بعيداً عن اعتداء نورمندي، حيث قام شخصان مؤيدان لتنظيم "داعش"، بذبح كاهن كنيسة، فإنّ جريمة نيس لا تزال حاضرة بارزة. ففي تناول التعامل الإعلامي الفرنسي مع الاعتداء الإرهابي في مدينة نيس، لا يُمكن تجنّب نوع من المقارنة مع الاعتداءات الإرهابية في يناير/كانون الثاني 2015 ونوفمبر/تشرين الثاني 2015.
فحتى الجهة المنفذة للاعتداء الأخير في نيس، لا تزال غامضة، والتحقيقات مستمرة. وعلى الرغم من إعلان تنظيم "داعش" مسؤوليته ودأبه على ذلك منذ فترة، واعتبار السائق التونسي "جندياً من جنوده"، فإنّ أشياء كثيرة أخرى، ربما سيكشف عنها التحقيق، دفعت هذا التونسي العاشق للرقص والمشروبات الروحية، إلى أن يفكر في خطف أرواح أبرياء في ساحة مرحة واحتفالية ولا مبالية. هذا على عكس اعتداءات سنة 2015، التي أظهرت أنها من فعل أعضاء فاعلين في تنظيم إرهابي، سافر جلهم إلى سورية أو العراق، تلقوا فيها التدريب والتكوين ثم الأوامر.
في اعتداء 2015، نجحت الحكومة والرئيس، هولاند، ومختلف أطياف المعارضة في منح الفرنسيين شعوراً بـ"الوحدة الوطنية"، وكانت التظاهرة المليونية التي أعقبت الاعتداء على صحيفة "شارلي إيبدو"، دليلاً، لا يقبل الشك، على التحام الفرنسيين في ما بينهم في ساعة الألم والمصائب، واتحادهم في مواجهة الإرهاب.
ولكن "الوحدة الوطنية" بعد اعتداء نيس لم تَصمد سوى ساعات، ثم أطلق عليها قياديون نافذون من حزب "الجمهوريون"، رصاصات الرحمة، متهمين الحكومة بالتقصير الأمني، ومطالبين بلجان تحقيق ثم المحاسبة. بل ووصل الأمر ببعض سكان نيس أثناء دقيقة الصمت التي أعلن
عنها في كامل التراب الوطني إلى التشويش على رئيس الوزراء، مانويل فالس، والمطالبة باستقالته.
وأضيف إلى المشهد الجدل الحادّ بين الدولة، في شخص وزير الداخلية، وبين بلدية نيس، قضية العاملة في الشرطة البلدية، ساندرا بيرتين التي تتحدث عن غياب كبير لأفراد الشرطة الوطنية، في تسجيلات الكاميرات، بين الجمهور، وتتحدث عن ضغوط تلقتها من وزارة الداخلية عليها لتغيير روايتها للأحداث. كما تتحدث عن ضغوط عليها لمسح كليّ للتسجيلات، "خوفاً من تسريبات للجمهور"، في الوقت الذي كانت فيه وسائل الإعلام الفرنسية والأجنبية تعرض مشاهد فظيعة من المجزرة. ولكن البلدية رفضت أي مساس بالتسجيلات. وهذه الاتهامات رفضها وزير الداخلية بقوة، ورفعت دعوى قضائية على الشرطية.
وحتى الإعلام الفرنسي الذي بدا متّحداً في مِحَن سنة 2015، انشطر، أيديولوجياً وسياسياً، وشهد وجود نوعين أو أكثر من الاتجاهات: الاتجاه اليميني الذي يحمّل الحكومة مسؤولية كبرى في ما وقع. واتجاه آخَر، يساري، يؤكد أنه من المستحيل تجنب كل الاعتداءات وأن الحكومة نجحت في إفشال كثير من المؤامرات وفككت كثيراً من الشبكات. ونوع ثالث، يحاول أن يكون محايداً وموضوعيّاً، يطالب بتحقيق محايد لتحديد المسؤوليات بعيداً عن كل انتهازية سياسية.
واللافت أن الصحافة، وأيضاً وسائل الإعلام المرئية تكرس حيزاً ضخماً لهذا الجدل الذي أعقب اعتداء نيس، في حين أن مواضيع دولية مهمة، كاشتداد القصف الجوي السوري والروسي على المعارضة السورية، وما خلفه من مئات القتلى والجرحى، لا تعيرها أهمية تذكر.
