دان عدد من الحقوقيين والصحافيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي نشر وزارة الداخلية المصرية تسجيلات مصورة لبعض الناشطين والصحافيين المعتقلين حديثاً تحت الضغط والتهديد، بالمخالفة لأحكام الدستور والقانون، والتي يعترفون فيها بتورطهم في إنتاج وإعداد تقارير وبرامج إعلامية "مفبركة" مقابل تحويلات مالية ضخمة من شبكة "الجزيرة" الإعلامية، بزعم الترويج للشائعات، والتحريض ضد مؤسسات الدولة المصرية، على خلاف الحقيقة.
وادعت وزارة الداخلية، يوم الجمعة، "رصد قطاع الأمن الوطني في الوزارة إصدار قيادات جماعة الإخوان الهاربة في الخارج تكليفاً لعدد من العناصر الإخوانية، والمتعاونين معهم في البلاد، بالعمل على تنفيذ مخطط يستهدف المساس بأمن الوطن، والنيل من استقراره"، مشيرة إلى "اضطلاع تلك العناصر باستغلال شركة "تيم وان برودكشن" للإنتاج الفني بمنطقة المعادي بالقاهرة، واستديو كائن بمنطقة عابدين في القاهرة تحت اسم "بوهمين"، لعقد لقاءات مع بعض الشخصيات، وإعداد مادة إعلامية مصورة، و"تحريفها" بما يُسيء للدولة تمهيداً لبثها عبر قناة "الجزيرة".
وأفاد بيان للوزارة بالقبض على مالك شركة "تيم وان برودكشن" معتز بالله محمود عبد الوهاب، ومدير ومشرف استديو "بوهمين" أحمد ماهر عزت، بالإضافة إلى الناشط محمد عمر سيد عبد اللطيف، والصحافي المسيحي سامح حنين سليمان (مسؤول إنتاج الأفلام)، والصحافي هيثم حسن عبد العزيز محجوب (مسؤول إعداد المواد الفيلمية)، وتفتيش محال إقامتهم، وضبط العديد من أجهزة الحاسب الآلي المُحمل عليها برامج عدة بهدف استخدامها في أعمال المونتاج.
كما زعمت الوزارة أن "قيادات جماعة الإخوان في الخارج أصدرت تكليفاً لعضو الجماعة صلاح إبراهيم مرجونة، والذي يُقيم في مدينة بئر العبد بمحافظة شمال سيناء، لإعداد مادة إعلامية لإنتاج فيلم وثائقي حول الأوضاع في سيناء، وتعرض مواطنيها للتضييق الأمني لإذاعتها بقناة "الجزيرة" الفضائية"، منوهاً إلى ضبط 6 عناصر "إخوانية" هي "سلامة سالم علي البس، وحسن حسين إبراهيم عبدالله العزاوي، وأحمد محمد إبراهيم عبدالله حسين، وإبراهيم سالم موسى موسى عمران، وصلاح سالم خالد صباح، وتوفيق سالمان سلامة البدرة".
وقال الناشط أحمد ماهر عزت الشهير بـ"ريجو" في تسجيل مصور نشرته جميع وسائل الإعلام الموالية للنظام المصري، إنه "انضم إلى خلية إنتاج أفلام مفبركة للتحريض ضد الدولة، وكُلف من المتواجدين في دولة تركيا عبد الرحمن القرضاوي، وعبد الله القادوم، لإنتاج أفلام ضد الدولة المصرية مقابل ثلاثة آلاف دولار للفيلم للواحد"، مضيفاً أن "السيناريوهات كانت تكتبها شبكة رصد من أجل بثها على شبكة الجزيرة، وقنوات الإخوان".
مُغاير للحقيقة
وتعليقاً على ما نُشر على بعض القنوات الفضائية، والصحف الإلكترونية، منسوباً إلى أحمد ماهر، قالت أسرة الناشط إنه "مُغاير للحقيقة جملة وتفصيلاً، وليس له أي مسوغ قانوني، حيث صُور تحت الضغط والتهديد"، مبينة أن "ريجو" ألقي القبض عليه بتاريخ 4 مايو/ أيار الماضي من محيط منطقة السيدة زينب بالقاهرة، واحتجز لمدة 7 أيام كاملة قبل التحقيق معه أمام نيابة أمن الدولة.
