسبه الكثير من الثناء من شركة البث العامة البولندية TVP، التي تدعم حزب القانون والعدالة المحافظ الحاكم وخطه المناهض للإجهاض.
كما سلطت القناة الإخبارية المتداولة TVP Info الضوء على مبادرات ترامب "دفاعًا عن الحياة"، والتي اعتبرتها في سياق رغبة الرئيس في كسب أصوات المسيحيين الإنجيليين. وقالت القناة إن "إدارته تدافع عن الحقوق الدينية في جميع أنحاء العالم، والرئيس نفسه يدعم أبناء بلده الذين يتعرضون للاضطهاد من قبل دوائر اليسار بسبب دفاعهم عن معتقداتهم". كما حظيت مواقف المرشحين من حقوق المثليين باهتمام إعلامي كبير.
وعلى الرغم من الهجمات الإرهابية الأخيرة ووباء كوفيد-19، تقدم وسائل الإعلام الفرنسية تغطية رئيسية للانتخابات الأميركية. تتمتع أميركا بثقل اقتصادي هائل، فهي أكبر شريك تجاري خارجي لفرنسا، لكن فرنسا ترى أيضًا أن بعض مشكلاتها الاجتماعية الخاصة تنعكس في المجتمع الأميركي، حسبما نقلت "راديو فرانس انترناسيونال".
عنون التلفزيون الفرنسي العام France 2: "الانتخابات التي ستغير العالم". واحتل تحليل السباق بين دونالد ترامب ومنافسه جو بايدن الصفحة الأولى في وسائل الإعلام الوطنية الرئيسية الثلاثاء. فقد عنونت "لو فيغارو": "صدمة الأميركتين"، فيما عنونت "ليبراسيون": "نهاية كابوس"، بينما كان العنوان على "لوموند": "نقطة تحول للولايات المتحدة".
اعتبرت وسائل إعلام أنّ الانتخابات الرئاسية 2020 "ستغيّر العالم"
وتقدم وسائل الإعلام الفرنسية تغطية أوسع بكثير للانتخابات الأميركية من أي انتخابات في أوروبا، حسبما تظهر بيانات المعهد السمعي البصري الفرنسي (INA). وفي عام 2008، مع وصول باراك أوباما، عرضت البرامج الإخبارية الستة الرئيسية في فرنسا سبعة مواضيع كل يوم. حتى في عام 2012، عندما كان الاهتمام أقل، سجل المعهد حوالي 476 تقريرًا عن الانتخابات الأميركية.
من جهتها، قامت صحيفة "بيلد" الألمانية ببناء نسخة طبق الأصل من المكتب البيضاوي لبث التغطية عبر الإنترنت. وغطّى الإعلام البريطاني الذي يولي اهتماماً كبيراً للأحداث في الولايات المتحدة، الانتخابات ونتائجها، مخصصاً أيضاً تغطياته المباشرة للحدث. واعتبرت تحليلات الإعلاميين وتغطياتهم أنّ أميركا منقسمة جداً، فيما أشاروا إلى طول الليلة واحتمال أن تستغرق الانتخابات ونتائجها ساعاتٍ طويلة.