- يستعرض الفيلم الديناميكيات السياسية والثقافية بين الشرق والغرب، مشيرًا إلى كيفية استخدام السياسيين لأحداث الإنقاذ لتعزيز صورتهم، ويناقش الفروق بين الديمقراطية الأميركية وغيابها في المغرب.
- يُبرز الفيلم من خلال رسالة الريسوني إلى روزفلت الفروق بين القوة الأميركية المتغيرة والثبات المغربي، مع التأكيد على تأثير التغيرات العالمية على القوى العظمى، مع إشارات للتحديات الأميركية في الشرق الأوسط.
ليست المرة الأولى التي أتذكر فيها رسالة لمولاي أحمد الريسوني، قائد ثورة القبائل الجبلية في شمال المغرب (سيد الريف، سلطان البربر)، أرسلها إلى ثيودور روزفلت. الرسالة خيالية، تظهر في فيلمٍ أميركي ملحمي بعنوان "الريح والأسد" (1975) لجون مايليوس (تمثيل شون كونري وكانديس بيرغن)، مستوحى من قصة حقيقية. السيناريو عن زعيمٍ مغربي أمازيغي، يحتجز امرأة يونانية أميركية وأطفالها، ويطالب سلطان المغرب بدفع فدية لإطلاق سراحهم. هذا يضعه في مسار تصادميّ مع الرئيس الأميركي.
القصة الحقيقية تتمثّل باختطاف المواطن اليوناني الأميركي بيرديكاريس وابن زوجته عام 1904. لهذا تأثيرٌ كبيرٌ على الحملة الرئاسية لروزفلت، الذي ورث الرئاسة من سلفه المُغتال ماكينلي. كان يومها يترشّح لفترة رئاسية جديدة.
لا تهدف المقالة إلى توصيةٍ بالفيلم، أو دعوة إلى مشاهدته، رغم أنّي أراه مُسلّياً. الأمر متروك للقارئ لتقرير ذلك. كما لا تنوي إجراء تقييم نقديّ له، أو تحديد مدى تقديمه قراءة إيجابية للإمبريالية، أو مدى استشراق هذا المنتج الثقافي في جوهره. ربما تكون هذه التأويلات صحيحة، لكنّ هدف المقالة أكثر تواضعاً: استعادة مَشاهد والإضاءة عليها، ومناقشة كيفية توافقها مع قراءة أحداث وحقائق حالية. المَشاهد المعنية تحدث مع اقتراب نهايته.
أولاً: بينما يستعدّ روزفلت للتعرّف على دبّه المروع، يهمس أحدهم في أذنه: "التقارير الأولى تفيد بأنّنا نستطيع فعل ما نريد في المغرب يا سيدي. يمكننا أنْ نضع مَن نريد على العرش". ردّاً على ملاحظة شخص آخر، تقول "ليس هناك شكّ في نتيجة الانتخابات"، أجاب روزفلت: "أيها السادة، لا شيء مؤكّد في هذا العالم. لا شيء إطلاقاً. مصير الأمّة سيقرّره الأميركيون في نوفمبر/تشرين الثاني، ومصير المغرب سأقرّره غداً".
تُرك روزفلت بمفرده. جلس عند قدميّ الدبّ وقرأ رسالة الريسوني: "أنت كالريح وأنا كالأسد. أنت مَن يُشكّل الريح. الرمال تلسع عينيّ والأرض جافة. أتحدّاك بزئيري، لكنّك لا تستمع. هناك فرق بيننا: أنا كالأسد، يجب أن أبقى في مكاني. بينما أنت كالريح، لن تعرف مكانك أبداً".
أولى الأفكار التي يُمكن الإضاءة عليها، بإيجاز، مستوحاة من السيناريو: إنقاذ امرأة أميركية وأطفالها باستعراض القوة العسكرية، والضغط على حكومات أجنبية، يخدم تماماً غرض تحسين الوضع الداخلي للصورة السياسية للمرشّح الرئاسي، والرئيس الحالي، لأنّها قدّمته منقذاً للمواطنين الأميركيين، وحامي حقوقهم.
الفكرة الثانية تتعلّق بحقيقة أنّ حرية البعض تدعمها عبودية البعض الآخر. فكما يرينا الفيلم، مصير الأمّة الأميركية يجب أن يُقرّره مواطنوها الأحرار، في ما يُسمّى بالنظام الديمقراطي. لكنّ مصير المغرب سيُقرّره "غداً" الرئيس الأميركي. هذه إحدى المهامّ العادية المنوط به أداؤها. لا ديمقراطية للمغاربة. لا حاجة لهم إليها أصلاً، لأنّ الرئيس الأميركي يفهم عنهم، ويعرف صالحهم وصالح العالم.