وهكذا غطّى الجدل الفرنسي - الفرنسي على ما هو مركزي، وهو محاربة الإرهاب. وعلى الرغم من أن وزير الداخلية يصرّح أن العدو هو الإرهاب، كما أن الشرطيّة تشدّد على أن العدوّ هو الإرهابي، إلاّ أنّ الساسة الفرنسيين، يمينيين أم يساريين، يُفكّرون في شيء آخَر. وهو ما دفع عالم الاجتماع، ميشيل فيفيوركا، للقول: "إن الإجماع (الوطني) ذابَ بسرعة، هذه المرة، بسبب منطق الصراع في الحملة الانتخابية الرئاسية". وهو صراع يُخشى منه أن يؤدي، كما يقول المحلل النفساني، جيرارد حداد، إلى "خطر رئيسي يتمثل في تصاعد الكراهية نحو المسلمين، في إطار بحث عن كبش فداء كلاسيكي في مثل هذه الحالات".
وفي ظل هذا الصراع السياسي، لا يستطيع الملاحظ سوى اكتشاف تناقضات هؤلاء السياسيين وأخطائهم، المقصودة أو غير المقصودة. فرجل نيس القوي، والذي نجح في الانتخابات الأخيرة بفضل أصوات اليسار، والمُقرَّب من ساركوزي، إستروزي، كان يتبجح، بُعيْد اعتداءات باريس الأولى، بأن "باريس لو كانت تتوفر على نفس التجهيزات التي نتوفر عليها في مدينة نيس، ما كان للأَخَوَين كواشي أن يقطعا ثلاثة ملتقيات طرق دون أن يتمّ اكتشافهما".
أما نيكولا ساركوزي فعلى الرغم من أنه حاول أن يخفف من مواقف مُساعدَيه المتطرفة، سيوتّي وإيستروزي، إلا أنه ألحّ على أنه ينتظر من الحكومة تشدداً أكبر تجاه المتهمين بالإرهاب، وأعاد اقتراحاته المتمثلة في تحميلهم سواراً إلكترونيا أو وضعهم في مركز احتجاز الأفراد المتهمين بالتطرف، والذي يرى فيه كثير من الحقوقيين شبيهاً بسجن غوانتنامو، ثم إغلاق دور العبادة.
ولكن الانفعال، الذي يبرره بحبه الجارف لبلده، الذي غالباً ما يرافق خطابات نيكولا ساركوزي، جعله يتحدث، مرتين على الأقل، عن "الإرهاب الإسلامي"، وهو ما لا يضعه بعيداً عن أطروحات الجبهة الوطنية وبعض منظّري اليمين المتطرف، من ألان فينكلكروت وإيريك زمور وباتريك بْويسون، الذين لا يرون أي فارق بين الإسلام والإسلاموية، بين الدين وبين التطرف.
اقــرأ أيضاً
في اعتداء 2015، نجحت الحكومة والرئيس، هولاند، ومختلف أطياف المعارضة في منح الفرنسيين شعوراً بـ"الوحدة الوطنية"، وكانت التظاهرة المليونية التي أعقبت الاعتداء على صحيفة "شارلي إيبدو"، دليلاً، لا يقبل الشك، على التحام الفرنسيين في ما بينهم في ساعة الألم والمصائب، واتحادهم في مواجهة الإرهاب.
ولكن "الوحدة الوطنية" بعد اعتداء نيس لم تَصمد سوى ساعات، ثم أطلق عليها قياديون نافذون من حزب "الجمهوريون"، رصاصات الرحمة، متهمين الحكومة بالتقصير الأمني، ومطالبين بلجان تحقيق ثم المحاسبة. بل ووصل الأمر ببعض سكان نيس أثناء دقيقة الصمت التي أعلن
وأضيف إلى المشهد الجدل الحادّ بين الدولة، في شخص وزير الداخلية، وبين بلدية نيس، قضية العاملة في الشرطة البلدية، ساندرا بيرتين التي تتحدث عن غياب كبير لأفراد الشرطة الوطنية، في تسجيلات الكاميرات، بين الجمهور، وتتحدث عن ضغوط تلقتها من وزارة الداخلية عليها لتغيير روايتها للأحداث. كما تتحدث عن ضغوط عليها لمسح كليّ للتسجيلات، "خوفاً من تسريبات للجمهور"، في الوقت الذي كانت فيه وسائل الإعلام الفرنسية والأجنبية تعرض مشاهد فظيعة من المجزرة. ولكن البلدية رفضت أي مساس بالتسجيلات. وهذه الاتهامات رفضها وزير الداخلية بقوة، ورفعت دعوى قضائية على الشرطية.
