ملحمة جلجامش: آلهة الذكاء الاصطناعي تتخذ قرارها

27 اغسطس 2024
يُعمل على المشروع بالتعاون مع المتحف البريطاني والمتحف العراقي (مرتضى السوداني/ الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **ملحمة جلجامش وتاريخها**: دُوِّنت قبل أكثر من أربعة آلاف عام باللغتين السومرية والأكدية، وتحكي قصة الملك جلجامش وصديقه إنكيدو، ومغامراتهما في غابة الأرز السحرية. منذ إعادة اكتشافها في القرن التاسع عشر، تمكن الباحثون من قراءة أكثر من ثلثي النص.

- **مشروع "شظايا" والذكاء الاصطناعي**: بقيادة إنريكي خيمينيز، يستخدم المشروع الذكاء الاصطناعي لإعادة بناء الأدب البابلي، حيث تم رقمنة ومعالجة نحو 22 ألف جزء من النصوص بالتعاون مع المتحف البريطاني والمتحف العراقي.

- **اكتشافات جديدة وتأثير المشروع**: بفضل "شظايا"، تم اكتشاف تفاصيل جديدة في ملحمة جلجامش، ويتيح المشروع للباحثين الوصول إلى قاعدة بيانات ضخمة، مما يسهم في سد الفجوات في الأدب البابلي واكتشاف أنواع أدبية جديدة.

​دُوِّنت ملحمة جلجامش قبل أكثر من أربعة آلاف عام باللغتين السومرية والأكدية، وهي أنظمة كتابة مُعقدة، وصلت إلينا مثل كل الأدب البابلي في أجزاء متفرقة. ومنذ إعادة اكتشاف هذه الملحمة في منتصف القرن التاسع عشر، أصبح أكثر من ثلثي النص قابلاً للقراءة. نُقشت الكتابة المسمارية على ألواح طينية عثر منها على قطع لا حصر لها. ونظراً إلى هشاشتها، فقد تعرضت أجزاء عديدة من هذه الألواح إلى التلف.
تحكي الملحمة قصة ملك الوركاء جلجامش، وهو ملك نصف بشري من ذرية الآلهة، وصديقه إنكيدو الرجل البري. في الملحمة، يغادر الرجلان إلى غابة الأرز السحرية، حيث يخططان لقتل حارسها خمبابا الرهيب، وقطع شجرة الأرز المقدسة. إثر ذلك، تتخذ الآلهة قرارها بالحُكم على إنكيدو بالموت. يدفع الأسى على موت إنكيدو بجلجامش إلى خوض رحلة طويلة محفوفة بالمخاطر، لاكتشاف سرّ الحياة الأبدية.
منذ اكتشاف أول الألواح الطينية التي سُجّلت عليها الملحمة، لم تتوقف الجهود لإكمال هذه النصوص بطرق وأساليب عدة. نسخ الباحثون الحروف الموجودة على كل قطعة باقية على الورق، ثم قارنوا نسخها بعناية لتحديد وملء الفجوات وجمع الأجزاء التي تنتمي بعضها إلى بعض. العمل بهذه الطريقة ينطوي على مشقة، ويعتمد على جهد آلاف الباحثين الذين قد يقضون سنوات لتجميع وفك رموز أحد النصوص أو الألواح.
"شظايا" (Framentarium)، هي أداة جديدة يُمكنها التغلب على التحديات الكثيرة التي تواجه الباحثين لإعادة بناء الأدب البابلي عبر الذكاء الاصطناعي. هذه الأداة عبارة عن مشروع بحثي يسعى إلى إزالة الغموض عن الأجزاء المفقودة من هذه الملحمة. يعتمد المشروع على خوارزمية طوّرها فريق في معهد علم الآشوريات في جامعة لودفيغ ماكسيميليان في ميونخ بألمانيا، بقيادة أستاذ الآداب القديمة والشرقية إنريكي خيمينيز. عن طريق هذا المشروع الذي يستعين بالذكاء الاصطناعي، سيتمكن الباحثون من تحليل جميع المتغيرات المعروفة للنصوص البابلية بسرعة واستخدامها بشكل مناسب.
يعمل خيمينيز مع فريقه منذ عام 2018 على رقمنة جميع الألواح المسمارية الباقية. منذ ذلك الحين، عولج نحو 22 ألف جزء من هذه النصوص في المشروع. يرى خيمينيز أن هذا المشروع يوفر قاعدة بيانات ضخمة تضم عشرات الآلاف من النصوص، التي ستمكننا من إعادة بناء الأدب البابلي والتقدم فيه بسرعة أكبر بكثير. تعمل هذه الأداة الحاسوبية على تجميع أجزاء النص معاً منهجياً وتلقائياً، والتعرف إلى هيئة الكتابات المسمارية. وقد تم العمل على هذا المشروع بالتعاون مع المتحف البريطاني في لندن والمتحف العراقي في بغداد.
بفضل "شظايا" تكشفت بعض التفاصيل الجديدة من الحكاية الأسطورية، كما ظهرت اختلافات صغيرة في القصة ولكنها مثيرة للاهتمام. هناك أسطر اكتُشفت حديثاً تُظهر أن إنكيدو حاول إقناع جلجامش بعدم قتل خمبابا، وهو ما يُخالف الشائع من القصة. وبفضل هذا المشروع البحثي، تم التأكد من أن الملحمة ظلت تنسخ لقرون عديدة بعد مئات السنين من ظهورها. ولا يزال هناك حتى الآن ما يقدر بنحو 30% من ملحمة جلجامش مفقوداً، ولا يزال الخبراء يتعلمون المزيد عن ملحمة جلجامش والكتابة التي كانت مستخدمة في حضارات بلاد الرافدين.
يمكن للباحثين من جميع أنحاء العالم اليوم الوصول إلى هذه المنصة عبر الإنترنت والاستفادة منها في مشاريعهم البحثية. يقول خيمينيز إنه في المستقبل القريب سيتمكن حتى الجمهور من الوصول إلى هذه المنصة للبحث والتنقيب بين آلاف النصوص غير المكتملة، التي تشبه الأحجيات.
يهدف المشروع، كما يقول إنريكي خيمينيز، إلى سد الفجوات في الأدب البابلي تدريجياً، بل واكتشاف أنواع أدبية غير معروفة من قبل. يعمل خيمينيز حالياً بالتعاون مع أحد الباحثين على تجميع نص شعري على هيئة ترنيمة تتغنى بجمال مدينة بابل. كانت بابل ذات يوم أكبر مدينة في العالم وتقع على جانبي نهر الفرات على بعد 85 كيلومتراً جنوب مدينة بغداد الحالية.

أسست المدينة القديمة في الألفية الثانية قبل الميلاد، وأصبحت مقراً للملك حمورابي، الذي وسع إمبراطوريته من الخليج إلى شمالي العراق بين القرنين السابع والسادس قبل الميلاد. يقول خيمينيز إن إعادة ترتيب أجزاء هذا النص الشعري كان من الممكن أن تستغرق بين 30 أو 40 عاماً، لكن بفضل الذكاء الاصطناعي يمكن الانتهاء منها في غضون عام تقريباً.

المساهمون