- الحادثة تعكس نمطاً مستمراً من السلوك الغربي تجاه القضايا العربية والفلسطينية خصوصاً، مشيرةً إلى استمرارية النكبة والتضليل الإعلامي الذي يواجهه العرب والفلسطينيون.
- تعليق الروائي اللبناني إلياس خوري على الاعتقال يربط بين الحادثة وحقبة ماكارثي في أمريكا، مؤكداً على استمرارية القمع والاضطهاد الفكري والسياسي في الغرب، مع التأكيد على أهمية الكتابة والمقاومة الثقافية.
اعتقال سنان أنطون (كاتب وجامعيّ عراقي) في جامعة نيويورك (23 إبريل/نيسان 2024)، لدفاعه عن طلّاب يعتصمون وينتفضون ويواجهون من أجل فلسطين، محطة جديدة في مسلسل الجنون الذي يُقيم فيه غربٌ (سلطات حاكمة أساساً)، يدّعي ديمقراطيةً لكنّه يُمارس قمعاً، ويُشعل حرباً بحجّة إنقاذ شعوبٍ "متخلّفة" من سطوة ديكتاتوريات تحكمها، لكنّه يتفوّق على الديكتاتوريات تلك، كما على نفسه، في منعٍ وقهرٍ ومحاصرة ونبذٍ وتغييبٍ وتنكيل، وهذا كلّه حالياً معنويّ أكثر منه جسدياً، إلى حدّ ما.
الاعتقال غير مُفاجئ، لأنّه حلقة في مسارٍ يبدأ بُعيد لحظاتٍ من تنفيذ "طوفان الأقصى" (7 أكتوبر/تشرين الأول 2024). الولايات المتحدّة الأميركية غير مختلفةٍ عن دول أوروبية، كألمانيا وفرنسا وبريطانيا. هذا عاديّ، لأنّه جزءٌ من تفكير وممارسة غربيِّيَن، وفلسطين شاهدةٌ على ذلك منذ 76 عاماً (النكبة، 15 مايو/أيار 1948). كلّ كلامٌ سيكون مُكرّراً، مع أنّ كتابات عربية عدّة تكشف وقائع وحقائق، وتواجِه تزويراً إسرائيلياً، محصّناً بصهيونية تسلب اليهوديّةَ من كثيرين وكثيراتٍ يساهمون، هم ـ هنّ أيضاً، في كشف وقائع إبادة، وحقائق تزوير.
ما يُحرِّض على كتابةٍ، منبثقةٍ من اعتقال سنان أنطون، الذي يُطلَق سراحه بعد ساعات بانتظار موعدٍ لـ"محاكمةٍ" (!)، كامنٌ في تعليقٍ للروائي اللبناني الياس خوري (فيسبوك، 23 إبريل/نيسان 2024)، يتضمّن وصفاً دقيقاً وصائباً ولامعاً في اختزال المشهد الأميركي لحظة الاعتقال. يكتب خوري أنّ أنطون "بين أيدي الطغاة الأميركيين"، معتبراً هؤلاء "تلامذة" ماكارثي. أيّ أنّه يستعيد حقبةً، غير بعيدة زمنياً عن راهن الجنون الغربيّ الحالي، تُعتبر إحدى أسوأ الحقبات التاريخية في سيرة "أميركا". فالاسم يُحيل إلى جوزف ماكارثي، السيناتور (1947 ـ 1957) الذي تكاد وظيفته هذه تضمحلّ في سجله، بسبب رئاسته "لجنة مجلس الشيوخ الأميركي للأمن الداخلي والشؤون الحكومية" (1953 ـ 1955)، التي تُنكِّل بكلّ أميركيّ وأميركية، بمجرّد شُبهة "اتّهام" بميول يسارية شيوعية مناوئة للأمّة الأميركية، بحسب محافظين متشدّدين، وماكارثي أبرز ممثّليها. هذا من دون تناسي افتراءات وأكاذيب وأحقاد وانتقام، تؤذي كثيرين وكثيرات.
ماكارثي نفسه غير مُنفضٍّ عن هوليوود، إذْ يشنّ حملة مُرعبة ضد عاملين وعاملات فيها، و"البوتقة (The Crucible)"، مسرحية (1953) الأميركي آرثر ميلر، انعكاسٌ بديع لها، تقتبسه السينما مرّتين: "ساحرات سالِم" (1957) للبلجيكي ريمون رولو (إيف مونتان وسيمون سينيوري وميلان دومنْجو)، و"البوتقة" (1996) للبريطاني نيكولاس هايتْنر (دانيال داي ـ لويس ووينونا رايدر). المسرحية غير مرتبطةٍ، مباشرةً، بالحملة الماكارثية، فـ"مطاردة الساحرات" تعبيرٌ عن حملات كنسية في أوروبا وأميركا الشمالية، أواخر "العصور الوسطى"، وخاصة في "عصر النهضة"، ضد متّهمات بممارسة السحر (وهذا إسقاطٌ على تفكير وممارسة ترفضهما الكنيسة المسيحية)، والحُكم يتمثّل بمطاردات واضطهادات وإدانات.
استعادة "ماكارثية هوليوود" تكشف قذارة المطاردة والاضطهاد والإدانة، ووحشية العقاب، والشرخ القاسي الذي يُصيب صناعة السينما، والخوف الذي يمزّق صداقاتٍ وعلاقات مهنيّة. هذا غير مختلف كثيراً عن الحاصل راهناً، وإنْ بشكلٍ آخر، أبرزه يتمثّل بطلّابٍ وطالبات ينشطون من أجل فلسطين، فيكون الردّ نفسه: مُطاردة واضطهاد وإدانة.
هذا نواة عقلٍ أميركي، وبالتالي غربي. العالم ينهار، فسيرته حافلة بعنف وكذب وتزوير ودم. هذا تاريخٌ، لا مجرّد ردّة فعل، ومصلحة آنيّة.