استمع إلى الملخص
- **الشخصيات والصراعات**: يجسد أنتوني هوبكنز دور الإمبراطور فيسباسيان، وتتناول القصة كالا وأبنائها الذين يُساقون إلى العبودية، وتيناكس الذي يخطط لتحدي النظام الاجتماعي.
- **الجوانب الفنية والجمالية**: يتميز المسلسل بعمل كاميرا متقن وجماليات سينمائية، مع مشاهد قتال ومصارعة واضحة ومشاهد جنسية جريئة، ويركز على أم تقاتل من أجل حرية أبنائها.
دم، دم، دم... يتدفّق في جداول فوق الرخام الأبيض، ويتدفق في سيول فوق الأرضيات الحجرية، ويتناثر مثل تسونامي على الأعمدة. شارة البداية للمسلسل الجديد على "أمازون برايم" Those About to Die ترسل إشارات واضحة: أنتم الداخلون للمشاهدة، تخلّوا عن كلّ أمل في الدقّة، هنا تذهب الأمور لأقصاها.
روما، عام 79، مركز الإمبراطورية الرومانية أغنى مدن العالم، وثمة تدفُّق هائل من العبيد من أنحاء الإمبراطورية المتنامية للقيام بالأعمال. في الأثناء، يجري التحكُّم بالسكّان الرومانيين المضطربين والعنيفين بشكل متزايد من خلال أمرين: الطعام والألعاب. عندما يتحوّل ذوق الناس لترفيه أكثر دموية، يُصمّم ملعب خصيصاً لمنازلات المصارعة: الكولوسيوم. يستكشف المسلسل جانباً آخر من روما، العمل القذر المتمثل في ترفيه الجماهير، وإعطاء الغوغاء ما يريدونه أكثر من أي شيء آخر.
Those About to Die من تأليف كاتب السيناريو الأميركي روبرت رودات، المعروف بكتابته فيلم ستيفن سبيلبرغ الحربي "إنقاذ الجندي رايان" (1997)، ولكن أيضاً بتعاونه مع المخرج الألماني الهوليوودي رولاند إيميريش. أخرج إيميريش خمساً من الحلقات العشر للموسم الأول من Those About to Die، وأخرج صديقه البافاري ماركو كرويزبينتنر الحلقات الخمس الأخرى. ثلاثي يعرف كيف يُبقي المشاهدين مستمتعين أمام صندوق ألعاب الصور المتحركة. كل مَن يريد دقّة تاريخية (كما في "روما")، أو إثارة سينمائية (كما في "المصارع")، لا يناسبه هذا المسلسل. يقدّم Those About to Die الحركة والحبكة في المقام الأول والأخير، وهناك الكثير منهما.
تدور أحداث المسلسل في روما عقب الاضطرابات الأشبه بحربٍ أهلية في ما يسمّى "عام الأباطرة الأربعة"، أثناء حكم الإمبراطور فيسباسيان. يجسّد أنتوني هوبكنز دور الإمبراطور المسنّ كما لو كان في وضع التشغيل الآلي (وهو أمر مفهوم وملائم، لأنه على وشك عبور نهر ستيكس على أي حال). يعتبر فيسباسيان أحد أفضل الأباطرة (خاصة بالمقارنة مع نيرون)، لكن وفاته كانت تقترب بسرعة عام 79. سيستغرق سقوط روما ما يقرب من 400 عام، لكن قد يفترض المرء أن أيام الإمبراطورية الرومانية محدودة أيضاً بسبب أعمال الشغب والفساد المبتلى بها المجتمع الروماني آنذاك. لحسن الحظ بالنسبة للنخبة، لا تزال رياضة الدم قادرة على تشتيت انتباه الغوغاء، على الأقل نسبياً وإلى حين.
بعد "فتحه" القدس، أخضع فيسباسيان اليهود، لكن ابنه الأكبر ووريثه المفترض تيتوس فلافيانوس (توم هيوز)، اتخذ ملكة اليهود عشيقة له. لم ترحّب روما بها تماماً بأذرع مفتوحة، إذ غالباً ما عادى الرومانيون القادمين الجدد من أركان إمبراطوريتهم المترامية. وهذا ينطبق بشكل أكبر على كالا (سارة مارتينز)، وأبنائها النيوميديين من شمال أفريقيا. عندما تتعرّض الابنة الصغرى جولا للاعتداء من قبل قائد عسكري، تدافع أختها الكبرى أورا عن شرفها حتى الموت. وعلى الفور، تُرسل الفتاتان إلى العبودية كعقاب لهما. ويعاني شقيقهما الأكبر المؤسف كوامي (مو هاشم)، المصير نفسه عندما يعترض.
يساقون إلى روما، وتتبعهم الأمّ، عازمة على شراء حريتهم. لسوء الحظ، تُشترى أورا من قبل زوجة مارسوس، عضو مجلس الشيوخ القوي والمنحرف، الذي يطمع في أمجاد الإمبراطور لنفسه. ومن عجيب المفارقات أن كوامي اختيرت له حياة المصارعين، لأن متوسط العمر المتوقع لهم أعلى من العبيد المرسلين إلى المناجم. ومن الواضح أن شراء حرية أي من البنتين لن يكون خياراً في محطتيهما الحاليتين، لذلك تنتظر كالا وقتها للعمل في صالة المراهنات التي يديرها تيناكس (إيوان ريون، الذي لعب دور رامزي بولتون في صراع العروش)، البطل المضاد المحوري في القصّة.
