كل شيء في عنوان التقرير الذي بثّته شبكة الإذاعة البريطانية BBC يوم الخميس بدا مغرياً: "حصري: داخل السجن السعودي الذهبي في ريتز كارلتون الرياض". للمرة الأولى منذ 20 يوماً، ستدخل كاميرا "غربية" إلى الفندق ــ السجن الذي شغل العالم، وسيصبح لأكثر القضايا إثارة في العالم صورة واضحة، وحكايات حقيقية وموثّقة. لكن "انفراد" القناة البريطانية والإعلامية الكندية الشهيرة في BBC ليس دوسيت، لم يخرج سوى بفيديو سياحي عن الفندق، وتكرار لرواية النظام السعودي والإعلاميين المحيطين بِوَليّ العهد محمد بن سلمان.
لم تقدّم لنا دوسيت، بخبرتها الواسعة، أي معلومة حقيقية وغير معروفة عن الموقوفين داخل الريتز كارلتون. لم تحصل على مقابلة واحدة، بما أن التقرير صوّر "بمرافقة مسؤولين حكوميين، منعونا من تصوير الوجوه أو أخذ أي تصريح" كما تعلن الإعلامية نفسها في بداية التقرير.
يبدأ الشريط بمشهد دخول السيارة التي تقل دوسيت وفريقها ليلاً إلى داخل الفندق الفخم، أجواء توحي أن التقرير الذي سنشاهده استقصائي خطير. داخل الفندق المبهر بفخامته، نشاهد الموقوفين السعوديين من ظهورهم، يسيرون فرادى أو جماعة، ثمّ تطل دوسيت بأناقة تناسب الفندق: "في بهو الفندق أناس يشربون القهوة كما في أي فندق فخم في العاصمة". ثمّ تضيف أنّ معظم الموقوفين هنا يقضون وقتهم بمفردهم في محاولة للحد من الأضرار التي لحقت بسمعتهم. نعلم أن هواتف الموقوفين صودرت منهم، لتقول دوسيت بنبرة إعجاب: "لكن لديهم خطّا ساخنا يمكّنهم من التواصل مع محاميهم وعائلاتهم، وحتى المسؤولين في الشركات التي يملكونها".
انتهت المقدمة، وبدأت الجولية السياحية داخل الفندق الذي نشاهد مسبحه الفخم، وصالة البولينغ فيه، وكل هذه الامتيازات متوفرة "لأكثر السجناء دلالاً في العالم... إنهم يملكون كل شيء إلا حريّتهم".
ثمّ تتوجه لأحد المشتبه بهم كما تقول. لا نسمع صوته، ولا نعرف من هو، لكن نعلم أنّه أبلغها عن "تركيزه على قضيته مع محاميه". ما هي القضية تحديداً؟ ما هو الاتهام الموجّه له؟ لا جواب. "قيل لي إنّ 95 في المئة من الموجودين هنا، مستعدون لعقد صفقة مع النظام وإعادة مبالغ طائلة فقط ليخرجوا من هنا" تقول. من قال لها ذلك؟ أليست تلك المعلومات المنتشرة منذ 10 أيام في كل الإعلام العربي والغربي؟ ينتهي القسم الأول من التقرير هنا.
أما في الدقيقة 2:20، تبدأ حملة الترويج الواضحة وغير الملتبسة لرواية النظام السعودي: محمد بن سلمان إصلاحي، السعوديون يرحبون "بنهاية الفساد المستشري"، طموح بن سلمان قد يخلق له أعداءً... تخرج دوسيت من الفندق. نشاهد الريتز كارلتون من الخارج. انتهى.
لم تضف دوسيت بتقريرها أي معلومة حقيقية وقيّمة عن المعتقلين/ظروف اعتقالهم/ القضايا المتهمين بها. لم تعطِ المشاهد معلومة واحدة لم يسمعها من قبل، باستثناء وجود صالة للعب البولينغ في الفندق... تتباهى الشبكة البريطانية بدخولها الفندق، والترويج لتقريرها. حصلت المحطة على انفراد حقيقي. انفراد فقد كل عناصر الإبهار منذ ثانيته العاشرة حتى نهايته. وغرق بالترويج المقصود أو غير المقصود لرواية النظام السعودي عما يحصل في البلاد. لم نسمع رواية المعتقلين، لم نسمع الرأي الآخر، بدت الجولة أشبه بما تقوم به الأنظمة الأخرى عندما تسمح للإعلام بدخول السجون، فنشاهد المساجين يمارسون الرياضة ويلعبون البلاي ستيشن، ويأكلون الطعام الصحي والنظيف.
في ميزان الفوز والخسارة، تميل الكفة بثقل أكيد نحو الخسارة: فازت المحطة بدخولها السجن الذهبي وبنسب المشاهدة، وخسرت في كل ما عدا ذلك. خسرت في مهنيتها التي يفترض أنها الأشهر حول العالم، وخسرت في تغليف الزيارة بقالب معلوماتيّ، كان سيبرّر الترويج لبن سلمان. وخسرت أيضاً في توقيت التقرير الذي عرض بالتزامن مع تقرير لصحيفة "ديلي ميل" البريطانية عن تعذيب الموقوفين. قد تكون رواية "ديلي ميل" حقيقية وقد لا تكون، نظراً للطابع الفضائحي وغير الرصين للصحيفة البريطانية، لكنّ عرض التقرير بالتوازي مع نشر تقرير التعذيب يبدو مريباً.
