بينما نلاحظ أن الجمهور العربي ينتفض بين الحين والآخر لمنع عرض الأعمال الدرامية العربية أو الكليبات التي تحتوي على بعض الألفاظ النابية أو تظهر فيها الممثلات بثياب السباحة أو تمر بها مشاهد لقبلات عابرة، فإننا نجدهم بالمقابل يتقبلون بصدرٍ رحب أي عمل فني يهين المرأة ويحرض على العنف ضدها؛ فإلى اليوم لا تزال صناعة النكتة في معظم الأعمال العربية قائمة على التحرش اللفظي والجسدي، على غرار أفلام عادل إمام التي تصور التحرش على أنه تصرف طريف مقبول اجتماعياً.
قبل أيام أصدر الفنان المصري محمد رمضان الفيديو كليب الرسمي لأغنيته "جو البنات" عبر قناته الخاصة على "يوتيوب"، والأغنية هي "تريو" يشاركه الغناء فيها الفنانان المغربيان ريد وان ونعمان بلعياشي. ومن خلال كلمات الأغنية والفيديو كليب يتم خلق عالم ذكوري فاقع، يكرّس كافة المفاهيم الذكورية الفوقية التي تحلل وتبرر للرجل إهانة المرأة؛ حيث تصور الأغنية الرجل على أنه كائن جنسي بالفطرة لا يستطيع التحكم برغباته بسبب هرمون الذكورة "التستوستيرون"، فيقوم رمضان بالكليب بالتحرش بعدد كبير من النساء، من خلال النظر إلى أجسادهن ولمس مؤخراتهن، وهو الأمر الذي يزعج حبيبته، ثم يغني رمضان ليبرر لحبيبته ما يفعله! فيقول: "ماقدرش أعيش لوحدي، جوايا طاقة تيستوستيرون. والدنيا أيه غير حبة حاجات؟ أحلى ما فيها جو البنات". ليدعوها إلى الاقتناع بتعدد علاقته وتقبل تصرفاته المريبة، مبرراً ذلك بأن طبيعته الفيزيولوجية التي لا يستطيع التحكم بها تدفعه لفعل ما يفعله؛ إذ يقول: "اعذريني مش بإيدي، هي دي طبيعتي، بيعجبوني البنات.. حترتاحي لو اقتنعتِ".
هذه التصرفات الذكورية تستقبلها النساء بحفاوة في الكليب، إذ يتم تصوير النساء اللواتي يتعرضن للتحرش كأنهن سعيدات بذلك، ليصل الحد بالمبالغة إلى حدوث مشاجرة بين الفتيات المتلهفات للحصول على محمد رمضان. ليبدو الكليب بذلك ليس سوى تجسيد للخيالات المريضة التي يعيشها الرجل المتحرش، وما يدور في عقله من مبررات تقنعه على المحافظة على ذات السلوك؛ وهو ما تؤكده لازمة الأغنية التي ترد على ألسنة شركاء رمضان بالأغنية: "دايماً أفلام مسلسلات بلا نهاية... يقولوا yes يقولوا no، خلاني بحالة لالا"، ليوحي ذلك أن الفتيات يمثلن الرفض ويتصنعن العفة وهن راغبات؛ ليكون هذا الفكر أشبه بدعوة الشباب إلى مواصلة المحاولة وعدم التوقف عن التحرش حتى في حال رُفضوا بوضوح.
وجدير بالذكر أن أغنية "جو البنات" قدمت لأول في افتتاحية مهرجان الجونة السينمائي، من خلال عرض راقص وضعت فيه النساء المشاركات داخل أقفاص؛ لتختزل هذه الصورة الهزيلة الكثير من الأفكار المسمومة التي يقدمها رمضان في أغنيته. آنذاك انتقد عدد كبير من النقاد والفنانين الأغنية بأنها لا تتناسب مع افتتاح مهرجان كبير كمهرجان الجونة، ولكن الاعتراض لم يكن مرتكزاً على محتوى الأغنية، بل على شخص محمد رمضان، الذي رفضت الممثلة يسرا تقديمه في الحفل ذاته. إلا أن الصور البصرية الهزلية التي شُكلت على المسرح مع رقصات محمد رمضان المثير للسخرية تبدو حقيقةً أقل سوءاً من الكليب، وخصوصًا مشهد محمد رمضان وشركائه في سيارة ليموزين فارهة وهم محاطون بأجساد النساء، بعد حكاية هزلية يكون فيها الخاسر الوحيد هو المرأة التي لم تتقبل فحولة الرجل واعترضت على التعددية.