وأضافت أن ماهر ذكر في تحقيقات النيابة أن مأمور الضبط القضائي قد طلب منه تصوير فيديو اعتراف بالتعاون مع قناة "الجزيرة"، وبعض قيادات الإخوان بالخارج، بهدف إنتاج وإعداد تقارير وبرامج إعلامية، الأمر الذي رفضه في البداية ليتم تهديده، والضغط عليه، حتى استجاب لإرادة مأمور الضبط، وصور الفيديو المُذاع، على الرغم من نفيه في التحقيقات علاقاته بأي من قيادات جماعة الإخوان، أو أي من العاملين بقناة "الجزيرة".
ضغط وترهيب
وأنكر ماهر علاقته بما نُسب إليه من اتهامات، مؤكداً أن هذا الفيديو كان نتيجة للضغط والترهيب، وتم إثبات هذه الأقوال في محضر تحقيقات نيابة أمن الدولة بتاريخ 11 مايو/أيار الماضي، أي قبل نشر الفيديو المنسوب إليه بحوالي 11 يوماً، وهو ما يثبت أن ذلك الفيديو ما هو إلا اختلاق دليل إدانة من دون أي مسوغ قانوني، بحسب أسرته.
وتابعت أسرة الناشط أن المحامين المدافعين عنه أكدوا أن المشرع حظر على مأمور الضبط القضائي استجواب المتهم، وعلة ذلك أن الاستجواب هو إجراء خطير، وقد يؤدي إلى اعتراف المتهم بغير الحقيقة، وهو ما يعد دليلاً مهماً على ثبوت التهمة، ولذلك فقد عهد المشرع بالاستجواب إلى سلطة التحقيق بمعناها الدقيق، وهي النيابة العامة.
وأضاف: "يثبت مأمور الضبط أنه سأل المتهم فقط عملاً بالسلطة التي خولها له القانون، غير أنه يتبين أن ما أجراه يخرج عن معنى السؤال، ويندرج في معني الاستجواب، ومن ثم يكون ما أجراه باطلاً، لأن الاستجواب محظور قانوناً على غير سلطة التحقيق، كونه مواجهة المتهم بالأدلة المختلفة، ومناقشته مناقشة تفصيلية حتى يفندها إن كان منكراً للتهمة، أو يعترف بها إذا شاء الاعتراف".
ونصت الفقرة الثالثة من المادة 55 من الدستور المصري على أن "كل من يثبت أنه صدر من محتجز تحت وطأة شيء مما تقدم أو تهديد بشيء منه، يُهدر، ولا يُعول عليه". واستطردت الأسرة أن هذا التعبير يُقصد به أنه "إذا تمخض عن هذه الأقوال دليل، فإن هذا الدليل يصبح باطلاً، ولا يصح الاستناد إليه في الدعوى، وعلة إهدار الدليل في هذه الحالة هي صيانة الحرية الشخصية للمتهم، وكرامته الإنسانية، وألا تكون أقواله ناتجة عن إرادة معيبة".
قرينة البراءة
وزادت في بيانها أن "المتهم لا يزال يتمتع بقرينة البراءة التي تمتد إلى ما يسبقها من إجراءات، وهو ما يقتضي ألا يُتهم الناس، وهم أبرياء، حيث إن ما نُشر من تسجيلات يعد جريمة مكتملة الأركان، فلا يجب أن نُلقي بالاتهامات، ونخلط الحابل بالنابل من دون انتظار نتيجة تحقيقات نيابة أمن الدولة"، مستدركة "كان من الأولى أن يُرسل مأمور الضبط دليل إدانته، وتورط (ريجو) إن صح ادعاؤه، بدلاً من أن يلجأ إلى نشر المعلومات بطريقة موجهة أحادية المنظور، بهدف التأثير على آراء أكبر عدد من الأشخاص، وهو من شأنه ممارسة أعمال مجرمة بعيدة عن حدود سلطاته".
