لم تقتصر مفاجآت الانتخابات العراقية، التي أعلن عن نتائجها مساء أمس الاثنين، على التقدم الكبير لتحالفات سياسية وتراجع حاد في مقاعد القوى الحليفة لإيران وبروز حركة "امتداد" المدنية كقوة منافسة وفاعلة جنوبي البلاد، إذ أظهرت النتائج أيضاً وصول أكثر من 20 مرشحاً مستقلاً للبرلمان، إلى جانب قوى مدنية مرتبطة بالحراك الاحتجاجي الذي انطلق قبل عامين.
ومن بين المرشحين المستقلين الذين وصلوا للبرلمان محمد عنوز، الذي ترشح في الدائرة الأولى في محافظة النجف، جنوبي العراق، وتمكن من الفوز بعد حصوله على أكثر من 15 ألف صوت بفارق كبير عن منافسيه.
ولفت عنوز الأنظار بسبب حملته الانتخابية المتواضعة، إذ تمكن بجهود ذاتية من إكمال عدد محدود من اليافطات رفعها في حيه السكني وسط مدينة النجف. ولم تتطلب حملته الدعائية مبالغ مالية كبيرة، كما هو الحال مع بقية المرشحين، خصوصاً المنضوين ضمن التحالفات الانتخابية المعروفة. إذ يؤكد مقربون منه أن ما دفعه على حملته لا يتجاوز ما يعادل ألف دولار في مدينة وصلت مبالغ الحملات الانتخابية فيها إلى 3 ملايين دولار.
ويعمل عنوز محامياً ومستشاراً قانونياً في مدينة النجف، وساهم أبناؤه وأصدقاؤهم في حملته الدعائية التي رفعت شعار "صوتك ذمتك"، وحظي بتجاوب واسع من أهالي النجف لمعرفتهم المسبقة به وبمواقفه المؤيدة للاحتجاجات الشعبية.
وفاز عنوز على حساب منافسيه في الدائرة الانتخابية من مرشحي تحالف "الفتح" و"دولة القانون" وتحالف "قوى الدولة" بفارق كبير.
وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً للمرشح الستيني عنوز حينما كان يعد لافتات الدعاية الانتخابية قبل يوم الاقتراع.
وقال الناشط جاسم العراقي، على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، إن عنوز الذي كان داعماً للاحتجاجات، تمكن من الفوز في الانتخابات رغم أنه لم يكن يمتلك الأموال، مضيفا: "انتهى زمن الفوز لمن يشتري أصواتاً أكثر، انتهى زمن الفوز لمن يمتلك عشيرة أكبر، إنّه زمن المستقلين ونظيفي اليد ومن يقنع الجمهور".
أما مختار طالب، فقد قال إن الدعاية الانتخابية لمحمد عنوز لم تتجاوز مليونا ونصف مليون دينار عراقي (ما يعادل ألف دولار)، موضحاً أنه الفائز الأول في دائرته الانتخابية رغم أنه لا يمتلك حمايات، ولم ينظم تجمعات ومؤتمرات انتخابية.
وبحسب الباحث في الشأن الانتخابي علي السعدي، فإن قانون الانتخابات الحالي الذي قسم المحافظات إلى دوائر انتخابية متعددة، منح المستقلين والقوى الجديدة والصغيرة فرصة أكبر للوصول إلى مجلس النواب، موضحاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن فوز عنوز أثبت بما لا يقبل الشك أن المشاركة الواسعة في الانتخابات يمكن أن تحدث تغييرات جذرية في النتائج.
ولفت إلى أن العزوف عن الانتخابات يبقي التصويت حكراً على الجمهور المؤدلج التابع للقوى التقليدية، مبيناً أن وجود مستقلين ومدنيين في مجلس النواب الجديد يمكن أن يحدث تغييراً، ولو جزئياً، في سلوك البرلمان الذي بقي طيلة أربع دورات سابقة رهينة لإرادات القوى السياسية بعيداً عن الدور الحقيقي للسلطة التشريعية المتمثل بالرقابة والتشريع.