مع انطلاق الدورة الثانية والأربعين لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، تواجه إدارة المهرجان الذي يحصل على تمويله من الموازنة العامة للدولة المصرية، اتهامات بالفساد الإداري واستغلال النفوذ من أجل مصالح شخصية، وهو ما كشف عنه مصدران من داخل الإدارة ومسؤول سابق في الإدارة لـ"العربي الجديد".
مبدئياً، وبحسب ما أشارت له المصادر، وبحسب أيضاً ما هو معلن، فإن مدير المهرجان، المنتج محمد حفظي، اختار ما يسمى "مركز السينما العربية" والذي يمتلكه صاحب شركة التوزيع "ماد سولوشنز" التي يمتلكها كل من السوري علاء كركوتي واللبناني ماهر دياب، وتقوم بتوزيع أفلام حفظي داخل وخارج مصر، للمشاركة في إدارة "ملتقى القاهرة"، وهو جزء من فعاليات أيام القاهرة لصناعة السينما بالمهرجان، يشرف على اختيار مشروعات الأفلام التي ستتنافس على جوائز الملتقى وهي 15 مشروعاً تتنوع ما بين الروائي والوثائقي في مرحلتي التطوير وما بعد الإنتاج.
والجدير بالذكر أن فعالية "أيام القاهرة لصناعة السينما" هي القسم الأكبر من أقسام المهرجان، وهي التي تحصل على النصيب الأعظم من ميزانية المهرجان التي تقدر بنحو 40 مليون جنيه، يأتي جزء منها من الموازنة العامة للدولة بحسب القانون، وجزء آخر كدعم من وزارة الثقافة.
لجنة اختيار المشروعات، التي قالت إدارة المهرجان في بيان إنها تضم عدداً من الخبراء في صناعة السينما، اختارت من بين 105 مشاريع مقدمة إلى "الملتقى" هذا العام من 12 دولة عربية. وبحسب البيان فقد تم فحصها بعناية، وفي مرحلة التطوير اختارت اللجنة 7 أفلام روائية بينها 4 مصرية، هي: "أسطورة زينب ونوح" إخراج يسري نصر الله، و"فطار وغدا وعشا" إخراج محمد سمير، و"سنو وايت" إخراج تغريد أبو الحسن، وI can hear your Voice Still إخراج سامح علاء، بالإضافة إلى "مرور" إخراج عمرو علي من سورية، وScheherazade Goes Silent إخراج أميرة دياب من "فلسطين والأردن"، وFog إخراج رُبى عطية، من العراق ولبنان.
"الزقاق" هو المشروع الوحيد ولا منافس له على جائزة قدرها 10 آلاف دولار، وهي السنة التالية التي يحدث فيها ذلك، حيث فاز العام الماضي مشروع فيلم "عنها" الذي تسوقه "ماد سولوشنز" بالجائزة نفسها
أما مرحلة ما بعد الإنتاج، فاختارت اللجنة فيلماً روائياً واحداً وهو فيلم "الزقاق" من إخراج باسل غندور، وهو إنتاج مشترك بين الأردن ومصر والسعودية، وتقوم بتوزيعه وتسويقه في المهرجانات الأخرى شركة "ماد سولوشنز". وبما أن "الزقاق" هو المشروع الوحيد ولا منافس له، فقد زادت فرص فوزه بجائزة قدرها 10 آلاف دولار، وهي السنة التالية التي يحدث فيها ذلك، حيث فاز العام الماضي مشروع فيلم "عنها" الذي تسوقه "ماد سولوشنز"، بالجائزة نفسها، وهو الفيلم الذي ينافس هذا العام على جائزة المسابقة الرسمية للمهرجان في فئة الأفلام الروائية الطويلة.
وبما أن مشروع "الزقاق" هو الوحيد الذي تم اختياره في فئة الأفلام الروائية الطويلة، فهو أيضا مرشح بقوة لنيل الجائزة التي ترصدها OSN كل عام لفيلم تحصل هي على حقوق عرضه بعد ذلك. وتقدر تلك الجائزة بخمسين ألف دولار، تمنحها الشبكة العالمية كل عام لأحد المشروعات المتقدمة إلى كل من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، ومهرجان الجونة السينمائي.
اختارت اللجنة الاستشارية لمهرجان السينمائي الدولي فيلم "عنها" الذي أكدت المصادر لـ"العربي الجديد" أن جميع المبرمجين رفضوه
وفي مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، اختارت اللجنة الاستشارية لمهرجان السينمائي الدولي هذا العام فيلم "عنها"، وهو الفيلم الذي أكدت المصادر لـ"العربي الجديد" أن جميع المبرمجين داخل المهرجان رفضوه، بمن فيهم المدير الفني المقال أحمد شوقي، وذلك قبل مغادرته منصبه. وأضافت المصادر أن الفيلم تمت إجازته بتوصية أعضاء باللجنة الاستشارية للمهرجان، رغم أن الفيلم لم يعجب معظم الأعضاء، بمن فيهم رئيس المهرجان محمد حفظي.