وشدد المحامون المدافعون عن ماهر على أنهم "سيتخذون جميع الإجراءات القانونية الحافظة لحقه المنصوص عليه في الدستور والقانون، وحمايته من الإساءة لشخصه، والنيل منها، مؤكدين أنه "لا ينتمي إلى أي من التيارات السياسية، وليس له أي انتماءات حزبية، ومن غير المقبول بتاتاً أن تبث القنوات الفضائية أي محتوى مقروء أو مرئي قد يفسر في غير صالحه".
150 ألف دولار
بينما قال الصحافي سامح حنين في مقطع فيديو آخر، إن "عدداً من قيادات جماعة الإخوان طلبوا منه إنتاج فيديوهات ضد الدولة المصرية لصالح قناة الجزيرة، مقابل 3 آلاف دولار لكل فيلم"، مدعياً أنه أنتج فيديوهات لصالح برنامج "هذا الصباح" و"تحت المجهر" في شبكة "الجزيرة" الإعلامية، مقابل تحويل مبالغ مالية على حسابه الشخصي في أحد البنوك بمنطقة الدقي بالجيزة، والتي بلغ إجماليها 150 ألف دولار.
ودعا المحامي الحقوقي نجاد البرعي النائب العام المصري إلى فتح تحقيق فيما نشرته جريدة "اليوم السابع"، حول ما يُقال إنه اعترافات لأحد المتهمين في قضية لا تزال محل تحقيق جنائي قائم، قائلاً: "نريد أن نعرف بالضبط من سمح للمتهم بالإدلاء بهذا الحديث الذي قد يدينه، ويؤلب الرأي العام ضده؟ ومن سمح للجريدة أن تنشره؟ أذكر الجميع بنص الماده 75 من قانون الإجراءات الجنائية، والتي تنص على أن إجراءات التحقيق، وما تسفر عنه، هي من الأسرار، وأن القانون يعاقب قضاة التحقيق، وأعضاء النيابة، ومساعديهم، ومن يحضرون التحقيق على عدم إفشاء أسرارها، وإلا عوقبوا بالعقوبة المنصوص عليها في المادة رقم 310 من قانون العقوبات".
وأضاف: "كما أشير إلى أن المادة 187 من قانون العقوبات، تنص على أنه يُعاقب بنفس العقوبات كل من نشر بإحدى الطرق المتقدم ذكرها أموراً من شأنها التأثير في القضاة، الذين يُناط بهم الفصل في دعوى مطروحة أمام أية جهة من جهات القضاء في البلاد، أو في رجال القضاء أو النيابة، أو غيرهم من الموظفين المكلفين بتحقيق، أو التأثير في الشهود الذين قد يطلبون لأداء الشهادة في تلك الدعوى، أو في ذلك التحقيق، أو أموراً من شأنها منع شخص من الإفضاء بمعلومات لأولي الأمر، أو التأثير في الرأي العام لمصلحة طرف في الدعوى".
صحافي مسيحي
من جهته، قال عضو مجلس نقابة الصحافيين محمود كامل: "يوجد أسباب كثيرة بالعقل والمنطق تجعلني لا أصدق أن سامح حنين عضو النقابة هو إرهابي، لكن سأتغاضى عنها، ولن أقول إنه صحافي، أو إنه مسيحي، وليس لديه نفس أفكار جماعة الإخوان المنطلقة من أساس ديني، ولكن سأذكر فقط باعترافات الشابين الأردنيين عبد الرحمن الرواجبة، وثائر مطر، واللذان اعترفا بنفس الطريقة في فيديو مصور، ولكن الفارق أن وزارة الخارجية الأردنية تدخلت حينها لدى مصر لإخلاء سبيلهما، وظهرا لاحقاً في الإعلام الأردني لرواية فضيحة إجبارهما على تصوير الاعتراف بتهم غير حقيقية أو منطقية".
وأضاف: "هذا ليس مجرد ظلم، ولكنه دعم للإرهاب بمنتهى الغباء، وتفريخ لإرهابيين منتظرين!".
