التغلب على نظرة المجتمع الفلسطيني "المُحافظ" لا تقتصر عند مراسلة تلفزيون فلسطين، سالي السكني، على الكلمات الرنانة والعبارات التي تعادي فكرة ذكورية المجتمع فقط، وترى أنها بحاجة إلى قرار لإثبات وجودها في سوق العمل، من خلال عملها الحقيقي، وبدء رحلة التحدي، لمواجهة كل ما يمكن أن يقف أمام حلمها.
وتوضح السكني، لـ"العربي الجديد"، أنّ فكرة العمل في الحقل الإعلامي بالنسبة لأية فتاة وفي بلد شرقي محافظ يعني مضاعفة الجهود لترسيخ فكرة العدالة "الجندرية"، لافتة إلى التشجيع الذي حَظَت به من عائلتها التي وقفت إلى جانبها، ووثقت بعملها وتابعته جيداً، وكان من أبرز العوامل التي دفعتها إلى المواصلة بحرية، خاصة في تغطية الأحداث التي فرضت العمل حتى ساعات متأخرة.
مهنة الصحافة، بالنسبة للسكني، والتي بدأت منذ تسع سنوات، "على رأس أجندتها، ولا يمكنها الابتعاد عن الميدان ليوم واحد" كما تقول، مبينة أنّ مفهوم الراحة لم يتفق يوماً مع الراحة، خاصة في مدينة غزة المُحاصرة، والمليئة بالهموم.
"اعتدنا على التعب والإرهاق كي نعالج الأزمات، وأن نخرجها إلى النور، كي نعكس الصورة الحقيقية لطبيعة حياتنا في غزة"، هذا ما تقوله السكني، التي تشير أيضاً إلى أنها تعرضت للكثير من المواقف، التي تركت بصمة في حياتها المهنية، والتي انعكست على حياتها الخاصة، كان أبرزها، تغطيتها لثلاث حروب دامية، إلى جانب المواجهات الأخيرة مع جنود الاحتلال الإسرائيلي على السياج الحدودي، والذي تعرضت خلاله هي وطاقم العمل للاستهداف المباشر بقنابل الغاز المسيل للدموع.
التشجيع العائلي كان وراء نجاح الصحافية، صفاء الهبيل، مراسلة تلفزيون فلسطين وإذاعة "ألوان" المحلية، التي تشير إلى أنها تمكنت من التغلب على النظرة والثقافة المجتمعية تجاه
ساعد ذلك الأمر الصحافية الهبيل على التحدي والتقدم، إلى جانب قدرتها على إثبات ذاتها بعد تغطيتها سلسلة الحروب والاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة.
تشير الهبيل، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنها تواجه خلال عملها عدداً من المشاكل الناتجة عن الممارسات الإسرائيلية، والتي تحول بينها وبين تغطية الانتهاكات الإسرائيلية على طول الشريط الحدودي، علاوة على منعها من التحرك بين محافظات الوطن، حيث تم رفض زيارتها للضفة الغربية.
أما في ما يتعلق بمدى تعلقها بالعمل الصحافي، فتقول صفاء إنّ عملها يمثل لها الكثير، حيث تشعر في كثير من الأحيان بأنها تقدم خدمة للمواطنين والفئات، التي تقوم بتسليط الضوء عليها وعلى معاناتها، حين تكون هناك استجابة من جهات الاختصاص، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بقضايا نساء يتحدين الواقع بصمودهن.
وتشير إلى أنها تعرضت للكثير من المواقف الصعبة، خاصة في الحرب عندما لم يكن باستطاعتها وطاقم العمل التنقل في ظل استهداف الطواقم الصحافية بشكل مباشر، واستهداف العديد من منازل المواطنين القريبة من أماكن إعداد التقارير للمناطق المتضررة، إلى جانب تعرضها للمنع من التصوير أو دخول بعض المناطق العشوائية المهمشة.
اقرأ أيضاً: اهتمام فلسطيني متزايد بالحملات الإلكترونية
التحديات ذاتها واجهت الصحافية، مها أبو الكاس، مراسلة قناة فرانس 24، التي تمكنت من التغلب عليها بإرادتها وإيمانها برسالتها، من خلال التركيز على القصص ذات الأفكار اللافتة، والمشاركة في تغطية الفعاليات والمؤتمرات، والاندماج في الوسط الصحافي، من أجل فرض ذاتها، ووجودها، حتى أصبحت معروفة لدى زملائها.
اختيار المواضيع والقدرة على الوصول إلى المصادر الرسمية للحديث معها، كانت عقبات إضافية واجهتها أبو الكاس، التي تقول لـ"العربي الجديد"، إنها تحاول فرض نفسها خلال تغطية المسيرات الحزبية أو الفعاليات المزدحمة، رغم الصعوبات التي يمكن أن تواجهها كونها صحافية غير محجبة.
وتوضح أبو الكاس أنّ معظم العقبات تتلخص في الوضع السياسي الحرج الذي يعيشه قطاع غزة، وظروفه الحساسة، والتي تحتم على الصحافي توخي الحذر في كل كلمة أو صورة يمكن أن يحتويها التقرير، خاصة وأنها تعمل في قناة "حيادية"، تتبع وجهات النظر في التقرير، مما يمكن اعتباره غير محبب لدى الكثيرين، ومنهم سياسيون يرفضون الحديث مع القناة التي تعمل فيها.
