المادة التي جاءت كصرخة في وجه اليسار الفرنسي الذي يدافع عن التدخل الروسي في سورية، رأى فيها محللون وصحافيون أنها ردة فعل مباشرة على مواقف الحزب الشيوعي الفرنسي وجبهة اليسار وكلام زعيمها جان-لوك ميلانشون الداعي إلى إيجاد حل سياسي، في إطار حوار مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، من دون إدانة نظامه وطائراته وجرائمه.
كتب سييفير في افتتاحية المادة: "احتجاجنا اليوم قد لا يوقف الجرائم، لكنّه سيجعلنا حتماً نقطع الصلة مع النظام القديم الذي قام على نظرة ثنائية لهذا العالم فنكون في صف بوتين لكي نعادي الإمبريالية، أو نرفض كلام فرنسوا هولاند في الأمم المتحدة فقط لأنّه هولاند، وأن نسمح باستمرار المذبحة اليوم في حلب باسم تاريخ طويل من الاستعمار وجرائم الغرب الاستعماري. علينا أن نجد ألف سبب وسبب لنبرّر هذا التدخل الروسي".
بعدها، ذهب سييفير للكلام عن اليسار المعني بإدانة هذه الجرائم الروسية، مطالباً إياه بفك الصمت الذي يلتزمه، خاصة أنّه لطالما قدّم نفسه يساراً معادياً للحرب ومناهضاً للتدخّل العسكري الخارجي في البلاد العربية، فيقوم بتعريف تلك الحالة التي تعاني انفصاماً حقيقياً في رؤيتها لشعوب الشرق الأوسط بأنه: "يسار الحزب الشيوعي الفرنسي وميلانشون الذين أدانوا احتلال العراق سنة 2003، اليسار الذي يرفض حتى تجارة السلاح ويهاجم اتفاق التعاون العسكري بين فرنسا والمملكة العربية السعودية، اليسار الذي لم ينس الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي..".
وأضاف رئيس تحرير بوليتيس، المتخصّص في قضية الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وكتب مراراً عن فرنسا ودورها في قلب هذا الصراع، متسائلاً بشكل استنكاري "هل على اليسار أن يصمت عن الجرائم إذا اختلفت هوية القاتل؟ هل عليه أن يصمت إذا حلّ بوتين مكان جورج بوش؟ أفهم جيداً أن روسيا شعرت بالإهانة والضعف بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وهي تحاول الهجوم لتحمي نفسها في ظل تهديدات الناتو المستمرة على حدودها، وهي تسعى فعلياً لحماية
قواعدها على المتوسط، لكن لا شيء يبرّر شتاء القنابل والصواريخ على سكان حلب، ولا شيء يبرّر صمتنا المريب".
وعرض بعدها السياسة العسكرية في حلب، وعمد إلى مقاربتها مع حرب الشيشان، فرأى أنّ الروس يلجؤون فعلياً إلى نظام "القصف البساطي" (Carpet Bombing)، لتدمير الأفراد والعتاد وإضعاف الروح المعنوية لدى الحاضنة الشعبية للبيئة المعارضة للأسد. وفي هذا الصدد، قال إنه "بين سنتي 1999 و2000 قتل الروس حوالي 200 ألف شيشاني، وتحوّلت غروزني إلى عاصمة الصمود الأسطوري لدى الشيشانيين. هل على حلب أن تتبع النهج نفسه؟ هذه الهمجية الروسية تلاقي إجرام عائلة الأسد، قالها رفعت، عم بشار، ذات يوم أنّه مستعد لقتل مليون سوري للحفاظ على السلطة.. باسم العصبية نحمي العشيرة..".
في الحرب على الإرهاب، كتب سييفير عن "العذر السخيف" الذي يتحجج به الأسد والروس "صراعان مختلفان في سورية، الأول في شرق البلاد ضد سيطرة تنظيم داعش، والثاني حيث بدأت الانتفاضة عام 2011 في حمص وإدلب وحماة وحلب ودرعا. عمد النظام إلى ضرب حاضنة الثورة الشعبية في تلك المدن، واستكملت روسيا جرائم الأسد تحت ذريعة الحفاظ على "سورية مفيدة". ليست داعش المستهدفة في حلب، وهي الحقيقة التي يعلمها جيدا مريدو روسيا-الأسد، لكنها أساس كذبتهم وضرورة لاستكمال الجريمة".
وختم مادته بالقول: "إذا كان خطاب الأسد والروس مليئاً بالكذب، فإن فيه بعضا من الحقيقة ومنها صعود الحالة الجهادية الشامية كجبهة النصرة، بعد أن عمد نظام الأسد إلى إخراج قادتها من السجون في الأشهر الأولى لبدء عسكرة الثورة. الحجة التي كانت كافية ليستخدمها نظام دمشق كسبب متأصّل للتصويب على الثورة وبيئتها. ليس صحيحاً أن الثورة انتهت وليس صحيحاً أن في سورية اليوم لا يوجد محاورون إلا الجهاديين، والحقيقة الأكثر وضوحاً أنه علينا أن نتوقف عن اعتبار بشار الأسد يشكّل سداً منيعا للجهاديين، فهو لم يتوقف منذ عام 2011 عن تقويتهم".