نقابة الصحافيين
وتساءلت الصحافية هدير المحداوي: "هل نقابة الصحافيين ستتدخل لحماية سامح حنين بوصفه عضواً في النقابة، من مصير مرعب، لتهم ملفقة؟ ولا هايتفرجوا عليه عادي زي ما بيتفرجوا على زملائنا المحبوسين من أجل أداء عملهم؟ ولا من الممكن أن تغلق النقابة أبوابها، ويصدر قانون بمنع الصحافة والإعلام؟!".
أما الصحافي مصطفى بسيوني فذكر بأحد مشاهد فيلم "الكرنك"، قائلاً: "كمال الشناوي كان بيعذب في نور الشريف عشان يعترف أنه شيوعي، واضطر نور للاعتراف لما هددوه بسعاد حسني، وضمن الاعتراف سأله بقيت شيوعي من إمتى، فرد نور من 5 سنين، فقال الشناوي يعني عايز تقول إننا كنا نايمين طوال 5 سنين".
وأضاف "ده كلام ناس بتتعب نفسها في الشغل، والسلطة المطلقة ما ضربتش مهنيتها للآخر، لكن لما سامح حنين يطلع في الفيديو يقول الفيلم بثلاثة آلاف دولار، واتحول له بالفعل 150 ألف دولار، فهذا معناه أنه أعد 50 فيلماً، مع العلم أن الفيلم يأخذ وقتاً في الإعداد، وبالتالي فهو يصور في شوارع مصر منذ سنوات عديدة، ويرسل هذه الأفلام، وتُذاع. وحشة قوي في حقهم الصراحة (في إشارة منه إلى وزارة الداخلية)".
انتهاك للدستور
بدوره، قال الصحافي أحمد عبد القاسم: "الزميل والصديق سامح حنين صحافي محبوس احتياطياً، بعد أن ألقي القبض عليه منذ أيام، ونُشر فيديو اعترافات له عبر بعض المواقع الإلكترونية، وهو يعترف بإنتاج أفلام وثائقية لقناة (الجزيرة)، وهي مخالفة جسيمة تستدعي التحقيق مع المسؤول عن إذاعتها من وزارة الداخلية".
وأوضح: "وزارة الداخلية ليست جهة تحقيق، ولا يجوز لها الجزم بالإدانة عن طريق التحريات، والتي لا تعتبر في الأصل دليلاً للإدانة، وما حدث هو انتهاك للدستور والقانون الذي يضمن إجراءات القبض، والتحقيق، والمحاكمة، وعدم جواز إكراه المتهم على أي قول أو فعل".
وأضاف: "ما حدث هو مجرد تشهير، وليس له علاقة بصحيح القانون، أو أبجديات حقوق الإنسان، وإذا كان الزميل مداناً بالفعل، فلماذا لا يُحال إلى المحاكمة بدلاً من هذه الأساليب الرخيصة؟ سامح صحافي مسيحي، ومتخصص في الشأن القبطي، وهو من المعادين لجماعة الإخوان، فكيف يُتهم بالتعاون معهم؟!".
منتهى العبث
وقال الصحافي محمد أبو ضيف: "يوجد ناس لديها من الغباء ما يكفي لتدمير كل شيء، فوسط حالة التعاطف الكبيرة من المصريين مع الجيش، وبطولاته في سيناء، بعد حلقة البطل أحمد منسي في مسلسل (الاختيار)، تخرج وزارة الداخلية بفيديو يعترف فيه زميلنا الصحافي المسيحي سامح حنين بالتعاون مع الإخوان، وقناة الجزيرة، واتهام زميلنا الصحافي هيثم محجوب ابن العائلة اليسارية المعروفة بالتعاون مع الإخوان لتشويه صورة مصر. حاجة كده في منتهى العبث!".
وتابع: "الأكيد أننا نعرف الفارق جيداً بين الضابط والجندي الذي يدافع عن المصريين في سيناء مثل منسي وإخوانه، وبين ضابط وزارة الداخلية الذي يُعذب ويقبض على زملائنا الصحافيين مثل هيثم وسامح، وقبلهم حسام الصياد، وزوجته سولافة مجدي، وغيرهم الكثير من الصحافيين داخل السجون".