وتشير إلى عدد من المواقف الصعبة التي واجهتها خلال عملها، ومنها تعرضها للانتقاد نتيجة سوء فهم لتقرير تم بثه خلال الحرب، إلى جانب مواقف صعبة تعرضت لها خلال إعداد بعض التقارير الحساسة، مثل تقرير عن وجود "داعش" في غزة، وآخر عن الجماعات السلفية، والعملاء، وغيرهم.
الصحافية أبو الكاس لا تعتبر عملها مرهقاً، بل ممتعاً، ولا تشعر بالتعب إلا في وقت الأزمات والحروب، وتقول إنها تحاول تغيير النمط التقليدي في التقارير الإخبارية، وأنها أقوى من الرجال في العديد من المواقف، خاصة وأنها متزوجة ولديها الكثير من المسؤوليات.
التحديات كانت واحدة أمام الصحافيات، سواء في المجال المرئي أو المسموع، حيث تقول المذيعة في راديو الإيمان، حنان أبو دغيم، لـ"العربي الجديد"، إن المجتمع الفلسطيني بدأ يتجاوز قضية عمل المرأة، لكنها لم تفلت من فخ النظرة المجتمعية عندما التحقت في العمل بالصحافة قبل 15 عاماً، حيث أصاب العائلة نوع من التردد، تغلبت عليه من خلال ثقتها بقدرتها الصحافية، مع محافظتها على القيم والأخلاقيات والسلوكيات التي تربت عليها.
وتشير أبو دغيم إلى أن أبرز العقبات التي واجهتها في عملها هي ايلاء المدراء الأهمية للصحافيين الذكور، والثقة المطلقة بهم ومنحهم المسؤوليات والمهمات الصحافية الصعبة، متجاهلين أن الصحافية أيضا تمتلك طاقات وقدرات، مبينة أنها ومع الوقت استطاعت كسب ثقة المدراء والمسؤولين، والتنبيه إلى ضرورة إعطائها نفس الفرصة التي تستحقها على مبدأ الكفاءة.
وتبين أن "الشتيمة" التي تعرضت لها على الهواء مباشرة من رجل عند تغطيتها لاجتياح مخيم المغازي، في نشرة الثانية عشرة، منتصف الليل، لم تؤثر بها، وأن الشخص ذاته قدم لها الاعتذار بعد مساعدتها له في اليوم التالي في البحث عن ابنه المُصاب، والذي كان يعتقد أنه استشهد.
حنان تؤمن برسالتها الإعلامية التي تسعى إلى نقلها مناصفة مع زملائها الرجال، كل منهم بأسلوبه، على الرغم من أعباء حياتها الخاصة كأم وزوجة، مبينة أن استمرارها في العمل في مهنة الصحافة دليل القدرة على اختراق قلوب الناس وإقناعهم.
في الصحافة المكتوبة كذلك ثمة مجموعة من الصحافيات، اللواتي عَمِلن تحت مختلف الضغوط، كانت منهن الصحافية، أسماء صرصور، التي تعمل محررة في الموقع الإلكتروني "فلسطين أون لاين"، التابع لصحيفة فلسطين المحلية، بعد عملها مدة ست سنوات في صحيفة فلسطين
الورقية، في شتى الأقسام ابتداءً من المحليات والأخبار السياسية، مرورًا بالجانب الاقتصادي، وليس انتهاءً بالعمل في قسم المنوعات والحوارات والتحقيقات، وغيرها. وتوضح لـ "العربي الجديد" أن المجتمع الغزّي أصبح يميل لتأييد عمل المرأة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، التي يعيشها قطاع غزة والحصار المفروض عليه منذ عشر سنوات، لتكون قادرة على مساعدة رب العائلة، سواء كان زوجًا أو أبًا أو أخًا، في إعالة الأسرة، مبينة أن والدها ووالدتها هما من آمنا بمجال عملها الإعلامي، إلى جانب زوجها.
وعند حديثها عن العقبات أكدت أن النقاب الذي ترتديه لا يشكل لها تلك العقبة، التي يتوقعها البعض، وأنه لا يفقِدها القدرة على التواصل، مبينة أن العقبة الرئيسية التي تواجهها هي عدم قدرتها على السفر خارج غزة نتيجة الحصار، والتي منعتها من الاستفادة من فرص تدريب وحضور مؤتمرات والحصول على مزيد من الخبرات في عدد من البلاد العربية. العمل في أوقات الأزمات والحروب أيضاً كان عقبة رئيسية في عمل الصحافية صرصور، التي ترى في عملها "مقاومة" للاحتلال عبر فضح جرائمه المتواصلة بحق أبناء شعبها، مختتمة بالقول: "يقولون إن العمل الصحافي مرهق، لكن من يُحِب مهنته، لا يمكن أن يشعر بالإرهاق".
اقرأ أيضاً: محمد القيق منتصراً.. رفض التأسيس لمحاكمة الصحافيين بتهمة التحريض