لطالما تصدت الرقابة على الإنترنت في الصين للمعارضين السياسيين والمفكرين الليبراليين والساخرين وناشطي حركة #MeToo المناهضة للتحرش والاعتداء الجنسي، وأي شخص آخر هدد بتعكير صفو السلام الرقمي. لكن بكين حولت أنظارها أخيراً إلى مشاهير عالم الترفيه، وكل ما يحيط بهم من ظواهر على الشبكة، حتى لو استدعى الأمر اعتقال البعض أو ملاحقة معجبيهم أو محوهم تماماً من العالم الافتراضي.
في أكتوبر/تشرين الأول الحالي، احتجزت السلطات الصينية عازف البيانو الشهير لي يوندي، للاستعانة بخدمات عاملة جنس. وصدم هذا الخبر محبي لي المعروف بـ"أمير البيانو" الصيني. فعام 2000، وهو في سن الـ18، أصبح لي أصغر عازف بيانو وأول صيني يفوز بالجائزة الأولى في "مسابقة شوبان الدولية للبيانو" المرموقة التي تقام في وارسو كل خمس سنوات.
بعد انتشار الخبر، أعلنت جمعية الموسيقيين الصينيين أنها ستلغي عضوية لي، لأنه يمثل "تأثيراً اجتماعياً سلبياً للغاية". وقال المراقبون إن اعتقاله يمكن أن يُنظر إليه باعتباره تحذيراً لمشاهير "غير أخلاقيين"، فيما تكثف الصين حملتها الأخيرة على صناعة الترفيه ونجومها ومعجبيها. ففي أغسطس/آب الماضي، اعتقلت السلطات الصينية نجم البوب الشهير كريس وو، للاشتباه بارتكابه جرائم اغتصاب. ويعتبر كريس وو الذي يحمل الجنسية الكندية واحداً من أكثر الفنانين شعبية في الصين، ولديه تأثير كبير على الشباب الذين يقلدونه في مظهره وثيابه وأزيائه الغريبة عن التقاليد الصينية.
ورأى مراقبون حينها أن عملية الاعتقال رافقتها ضجة كبيرة لسبب آخر غير تحقيق العدالة، له علاقة مباشرة بتوجيهات الرئيس الصيني شي جين بينغ، بشأن تعزيز قيم الاشتراكية ذات الخصائص الصينية بين جيل الشباب. وكان لافتاً في أعقاب عملية الاعتقال إطلاق سلطات الإنترنت في الصين حملة كبيرة استهدفت المنشورات والمنصات الإلكترونية ذات الصلة بالفنان، شملت إلغاء حسابه الشخصي على موقع "ويبو" (المعادل الصيني لموقع تويتر) الذي يتابعه أكثر من 50 مليون متابع، بالإضافة إلى حذف 150 ألف منشور، وإغلاق أكثر من 1300 مجموعة دردشة.
خلال الشهر نفسه، أعلنت السلطات الصينية تغريم الممثلة الصينية تشنغ شوانغ ما يقرب من 3 ملايين يوان بتهمة التهرب الضريبي، ومنع دعوتها إلى البرامج الترفيهية، وتعليق برامجها الحالية. وعوقب الممثل تشانغ تشيهان بالمثل، بعدما زار ضريح ياسوكوني في اليابان. دفعت الزيارة "الرابطة الصينية للفنون المسرحية" إلى حث المقاطعة العامة لتشانغ وأعماله، مما أدى إلى إقدام مجموعة من العلامات التجارية الكبرى، وبينها "كوكا-كولا" و"مايبيلين" و"كلينيك"، على قطع علاقاتها معه.
أما تشاو وي التي تعدّ من أبرز الممثلات في بلادها، ويطلق عليها لقب "درو باريمور الصين"، فحُذف وجودها كلّه على شبكة الإنترنت بين ليلة وضحاها. إذ أغلقت صفحة المعجبين بها على "ويبو"، وأزيلت الأفلام والبرامج التلفزيونية التي لعبت دور البطولة فيها - بعضها يعود إلى ما قبل عقدين - من منصات البث، كما ألغي اسمها أيضاً من قوائم الممثلين.
والشهر الماضي، حظرت تشريعات حكومية جديدة "المتابعة غير العقلانية للنجوم" بما يشمل تصنيفات المشاهير عبر الإنترنت، وجمع التبرعات، وغيرها من الأدوات التي يستخدمها المعجبون الصينيون للإبقاء على فنانيهم المفضلين في الواجهة على شبكات التواصل، في ظل إحكام الحكومة قبضتها بصورة متزايدة على عالم الترفيه.
حظرت تشريعات حكومية صينية جديدة "المتابعة غير العقلانية للنجوم"
يساهم المعجبون بالفنانين في تعزيز نشاط اقتصادي يدرّ إيرادات طائلة توقعت وسائل إعلام حكومية أن تصل قيمتها إلى 140 مليار يوان (21.7 مليار دولار أميركي) بحلول العام 2022. وفي بلد لا يملك شبابه سوى القليل من الوسائل الأخرى للتأثير في الحياة العامة، يمكن للأشخاص المتفرغين لصناعة المحتوى الخاص بالمعجبين أن يخرجوا نجماً ما من الظل، عن طريق إعداد صور له ونشرها على نطاق واسع عبر الإنترنت.
تقوم ثقافة المعجبين، وفقاً لمنتقديها، على استغلال القاصرين، كما تعتمد على تضخيم المشاركات عبر وسائل التواصل. ومع هذه القواعد الجديدة، تعتزم الحكومة الحد من السلوكيات التي تصنفها في خانة "المتابعة غير العقلانية للنجوم"، بما يشمل المضايقات الإلكترونية، أو كشف معلومات خاصة عن شخص ما (دوكسينغ)، أو الحروب الشرسة عبر الإنترنت بين مجموعات المعجبين.
وتبدي السلطات الشيوعية قلقاً حيال هذه الظاهرة لسبب آخر يتمثل في القدرة على حشد جيوش من المعجبين في لحظة والهيمنة على وسائل التواصل لأيام متتالية.
حظرت هيئة تنظيم البث في الصين الفنانين الذين يروجون لـ"الانحلال الأخلاقي" و"الآراء السياسية الخاطئة" ومن سمتهم بـ"الرجال المخنثين"
والشهر الماضي أيضاً، حظرت هيئة تنظيم البث في الصين الفنانين الذين يروجون لـ"الانحلال الأخلاقي" و"الآراء السياسية الخاطئة"، إضافة إلى من سمتهم بـ"الرجال المخنثين"، وهو منحى أشاعه أعضاء فرق الغناء الشبابية الكورية الجنوبية وقلده مشاهير صينيون من أمثال شاو جان. وفي أغسطس/ آب، حظرت السلطات الصينية قوائم على الإنترنت تصنف المشاهير حسب الشعبية.
ويرى الخبراء في ذلك دليلاً على عدم ارتياح بكين المتزايد إزاء بروز أشكال أخرى من الذكورة، في ظل تراجع معدل الولادات وتنامي النزعة القومية في البلاد. ولا يجد الفنانون الصينيون الراغبون في تحقيق النجاح الجماهيري أي خيار سوى الموافقة على سياسة الدولة، إذ إن معارضتهم لها قد تقضي على مسيرتهم.