الفكرة الأكثر إثارة للاهتمام تَرِد في المجاز الذي اقترحه الريسوني في رسالته، في صورة الريح والأسد. من الأقوى: الريح أم الأسد؟ إذا كنّا نتحدّث عن واقع ملموس، ينبغي ألاّ يكون هناك شكّ: الريح تستطيع فعل ما لا يستطيع الأسد فعله. غير أنّ الاستعارات تسمح باختلافاتٍ تفلت من حدود الملموس.
في رسالته، يستخدم الريسوني صورتي الريح والأسد للإشارة إلى الاختلافات بينه، كونه رجلاً جبلياً وزعيماً قبلياً وأمازيغياً تعتمد حياته على علاقته بالأرض، وروزفلت، الذي يمارس سلطته على أماكن بعيدة، لا يعرف عنها سوى القليل، لكنْ بخفّةٍ مثل الريح التي تُثير عاصفة. الريسوني، العارف بموقعه ومكانه، يعرف مَن هو، بسبب ارتباطه بالأرض. بينما روزفلت، لأنّه لم يكن يعرف مكانه، لم يتمكّن من معرفة ماهيته. أهذه جائزة ترضية للخاسر (بقاموس هوليوود): ألاّ يفقد هويّته وروحه؟
يُمكن أيضاً التفكير في المقارنة على أنّها إشارة إلى القوّة النسبية للأمم والشعوب، بين المستعمِر، الذي يُمكنه فرض هيمنته على جغرافية العالم بأكمله، والمستعمَرين، المُقيّدين والمرتبطين بجزءٍ جغرافي خاص بهم، لكنّهم غير قادرين على التمسّك بقوّتهم عندما يواجهون قوة أكبر بكثير: يزأر الأسد، لكنّ الريح لا تستمع. يبدو أنّ هذا كلّه رسائل يتضمّنها الفيلم، أو أقلّه انطباعات مُشاهِده. الآن، هل لا تزال صورة الانتصار الإمبراطوري على الأمّة الصغيرة دقيقة؟ هل يستطيع الأسد تأكيد قوّته في مواجهة الريح، إذا تغيّرت الظروف؟
بالنسبة إلى مُشاهدٍ، يصبح السؤال محورياً، عند التفكير في الحربين ضد أفغانستان والعراق، وعواقبهما على القوة الأميركية. طبعاً، يُمكن للمرء أن يرى أوجه التشابه في تجربة فيتنام مثلاً، لكن يبدو أنّ التأثيرات على قدرات "الرياح" أصبحت الآن أعمق. ففي هاتين الحربين، حقّقت الولايات المتحدة انتصارات أولية، سهلة نسبياً. ومع مرور الوقت، لم تعد قادرة على تحمّل استمرار الاحتلال، بسبب قلّة القدرة على تحمّل التكاليف البشرية والمالية الباهظة.
مع كتابة المقالة، تواجه الولايات المتحدة وإسرائيل، بشكل مشترك، تحدّياً يتمثّل في الحرب ضد المقاومة الفلسطينية في غزّة، والمواجهة مع إيران.
على الجبهة الأولى، يبدو أنّ قوة عسكرية متقدّمة للغاية، كالقوة الإسرائيلية، وجدت حدود انتصاراتها في ساحة المعركة: إنّها قادرة على قتل المدنيين، وتدمير البنى التحتية المدنية من مسافة بعيدة. لكن، بمجرّد أنْ توضع على الأرض للقتال المباشر، تنزف أكثر مما تستطيع تحمّله.
على الجبهة الثانية، تقدّم إيران نفسها باعتبارها خصماً أقوى من العراق وأفغانستان، ذات يوم. لديها ترسانة طائرات من دون طيار وصواريخ. أي أنّها تجمع بين الشيء الكبير الجديد في الشؤون العسكرية ووسائل الحرب القديمة، لكن المتجدّدة. لم تعد التكنولوجيا حكراً حصرياً على القوى الإمبريالية العظمى وأصدقائها. يُمكن قول الشيء نفسه عن قدرات جمع المعلومات الاستخبارية ومعالجتها.
تخبر الجبهتان أنّه إذا أرادت الريح الآن ممارسة قوّتها في منطقة الأسد، فعليها أن تستعدّ للنزف بغزارة. حتى ذلك الحين، يُرجَّح أنْ تُهزم وتُدحر. سيتعيّن عليها أن تذهب وتنفجر في مكان آخر.