وحتى الإعلام الفرنسي الذي بدا متّحداً في مِحَن سنة 2015، انشطر، أيديولوجياً وسياسياً، وشهد وجود نوعين أو أكثر من الاتجاهات: الاتجاه اليميني الذي يحمّل الحكومة مسؤولية كبرى في ما وقع. واتجاه آخَر، يساري، يؤكد أنه من المستحيل تجنب كل الاعتداءات وأن الحكومة نجحت في إفشال كثير من المؤامرات وفككت كثيراً من الشبكات. ونوع ثالث، يحاول أن يكون محايداً وموضوعيّاً، يطالب بتحقيق محايد لتحديد المسؤوليات بعيداً عن كل انتهازية سياسية.
واللافت أن الصحافة، وأيضاً وسائل الإعلام المرئية تكرس حيزاً ضخماً لهذا الجدل الذي أعقب اعتداء نيس، في حين أن مواضيع دولية مهمة، كاشتداد القصف الجوي السوري والروسي على المعارضة السورية، وما خلفه من مئات القتلى والجرحى، لا تعيرها أهمية تذكر.
وهكذا غطّى الجدل الفرنسي - الفرنسي على ما هو مركزي، وهو محاربة الإرهاب. وعلى الرغم من أن وزير الداخلية يصرّح أن العدو هو الإرهاب، كما أن الشرطيّة تشدّد على أن العدوّ هو الإرهابي، إلاّ أنّ الساسة الفرنسيين، يمينيين أم يساريين، يُفكّرون في شيء آخَر. وهو ما دفع عالم الاجتماع، ميشيل فيفيوركا، للقول: "إن الإجماع (الوطني) ذابَ بسرعة، هذه المرة، بسبب منطق الصراع في الحملة الانتخابية الرئاسية". وهو صراع يُخشى منه أن يؤدي، كما يقول المحلل النفساني، جيرارد حداد، إلى "خطر رئيسي يتمثل في تصاعد الكراهية نحو المسلمين، في إطار بحث عن كبش فداء كلاسيكي في مثل هذه الحالات".
وفي ظل هذا الصراع السياسي، لا يستطيع الملاحظ سوى اكتشاف تناقضات هؤلاء السياسيين وأخطائهم، المقصودة أو غير المقصودة. فرجل نيس القوي، والذي نجح في الانتخابات الأخيرة بفضل أصوات اليسار، والمُقرَّب من ساركوزي، إستروزي، كان يتبجح، بُعيْد اعتداءات باريس الأولى، بأن "باريس لو كانت تتوفر على نفس التجهيزات التي نتوفر عليها في مدينة نيس، ما كان للأَخَوَين كواشي أن يقطعا ثلاثة ملتقيات طرق دون أن يتمّ اكتشافهما".
أما نيكولا ساركوزي فعلى الرغم من أنه حاول أن يخفف من مواقف مُساعدَيه المتطرفة، سيوتّي وإيستروزي، إلا أنه ألحّ على أنه ينتظر من الحكومة تشدداً أكبر تجاه المتهمين بالإرهاب، وأعاد اقتراحاته المتمثلة في تحميلهم سواراً إلكترونيا أو وضعهم في مركز احتجاز الأفراد المتهمين بالتطرف، والذي يرى فيه كثير من الحقوقيين شبيهاً بسجن غوانتنامو، ثم إغلاق دور العبادة.
ولكن الانفعال، الذي يبرره بحبه الجارف لبلده، الذي غالباً ما يرافق خطابات نيكولا ساركوزي، جعله يتحدث، مرتين على الأقل، عن "الإرهاب الإسلامي"، وهو ما لا يضعه بعيداً عن أطروحات الجبهة الوطنية وبعض منظّري اليمين المتطرف، من ألان فينكلكروت وإيريك زمور وباتريك بْويسون، الذين لا يرون أي فارق بين الإسلام والإسلاموية، بين الدين وبين التطرف.