على حسابها على "تويتر" نشرت ليس دوسيت قبل ساعات قليلة من عرض التقرير صوة لها مع المصوّر من داخل الفندق مع عبارة "دخلنا لنعرف أكثر". فهل علمت دوسيت أكثر فعلاً؟ أم أنها اكتفت بما سمح لها تصويره لتخرج من الفندق تماماً كما دخلته: لم نعرف أكثر.
اقــرأ أيضاً
لم تقدّم لنا دوسيت، بخبرتها الواسعة، أي معلومة حقيقية وغير معروفة عن الموقوفين داخل الريتز كارلتون. لم تحصل على مقابلة واحدة، بما أن التقرير صوّر "بمرافقة مسؤولين حكوميين، منعونا من تصوير الوجوه أو أخذ أي تصريح" كما تعلن الإعلامية نفسها في بداية التقرير.
يبدأ الشريط بمشهد دخول السيارة التي تقل دوسيت وفريقها ليلاً إلى داخل الفندق الفخم، أجواء توحي أن التقرير الذي سنشاهده استقصائي خطير. داخل الفندق المبهر بفخامته، نشاهد الموقوفين السعوديين من ظهورهم، يسيرون فرادى أو جماعة، ثمّ تطل دوسيت بأناقة تناسب الفندق: "في بهو الفندق أناس يشربون القهوة كما في أي فندق فخم في العاصمة". ثمّ تضيف أنّ معظم الموقوفين هنا يقضون وقتهم بمفردهم في محاولة للحد من الأضرار التي لحقت بسمعتهم. نعلم أن هواتف الموقوفين صودرت منهم، لتقول دوسيت بنبرة إعجاب: "لكن لديهم خطّا ساخنا يمكّنهم من التواصل مع محاميهم وعائلاتهم، وحتى المسؤولين في الشركات التي يملكونها".
انتهت المقدمة، وبدأت الجولية السياحية داخل الفندق الذي نشاهد مسبحه الفخم، وصالة البولينغ فيه، وكل هذه الامتيازات متوفرة "لأكثر السجناء دلالاً في العالم... إنهم يملكون كل شيء إلا حريّتهم".
ثمّ تتوجه لأحد المشتبه بهم كما تقول. لا نسمع صوته، ولا نعرف من هو، لكن نعلم أنّه أبلغها عن "تركيزه على قضيته مع محاميه". ما هي القضية تحديداً؟ ما هو الاتهام الموجّه له؟ لا جواب. "قيل لي إنّ 95 في المئة من الموجودين هنا، مستعدون لعقد صفقة مع النظام وإعادة مبالغ طائلة فقط ليخرجوا من هنا" تقول. من قال لها ذلك؟ أليست تلك المعلومات المنتشرة منذ 10 أيام في كل الإعلام العربي والغربي؟ ينتهي القسم الأول من التقرير هنا.
أما في الدقيقة 2:20، تبدأ حملة الترويج الواضحة وغير الملتبسة لرواية النظام السعودي: محمد بن سلمان إصلاحي، السعوديون يرحبون "بنهاية الفساد المستشري"، طموح بن سلمان قد يخلق له أعداءً... تخرج دوسيت من الفندق. نشاهد الريتز كارلتون من الخارج. انتهى.
لم تضف دوسيت بتقريرها أي معلومة حقيقية وقيّمة عن المعتقلين/ظروف اعتقالهم/ القضايا المتهمين بها. لم تعطِ المشاهد معلومة واحدة لم يسمعها من قبل، باستثناء وجود صالة للعب البولينغ في الفندق... تتباهى الشبكة البريطانية بدخولها الفندق، والترويج لتقريرها. حصلت المحطة على انفراد حقيقي. انفراد فقد كل عناصر الإبهار منذ ثانيته العاشرة حتى نهايته. وغرق بالترويج المقصود أو غير المقصود لرواية النظام السعودي عما يحصل في البلاد. لم نسمع رواية المعتقلين، لم نسمع الرأي الآخر، بدت الجولة أشبه بما تقوم به الأنظمة الأخرى عندما تسمح للإعلام بدخول السجون، فنشاهد المساجين يمارسون الرياضة ويلعبون البلاي ستيشن، ويأكلون الطعام الصحي والنظيف.
في ميزان الفوز والخسارة، تميل الكفة بثقل أكيد نحو الخسارة: فازت المحطة بدخولها السجن الذهبي وبنسب المشاهدة، وخسرت في كل ما عدا ذلك. خسرت في مهنيتها التي يفترض أنها الأشهر حول العالم، وخسرت في تغليف الزيارة بقالب معلوماتيّ، كان سيبرّر الترويج لبن سلمان. وخسرت أيضاً في توقيت التقرير الذي عرض بالتزامن مع تقرير لصحيفة "ديلي ميل" البريطانية عن تعذيب الموقوفين. قد تكون رواية "ديلي ميل" حقيقية وقد لا تكون، نظراً للطابع الفضائحي وغير الرصين للصحيفة البريطانية، لكنّ عرض التقرير بالتوازي مع نشر تقرير التعذيب يبدو مريباً.
على حسابها على "تويتر" نشرت ليس دوسيت قبل ساعات قليلة من عرض التقرير صوة لها مع المصوّر من داخل الفندق مع عبارة "دخلنا لنعرف أكثر". فهل علمت دوسيت أكثر فعلاً؟ أم أنها اكتفت بما سمح لها تصويره لتخرج من الفندق تماماً كما دخلته: لم نعرف أكثر.
Twitter Post
|
Twitter Post
|