لدى تيناكس خطة لتحدي النظام الاجتماعي والاقتصادي في روما من خلال إنشاء فرقة خامسة تنافس ضمن سباق العربات، اللعبة الشعبية المحبوبة بين الجماهير الرومانية. لديه أفضل سائق، سكوربُس (ديمتري ليونيداس)، سائق عربة شهوانية ولكنه "فائز" بالتعريف، استناداً إلى شخصية تاريخية حقيقية. لديه أيضاً أربعة خيول صغيرة ولكنها سريعة وقوية بشكل لا يصدّق، اشتراها من ثلاثة أشقاء أندلسيين، ينوون البقاء في مركز العالم الغربي القديم لبناء حياتهم المهنية كمدرّبين للخيول (على الأقل كانت هذه النيّة السرّية للاثنين الأكبر سناً وهما يعتقدان أن أخاهما الصغير سيبقى على مضض، على الرغم من عدم ارتياحه للطرق الرومانية). وهكذا تلتقي مصائر ومسارات الشخصيات الرئيسية في المؤامرة القديمة، أخذاً في الاعتبار ارتباط تيناكس، المجرم العصامي الطامح بمزاحمة الأرستقراطيين، بالشقيق الأصغر للإمبراطور الجديد دوميشن (جوجو ماكاري)، السياسي الماكر ومدير الترفيه الجماعي الدموي في سيرك ماكسيموس، الساعي بدوره لإزاحة شقيقة والانفراد بكرسي الإمبراطورية.
عند هذه النقطة، يمكن للمتفرّج ملاحظة أنه بالرغم من استناد Those About to Die إلى كتابٍ يحمل الاسم نفسه من تأليف دانييل بي. مانيكس، الذي استقى فيلم "المصارع" لريدلي سكوت من منجمه الزاخر بالحكايات التاريخية، فإن هذا المسلسل الجديد يتبع نهجاً سردياً مختلفاً مقارنة بالمقاربة السوسيولوجية التي اتبعها مسلسل مثل "صراع العروش". بدلاً من رحلة البطل الكلاسيكية في الملاحم التاريخية، يقدّم Those About to Die شبكة معقدة ومهرولة من التاريخ تهدف إلى تصوير توازن القوى في مجتمعٍ بأكمله. "الأعلى" و"الأسفل" هما أوعية للتواصل هنا.
ولكن هذا لا يعني أن الحبكة تسجل نقاطاً لصالحها من الفروق الدقيقة. فالبناء الدرامي المتمهّل والحوار المتطوّر والملامح النفسية العميقة للأبطال ليست نقاط قوة ولا نوايا صانعي المسلسل. الأشياء تحدث بكثافة ودون فرصة لالتقاط الأنفاس: تحوّل في الحبكة هنا، وشجار حيوي هناك. مشهد قصير يُبكي بين الحين والآخر، ونكتة لاذعة في نهاية آخر. ثم تدور القصة بسعادة في خضم وتيرة سريعة. التعديل الذي قام به رودات لكتاب دانيال مانيكس يميل بالتأكيد إلى الجوانب المنحطّة والعنيفة لروما القديمة. مشاهد القتال والمصارعة أكثر وضوحاً بكثير من أي شيء شوهد في "المصارع"، في حين أن المشاهد الجنسية العديدة (من وجهات نظر متعددة)، لا تترك أي شيء للخيال. في بعض الأحيان، يبدو الأمر وكأنه بداية لفيلم إباحي. ومع ذلك، فالمسلسل مرتكز على قصة قوية عن أمّ تقاتل من أجل تحرير أبنائها.
اعتماداً على تفضيلات وذوق المتفرّج، يمكن اعتبار ذلك ميزة أو عيباً. نادراً ما تكتسب الأحداث في المسلسل ثقل المسلسلات التلفزيونية عالية المستوى المماثلة في نوع الفانتازيا/ التاريخ (مثل "لعبة العروش" أو "شوغون"). من ناحية أخرى، يتنزّل المسلسل مثل قارورة مليئة بالنبيذ، وهو ما يرجع جزئياً إلى هذه الخِفّة الشديدة، فضلاً عن الألعاب الإخراجية لإيمريش وكرويزبينتنر والبقية.
على المستوى الجمالي، عمل الكاميرا يستحق تسليط الضوء عليه: رحلات متدفقة عبر مواقع متعرجة تحافظ على حيوية الطاقة الحركية، فيما توفّر جماليات الشاشة العريضة ذات اللون البنّي الذهبي لمسة سينمائية. في الوقت نفسه، لا تسمح الخلفيات الرقمية (المبالغ في فوتوغرافيتها)، أبداً بنسيان المتفرّج أنه ليس في روما القديمة، وإنما في مدينة واهية ومصطنعة من أعمال مصنع أحلام هوليوودي تابع لمنصّة بث عبر الإنترنت تحاول ملء فراغ وتسلية جمهور.
تفتقر العروض التمثيلية أيضاً في بعض الأحيان إلى المميّز والمختلف؛ فيما يبرز، ضمن الطاقم متعدّد الجنسيات، كلّ من رايون ومارتينز، وبالأخصّ ماكاري في دور الشرير الحقير في مسلسلٍ يحتاج شخصية مثل هذه. كما أن تنوّع الشخصيات الداعمة، المتناسب مع بوتقة روما وكوزموبوليتانيتها، اقتراحٌ محمود. يبقى المحور الرئيسي للقصة، الدائر بالأساس حول تضامن واجتماع هؤلاء الأشخاص غير المحظوظين الذين أعطوا المسلسل عنوانه، الرجال المحكوم عليهم بالهلاك المضطرون إلى تحية القياصرة في حلبة المصارعة... وهنا أيضاً سيجد المتفرّج نفسه يرفع إصبعه عليهم بين الحين والآخر.