الدفء في شتاء غزة الحالي الذي اجتاحته عواصف الحرب قبل الطبيعة، هو كطلب المستحيل، والسؤال المطروح الدائم منذ أسابيع بالنسبة إلى مئات آلاف السكان هو كيفية الحصول على هذا الدفء الضروري مع زوال كل وسائله الاعتيادية، وأقلّها جدران البيوت التي استبدلت بأقمشة خيام أو بنايلون لا يرد البرد. إنه الدفء الذي سلبته الحرب التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي، وحرمت الناس من كل وسائل الحصول عليه إلا من خلال حرق ما يمكن استخدامه لهذه الغاية، من بقايا الدمار غالباً، وما يمكن لبسه من ثياب انتزعت بشق النفس من تحت الركام علّها تفيد، وأيضاً ما يمكن وضعه على الجسم من أغطية، والإفادة منه في المجالس من فرشات ومستلزمات أخرى. بقيت للغزيين أشياء قليلة للتمسك بالدفء والحياة التي تتربص بها كل المخاطر الصحية، في حين يتطلب توفير الدفء في الشتاء في العادة تأمين الكثير من المقومات التي تحتاج إلى إمكانات واستعدادات، وحتى إلى الاستقرار والسلام اللذين تفتقد لهما غزة اليوم. من الأقوال الشائعة لدى القدماء إنه "لو كان للصيف أم لكانت بكت عليه"، وفي شتاء غزة اليوم يصح القول إنه "لو كان للدفء أم لكانت بكت عليه". وفي انتظار حلول الدفء الطبيعي تبقى أيدي الغزيين ممدودة لاستقبال شرارات من نار المواقد البدائية والبقايا المشتعلة.
غياب وسائل الحصول على الدفء هو علامة على انعدام إنسانية أولئك الذين تمتعوا بدفء مثالي في الشتاء الحالي ودعموا عدوان إسرائيل على غزة أو غضوا البصر عنه... وتظل الطبيعة بمختلف فصولها أكثر رحمة.
(العربي الجديد)