عكست خمس لوحات مسرحية قضية العنف المعنوي الممارس ضد النساء الفلسطينيات في قطاع غزة، وصوّرت جملة من الأزمات والصعوبات والتحديات المجتمعية التي تواجههن، في محاولة لدق ناقوس الخطر، والمساهمة بوضع الحلول المناسبة.
وتطرقت اللوحات المسرحية، التي عرضت الثلاثاء، على خشبة مسرح جمعية الوداد للتأهيل المجتمعي، غربي مدينة غزة، ضمن مسرحية "للصبر حدود" المقدمة من قبل جمعية زاخر لتنمية قدرات المرأة الفلسطينية، مجموعة من القضايا التي تواجه النساء في حياتهن اليومية، والأسرية، والعملية.
ورغم قتامة المواضيع المطروحة، فقد قدّمت لوحات المسرحية في قالب كوميدي، في محاولة لطرح المشكلات والتحديات بطريقة جديدة ومحبّبة للجمهور، تعكس مدى خطورة العنف المعنوي، والذي لا يقل خطورة عن العنف الجسدي المُمارس ضد النساء.
وتضمنت اللوحة الأولى قضية السيدات الأرامل والمطلقات، إذ يتم تقييد المرأة المطلقة بعدة ممنوعات، وبإمكان أي رجل التقدُم للزواج منها، حتى وإن كان مريضاً، أو كبيراً في السن، فيما توافق معظمهن هرباً من الوسم بأنّها "مطلقة"، كما تجبر الكثير من الأرامل على الزواج من سلفها (شقيق زوجها المتوفي)، في تلميح إلى مصادرة حرية الرأي والقرار، وفرض الواقع عليهن، بسطوة العادات والتقاليد المجتمعية.
أمّا اللوحة الثانية فقد حملت قضية معاناة المرأة خارج منزلها، والتي يتسبب فيها بعض الرِجال الفضوليين في الشارع، والذين يراقبون تحركاتها على مدار الوقت، إلى جانب إطلاق الشائعات على النساء، وتحديداً العاملات منهن، بينما تحدثت اللوحة الثالثة عن معاناة المرأة في العمل، والتي تشهد عدة تحديات، تبدا بالتحرش والاستغلال الجنسي من أرباب العمل، أو بعدم إعطائها الراتب الذي يتناسب مع جهدها، والذي يساوي في بعض الوظائف الجهد الملقى على كاهل الرِجال، فيما لا تحصل هي سوى على ربع ما يتقاضونه، وفي حال اعترضت يتم طردها، واتهامها بالتقصير.
وسبق اللوحة الرابعة فاصل للزجل التراثي الفلسطيني والذي مَهّد للحديث عن قضية الرجل المهزوز، والذي يزيد من الأعباء الملقاة على زوجته، والتي تجبر على تحمل كافة الأعباء عوضاً عنه، وفاصل زجلي آخر للتمهيد للوحة الأخيرة، والتي تحدثت عن قضية "الكنة والحماة" في العائلة الممتدة، وتعكس حالة العنف المُمارس من المرأة ضد المرأة، وحالة الصراع الذي تنتصر فيه دوماً الحماة على اعتبارها كبيرة في العمر، إلى جانب أنها والدة الزوج، ممّا يزيد من معاناة الزوجة.
وتوضح الفنانة الفلسطينية لينا أشرف، والتي أدت دور المرأة في اللوحات الخمس، أن اللوحات تعكس حالة الضغوطات النفسية التي تتعرض لها المرأة الفلسطينية بسبب نظرة المجتمع، وذلك بشكل مباشر، يُتيح للجمهور معايشة القصة التي تناقش القضايا التي تلامس مشاكلهم.
وتبيّن أنها شاركت في العديد من المسرحيات والسكيتشات التي تعكس واقع المرأة الفلسطينية، ومعاناتها في مختلف المجالات، سواء المتعلقة بالمجتمع وأزماته، أو المرتبطة بالاحتلال الإسرائيلي، وحالة الحصار المتواصل على القطاع للعام 17 على التوالي، إلى جانب الحروب والاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة.
وترى لينا أنّ المسرح، الذي يعتبر "أبو الفنون" يعكس واقع المجتمع على الخشبة أمام الجمهور، بشكل مباشر، وبدون أي فواصل، أو عناصر تجميل "يوصل الفكرة للمتلقي بدون أي وسيط، وهذا ما يُساهم بوصول الرسالة بشكل أوضح وأسرع".
ويقول مؤلف ومخرج مسرحية "للصبر حدود" سامي ستوم إنّ المسرحية تحاول عكس ملامح العنف المعنوي الممارس ضد المرأة، والذي لا يقل أهمية أو خطورة عن العنف الجسدي، والذي يتم إيلاء الأهمية الكبيرة للحديث عنه وتصويره، إلى أن بات مستهلكًا في الأعمال الفنية والمؤتمرات الصحافية.
وينبه ستوم في حديثه مع "العربي الجديد" إلى أن العنف المعنوي لا يُمارس ضد المرأة في بيتها فقط، وإنما في الشارع، ومواقع العمل، وكافة أماكن تواجدها، ومن الضروري تسليط الضوء عليه، في محاولة للحَد منه، وتقديم الحلول المناسبة للتخلص منه.
وتسعى العروض المسرحية كذلك إلى مواجهة الأنماط والمفاهيم الخاطئة، ومنها النظرة القاصرة تجاه المرأة، إلى جانب بعض العادات المجتمعية، والتعريف بها، وطرحها على المجتمع، تمهيداً لوضع الحلول، وصولًا إلى واقع أكثر أمناً واستقراراً للفلسطينيات، اللواتي يُعانين إلى الممارسات المتعلقة بالاحتلال الإسرائيلي المُتواصل منذ عام 1948، وقد أثر على مختلف نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.