يجاور الشاب الفلسطيني بشار البلبيسي شقيقه براء خلال عرضٍ بتقنية "مسرح الظل" في مدينة غزة، إذ يحاولان، عبر ظلّيهما ومن خلف شاشة بيضاء، إرسال رسائل متعددة، حول واقع الشعب الفلسطيني وهمومه وأزماته وأمنياته. ويساعد فريقٌ متكامل الشقيقين في إيصال الأفكار، جَمَعهُ حب أداء الفنون الحركية، والتي بدأت بالدبكة الشعبية الفلكلورية، مرورًا بالرقص المعاصر، ووصولًا إلى تقديم عروض "مسرح الظل"، وهي أداة جديدة لمعالجة المواضيع في قطاع غزة.
وتسعى "فرقة الفرسان للفنون"، المكونة من 23 شخصًا (معظمهم يدرسون تخصصات علمية وجامعية متنوعة) إلى الحفاظ على التراث الوطني الفلسطيني ومكتسباته التاريخية والفلكلورية، عبر اللوحات الفنية التي يتم تقديمها بمختلف الفنون الحركية والأدائية. ويوضح مدرب فرقة الفرسان للفنون، بشار البلبيسي (20 عامًا)، والذي يدرس الصيدلة في جامعة الأزهر في غزة لـ "العربي الجديد" أن فكرة الفريق المكون من شبان جمعتهم الجيرة والقرابة، انطلقت عام 2016، بهدف لفت الأنظار نحو التراث الفلسطيني وإظهاره بقوالب فنية متنوعة.
ودفع شغف الأصدقاء بالفلكلور الفلسطيني لمتابعة فرق الدبكة الشعبية لتعلم أساسياتها، وتدريب بعضهم البعض على مختلف الحركات، إلى أن قرروا تكوين فريقٍ انتقل فيما بعد لأداء عدد من الفنون الحركية والتي يمكنها إيصال الرسائل والأفكار دون الحاجة إلى النطق بالكلام. وانتقل الفريق في مرحلته الثانية إلى الاستعراض والرقص الصامت، والذي كان يسعى، وفق البلبيسي، إلى مخاطبة الجمهور، إلا أن عدم قدرة الفريق حديث النشأة على توفير الديكورات الخاصة بالمسرح لإيصال الأفكار بشكل سلس إلى الجمهور، دفعه للاتجاه إلى مسرح الظل، والذي يحتاج إلى تكاليف أقل.
ويرتكز مسرح الظل بالأساس على الفكرة الرئيسية، وتبدأ أولى الخطوات باجتماع الفريق لطرح ومناقشة الأفكار المُلائمة، والتي يمكن ترجمتها وفق لُغة الإشارة، ويتم اختيار الأفكار الأكثر ملامسة للواقع الفلسطيني، ومن ثم يتم جمع الموسيقى المُناسِبة، وتجهيز الحركات، وتجهيز فيديو يشمل الموسيقى والإضاءة المتناسبة مع المشهد بعد منْتجته، فيما يتم عرض الأفكار للجمهور من خلف شاشة بيضاء، تعكس ظلال أعضاء الفريق. ويقول مساعد مدرب الفريق براء البلبيسي، إن التحدي الكبير تمثل في إنتاج أول الأعمال الفنية، بسبب تواضع الإمكانيات حينها، إلى جانب أنها التجربة الأولى لمثل هذا الفن في قطاع غزة، وقد تم تقديم عرضٍ مدته تسع دقائق، جسَّد دور الأم في الوقوف إلى جانب أبنائها منذ ولادتهم حتى وفاتها. ولم يغفل أعضاء الفريق في تجربتهم الأولى عن تطعيم عملهم بنكهة المعاناة الفلسطينية، إذ تطرقوا إلى استشهاد الأب في الحرب، ما زاد الأعباء المُلقاة على الأم. كما رصدوا أيضًا التحديات اليومية، والتي تشغل الأبناء عن الأمهات، ما يشعرهم بالندم بعد وفاتهنَّ. وقد أثر العرض الأول في الجمهور، ما دفع الفريق إلى مواصلة العمل وتطويره.
حياة الشباب والتحديات المتواصلة، كانت الفكرة الثانية التي نفذها الفريق وفق تقنية مسرح الظل، إذْ عكست الواقع الصعب، فيما عبر كل شاب عن همومه، كارتفاع نسب البطالة، ودوافع بعض الشبان للانحراف والاتجاه نحو الانتحار والإدمان، فيما يعمل الفريق على تجهيز فكرةٍ خاصّة بـ "التنمر". أما بخصوص توجه الفريق نحو مسرح الظل تحديدًا، يوضح عضو الفريق أحمد علي، أنه من الناحية العملية فهو فنٌّ جديد وغريب، ويجذب الجمهور. أما من الناحية الفنية فيختلف عن المسرح العادي، عبر تميزه بإمكانية عرض حياة الشخص كاملة، من لحظة ولادته حتى وفاته بطريقة سلسلة وواضحة.