استعادت وسائل التواصل الاجتماعي في مصر خلال الأيام الماضية بعضاً من زخمها عقب صدام ساخن بين قوات الأمن وأهالي جزيرة الوراق، التي تسعى الحكومة لطرد سكانها الأصليين بهدف إقامة مشروع سكني فاخر، تساهم فيه إحدى الشركات الإماراتية.
وتحولت صفحات هذه المواقع إلى منصات شعبية لنقل صرخات النساء الصاخبة والمنددة بالمسؤولين الذين يريدون إبعادهن عن بيوتهن. وكان التركيز بشكل كبير على خاصية البث المباشر خصوصاً أثناء اقتحام أجهزة الأمن للبيوت لإجبار الأهالي على الخروج منها بالقوة.
وقد سجلت الكاميرات أصوات قنابل الغاز، ورصدت ضربات الخرطوش التي لم تميز بين الأطفال والنساء، كما صورت ضرب الجنود للسكان بالهراوات. لكن هذه الحماسة على مواقع التواصل لم تنسحب على الإعلام الرسمي والخاص، حيث بقيت هذه المواجهات غائبة عن الشاشات، باستنثاء بعض الأخبار القليلة، ومصدرها أجهزة الدولة بطبيعة الحال.
هذا "الانفجار" على مواقع التواصل بدأ عندما وزّع وزير الإسكان عاصم دسوقي بياناً ملزماً للصحف وقنوات التلفزيون، يعلن فيه توصله إلى اتفاق مع 71 في المائة من أهالي جزيرة الوراق، وأن الوزارة بصدد القيام بحملة لإزالة "منازل مخالفة واعتداءات على أرض الدولة".
واكب الزفة الإعلامية لخبر الوزير قيام الهيئة العامة للاستعلامات، التي تسعى إلى ممارسة دور وزارة الإعلام برئاسة نقيب الصحافيين ضياء رشوان، على صفحتها المستحدثة على فيسبوك، بنشر صور تصميم هندسي ملفت لمدينة تضم ناطحات سحاب وقصور وفيلات ومراكز تجارية، أطلق عليها اسم "حورس"، مع عبارة "هل تتصور أنّ هذه ليست جزيرة مانهاتن الأميركية. هل تصدق أنّ هذه الصور لتصميمات مدينة حورس (الوراق سابقاً)؟".
دفع هذا المنشور الصحف الحكومية وصفحات التواصل المدافعة عن النظام إلى الإشادة بالمشروع والترويج له بعبارات وبيانات شبه موحدة تبشر بالمستقبل الواعد، في دليل إضافي على الانقسام الاجتماعي الكبير داخل المجتمع المصري، بين طبقة غارقة في فقرها المدقع، وأخرى تعيش في رفاهية قربها من النظام. فمقابل ترويج الكتائب الإلكترونية للإنماء والمدن الجديدة، برزت صفحات مثل "الأرض أرضنا"، و"جزيرة الوراق خط أحمر"، و"جزيرة الوراق تحت الحصار"، و"جزيرة الوراق صوت الحق"، و"جزيرة الوراق مباشر"، لتنقل اعتداءات الأمن بشكل مباشر، مع إعطاء مساحة واسعة للأهالي الغاضبين من تهجيرهم.
نشر صور تصميم هندسي لمدينة تضم ناطحات سحاب وقصور ومراكز تجارية، أطلق عليها اسم "حورس"
في حديث مع "العربي الجديد" ينتقد أسامة الجزيري، العضو المحلي السابق لمدينة الوراق، "الأكاذيب التي تنشرها وسائل الإعلام وصفحات مواقع التواصل التي يديرها النظام"، مؤكداً أنه "لا يوجد ساكن يريد الخروج من بيته الذي بناه أجداده أو آباؤه، أو شارك في عماره"، ويوضح أنّ الحكومة وضعت تقديراً هزيلاً لقيمة الوحدة السكنية، ولم توفر أماكن بديلة لائقة للأسر قبل ترحيلها إلى مناطق صحراوية بعيدة عن أعمالهم، لذلك استعانت بقوات الأمن لضرب الناس وإجبارهم على الخروج من منازلهم، ومنع تشغيل المعديات (القوارب الصغيرة) التي تنقل المواطنين إلى وظائفهم في مدينتي القاهرة والجيزة، وأوقفت الصيد والمراكب، ورغم ذلك لم يتراجع الناس عن مطالبتهم بحقهم أرضهم". ويؤكد الجزيري أنّ الحكومة بمساعدة الإعلام والنواب تمارس الكذب والتضليل الإعلامي، وقد انسحب تشويه الحقائق إلى مواقع التواصل.
من جهته، يؤكد رأفت عبد النبي، وهو محامي المتضررين وأحد أبناء الجزيرة، أنه علم باندلاع المظاهرات أثناء وجوده في منطقة الواحات (تبعد 400 كم عن الجزيرة) عبر صفحات السوشيال ميديا، فما كان منه إلا أن تواصل مع عائلته التي طلبت حضوره فورا لحمايتها والدفاع عن الأهالي. ويؤكد عبد النبي أن لجوء المواطنين للسوشال ميديا بدأ منذ شروع الحكومة في السيطرة على أرض الجزيرة، منذ 6 سنوات، حيث أرسلت مدرعات وقوات خاصة لإخراج الناس بالقوة، ويشيد بقوة الشبكة في نقل الحقائق لا سيما وفاة مواطنين وإحالة العشرات للمحاكمات العسكرية، وخضوع الجزيرة للقانون العسكري.
أمام هذه التغطية نجح المدونون والناشطون عبر مواقع التواصل في إنقاذ أهالي الوراق من القمع الأمني، ووقف هدم بيوتهم، إلى حين، وبعدما وصلت الصرخات إلى أجهزة الإعلام الدولية، فأوقفت السلطات تجريف الأراضي، وأفرجت عن الشباب المعتقلين في قسم الشرطة وأمن الدولة، لكن حتى الساعة لا يعلم أحد مدة هذه الهدنة، ومتى تعود قوات الأمن مجدداً لإخراج السكان من بيوتهم.