يُثير "الموت لـ2021"، لجاك كْلاف وجوش روبِن (نتفليكس ـ العروض الكوميدية الخاصّة)، سجالاً نقدياً، وبعض السجال شبيهٌ بما يُثيره "لا تنظر إلى الأعلى" لآدم ماكاي (نتفليكس أيضاً). اللافت للانتباه في الحلقة التلفزيونية للثنائي كْلاف وروبِن ـ من دون التغاضي عن موضوعه ومعالجته أحوال أميركا في عامٍ واحد، بمزيجٍ مهمّ بين النقد والتفكيك والسخرية الفاقعة ـ كامنٌ في أداء جميل للممثل البريطاني هيو غرانت (1960). الحلقة (ساعة واحدة) وثائقية، لكنّ صُنع الوثائقي فيها مرتكزٌ على ممثلين وممثلاتٍ يؤدّون أدواراً مختلفة، لن تختزل الاجتماع الأميركي برمّته، بل تكتفي بنماذج محدّدة، تكاد تكون الأبرز في مشهدٍ آنيّ.
يؤدّي غرانت، في الحلقة، دور مؤرّخ يميني، يُدعى تنِسِن فوس. يجلس في غرفة مليئة بالكتب. يُحاوره إعلاميّ لن يظهر أبداً أمام الكاميرا. يتناول الحوار مسائل مرتبطة براهن أميركا (والعالم)، فيحاول فوس الإجابة عليها بمنطق يمينيّ يبلغ، أحياناً، حالةً من خَبلٍ وتزوير منبثقٍ، غالباً، من جهلٍ واضح بأمور وأحوال. يقول كلاماً مُقتَبَساً بغالبيّته من حوارات أفلامٍ، ذات شعبية كبيرة في العالم، منها سلسلة "هاري بوتر". يتحرّك على مقعده، توتّراً، أو عجزاً عن فهم الأسئلة، أو رغبةً في إظهار الخصم منافقاً، والناس غير مُدركين الحاصل حولهم يومياً. نبرته تفضح ما فيه من انفعالٍ وقلق وقلّة دراية، أو ربما دراية كبيرة، لكنْ من دون قدرة على ترجمتها بلغة مبسّطة وصادقة ومُقنعة. عيناه، المخبّأتان خلف نظّارة طبّية، تشيان بما يختفي في ذات صاحبهما وروحه وهوسه بقول أي كلامٍ، يظنّه هو نفسه حقيقياً وواقعياً.
حضور هيو غرانت لن يحول دون تمعّن في أدوارٍ أخرى، لشخصياتٍ منبثقة من الاجتماع الأميركي نفسه (إعلام، صحافة، ربّة منزل، نجوم تويتر وإنستغرام، شركات تقنية هائلة، إلخ). مؤدّو تلك الأدوار ومؤدّياتها يُقدّمون الشخصيات بمزيجٍ من الواقعية والسخرية أيضاً. كلّ واحد من الممثلين والممثلات يستحقّ انتباهاً ومتابعة. لغرانت تجربة منبثقة من خليطٍ آخر، بين الكوميديا والنقد الاجتماعي وغيرها من الأنواع والحكايات، يُقدّمه (الخليط) في "الموت لـ2021" بذكاء وحِرفية ومصداقية، عبر تنِسِن فوس، الذي يُضيف إلى حالته ـ بارتباكاتها وعنجهيّتها، وبإيحائها بفراغٍ فكريّ مُغلَّف بثقافة يمينية، تبرز بكلامٍ مقطّع وغير متناسق تماماً ـ شكل الزيّ الذي يرتديه، وألوانه: تكامل مع النظّارة الطبّية والنظرة الهائمة، التي تقول إنّ فيها شيئاً من الانتباه والجدّية، وحركة الجسد على المقعد تشي بتخبّط، يريده صانعو الحلقة امتداداً لنمط السخرية المرّة، أو الكوميديا السوداء، إنْ يصحّ قولٌ كهذا عن الحلقة.
في لقطاتٍ عدّة، يظهر فيها تنِسِن فوس، يُضيف هيو غرانت شيئاً من حيوية نصٍّ، مفتوح على خرابٍ وفوضى وتمزّقات. إضافةٌ كهذه منبثقةٌ من حِرفية مهنة، وتملّك حيويّ للشخصية وبنائها النفسي والانفعالي والثقافي، ولموقعها في المشهد، ملبيّاً حاجة النصّ البصري إليها كشخصية محورية، تتساوى مع الشخصيات الأخرى، المحورية أيضاً.