وقالت المصادر إن عضوي اللجنة الاستشارية العليا لمهرجان القاهرة، الفنانة ليلى علوي، والناقد طارق الشناوي ضغطا من أجل إشراك الفيلم الذي تسوقه شركة "ماد سولوشنز" في المسابقة الرسمية للمهرجان، بالإضافة إلى المخرج شريف البنداري الذي استقال من عضوية اللجنة، أخيرًا، بعدما اختار محمد حفظي فيلمه القصير "الحد الساعة خمسة" للمشاركة في مسابقة المهرجان. وأكدت المصادر أن فيلم "عنها" للمخرج إسلام عزازي، تقدم لمهرجان الجونة السينمائي وتم رفضه، وهو ما أكده مصدر بإدارة مهرجان الجونة. وأضافت المصادر أنه بعد رفض الفيلم في الجونة، عاد مرة أخرى لطرق أبواب مهرجان القاهرة، من خلال شركة التوزيع "ماد سولوشنز" التي قالت المصادر إنها حصلت على أموال كثيرة من منتج الفيلم على أساس أنها ستقدمه لمهرجانات كبرى، وهو ما فشلت فيه الشركة باستثناء مشاركته في مهرجان القاهرة.
في سياق آخر، أكدت المصادر لـ"العربي الجديد" أن ما يعتبر أيضاً فساداً إدارياً، بالإضافة إلى أن شركة "ماد سولوشنز" هي مسؤولة العلاقات العامة لشركة رئيس مهرجان القاهرة محمد حفظي الخاصة "فيلم كلينك" وهي أيضاً الموزع لأفلامه، وهو أمر لا يجوز معه أن تكون الشركة مسؤولة عن اختيار الأفلام في ملتقى القاهرة، باعتبار أنها أحد الداعمين للملتقى، هو أن الشركة تحصل على أموال من مهرجان القاهرة مقابل الترويج للمهرجان وتسويقه وأعمال الـArt Work، مع أن ذلك منصوص عليه في اتفاق وجود الشركة كداعم للمهرجان.
وأضافت المصادر أن ذلك يشكك في أن رئيس المهرجان محمد حفظي يستغل قسم "أيام القاهرة لصناعة السينما"، وهو أحد أهم أقسام المهرجان في تفضيل شركات الإنتاج والتوزيع الفني التي تتعامل معها شركته الخاصة، حيث يقوم بتوجيه الدعوة لها للمشاركة في مهرجان القاهرة، وأن هذه الشركات تستغل وجودها بالمهرجان للترويح لأفلامها والبحث عن أفلام جديدة من خلال المهرجان، بينما يتحمل مهرجان القاهرة تكاليف إقامتهم وسفرهم من وإلى مصر.
"ماد سولوشنز" هي مسؤولة العلاقات العامة لشركة رئيس مهرجان القاهرة محمد حفظي الخاصة "فيلم كلينك" وهي أيضاً الموزع لأفلامه
وبحسب ما يقول المهرجان يوفر التسجيل في "أيام القاهرة لصناعة السينما" لمحترفي صناعة السينما والتلفزيون، مجموعة من الخدمات المهنية، منها حضور الحلقات النقاشية والمحاضرات، التي تتيح للمواهب العربية فرصاً قوية للشراكة مع المجتمع السينمائي الدولي، بهدف تقديم دعم أكبر للسينما العربية.
وأكدت المصادر لـ"العربي الجديد" أن الرقابة الإدارية استدعت رئيس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي بعد انتهاء دورة العام الماضي، للتحقيق في تفاصيل إنفاق ميزانية المهرجان، إلا أنه خرج دون إثبات أية مخالفات ضده نظراً لأن مستنداته بدت سليمة وتوضح أوجه الإنفاق، وأن ضباط الرقابة الإدارية لا يهتمون سوى بالمستندات ولم يخوضوا في تفاصيل أخرى.
يذكر أنه بعد انقضاء الدورة الأربعين من مهرجان القاهرة السينمائي برئاسة محمد حفظي أصدر سينمائيون ومثقفون وصحافيون مصريون بياناً احتجاجياً على استضافة الحدث شخصيات تعدّ من أكبر الداعمين للسينما الإسرائيلية والمناصرين للكيان الصهيوني. وكان من بين الأسماء التي اعترض عليها الموقعون، المنتج ميشال زانا من شركة "صوفي دولاك"، والمنتج لوران دانيالو من شركة "لوكو"، وغيوم دي ساي من شركة "أريزونا".
وقال البيان إن هؤلاء "من متخذي القرار ضمن مشروع دعم السينما التابع لمعهد (سام شبيغل) في إسرائيل، وهو منتج صهيوني أنتج افلاماً ضد العرب، وشارك في عصابات قتل الفلسطينيبن من خلال حركة (هاشومير هاتنزائير)".
وقال الموقعون على البيان أيضاً إن من هؤلاء من يتردّدون على كل المحافل السينمائية الإسرائيلية ويدعمون مواطنيها. غيوم دي ساي مثلاً، يشارك بانتظام في مهرجان القدس ومهرجان الفيلم الإسرائيلي، كما يدعم مشاريع التطوير لسينمائيين إسرائيليين. أما دي ساي، فقد شارك رئيس الدورة الـ40 لمهرجان القاهرة في إنتاج شريط "علي معزة وإبراهيم" من إخراج شريف البنداري، مما يولد شكوكاً حول مصدر تمويل دي ساي لأفلام مصرية وهدفه".