غالباً ما يتناقل أهالي المرضى روايات مختلفة عن خطأ طبيّ أدى إلى وفاة المريض. في أوقات كثيرة، يكون هذا الاستنتاج خاطئا أو نابعا من سوء فهم للعملية الطبية وللعلاج، لكن في أوقات أخرى يكون هذا الشكّ في مكانه، غير أنه نادراً ما تملك عائلة المريض المتوفي الأدلة الحسية التي تثبت شكها وتدين الطبيب.
الأسبوع الماضي، عاد هذا الحديث إلى الواجهة، مع صدور حكم من محكمة الاستئناف في بيروت، برئاسة القاضي طارق بيطار في قضية الطفلة اللبنانية إيلا طنوس التي فقدت أطرافها بسبب خطأ طبي، بينما كانت لا تزال رضيعة. وأدان الحكم طبيبين ومستشفيين مع إلزامهما بدفع تعويض مادي وراتب مدى الحياة للطفلة. الحكم أثار موجة غضب بين الأطباء والمستشفيات الذين قرروا الإضراب اليوم والتوقف عن استقبال المرضى، في أكثر من مستشفى في لبنان.
في مقال نشر عام 2004 في صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، يشرح الطبيب الإنكليزي جِد مركوريو (تحوّل إلى كاتب) ما عايشه أثناء عمله في أحد المستشفيات قائلاً: "جميعنا نقتل بعض المرضى أثناء تعلّمنا للمهنة".
الطبيب جد مركوريو: جميعنا نقتل بعض المرضى أثناء تعلّمنا للمهنة
ويفصّل كيف أن صديقه المقرب الذي كان يعمل معه في المستشفى نفسه، ارتكب خطأ أدى إلى وفاة مريض. إذ كلّف رئيس القسم بمتابعة مستوى البوتاسيوم لدى أحد المرضى، لكن صديقه انشغل كثيراً بمرضى آخرين، فأصيب هذا المريض بنوبة قلبية ومات. ولم يخبر الطبيب مديره بما حصل، خوفاً من طرده.
هذه الحادثة تكشف إذاً عن أسرار كثيرة تعرفها المستشفيات، لكنها تبقى طي الكتمان خوفاً من إنهاء عمل هذا الطبيب أو ذاك. وبحسب ما يذكره المقال، فإنّ بريطانيا تعرف سنوياً 70 ألف وفاة سببها الخطأ الطبي.
أما في الولايات المتحدة وبحسب دراسة نشرها مستشفى "جونز هوبكنز"، فإنّ الأخطاء الطبية هي ثالث سبب لوفاة المرضى، مع 250 ألف وفاة سنوياً. لكن التقرير يشير إلى أنّ المستشفيات نادراً ما تعترف بهذا السبب بل تعزوه إلى مضاعفات في جسد المريض.
وعالمياً، نشرت منظمة الصحة العالمية عام 2019 تقريراً يفيد بوفاة خمسة أشخاص في العالم كل دقيقة بسبب أخطاء طبية في المعالجة، أي أكثر من ضحايا الحروب.
على موقعه الخاص يكشف الطبيب الأميركي الشهير كيفن فو تفاصيل عن الأخطاء الطبية، ويروي قصته الشخصية "كيف نسيت تفقّد البوتاسيوم في دم المريض؟". يسأل وهو يسرد كيف أن نسبة البوتاسيوم في دم المريض أدت إلى وفاته، بسبب القصور في القلب. شرح فو لزميله ما حصل، فنظر إليه الطبيب وقال له: "الأطباء يقتلون المرضى، هذا أمر لا مفر منه. ألم يخبرك أحد أنه جزء من الوظيفة؟".
الأطباء يقتلون المرضى، هذا أمر لا مفر منه. ألم يخبرك أحد أنه جزء من الوظيفة؟
في هذا الإطار، سلّطت أغلب الأعمال الفنية من أفلام ومسلسلات الضوء على هذه "الأخطاء"، التي غالباً ما تؤدي إلى الوفاة أو بالحدّ الأدنى إلى إعاقة دائمة. على سبيل المثال، في مسلسل scrubs الشهير (2001 ــ 2010)، الذي يعتبر واحداً من أكثر الأعمال دقة في نقل الحياة داخل المستشفيات، نتابع التدريب الذي يتلقاه الأطباء لتفادي الملاحقات القانونية وإخفاء ارتكابهم الأخطاء أمام مرضاهم.
وفي مسلسل "نيو أمستردام" (2018) على "نتفليكس" الذي يلقى شعبية واسعة حالياً، نتابع تفاصيل تستّر إدارة مستشفى على خطأ طبيب شهير، تسبب بشلل مريضة سرطان، وكيف تمّ نقله من مستشفى إلى آخر، حيث توالى ارتكابه للأخطاء، بسبب عدم كفاءته.