"اسمعي صوتنا يا أوروبا، صوت الأقدام التركية"، بهذه الرسالة القوية صنع الأتراك المستحيل كرويّاً خلال بدايات الألفية الجديدة، لتتحول تركيا إلى دولة أفضل على كافة المستويات، وبالطبع كرة القدم جزء لا يتجزأ من تلك الطفرة التي أثرت، ولا تزال تؤثر، في قواعد وقوانين القارة الأوروبية، ويمثل المنتخب التركي جانباً مهمّاً من رسالة بلاده إلى العالم، حيث الجرأة في مواجهة الخصوم، والشجاعة المستمرة في المنافسة حتى الرمق الأخير، لذلك لا تدخل أبدا تركيا اليورو كضيف شرف!
اللعب مع الكبار
شارك المنتخب التركي في عدة بطولات خلال حقبة التسعينيات، لكن دون تأثير كبير، حتى نجح غالطا سراي في تحقيق المفاجأة، بحصوله على كأس الاتحاد الأوروبي موسم 1999-2000، بعد فوزه على آرسنال في نهائي للتاريخ، تحت قيادة المدرب الحالي للمنتخب، فاتح تريم، لتعلن تركيا نفسها كإحدى الدول المتطورة كرويا بشكل مضاعف.
وصل الفريق الوطني في ما بعد إلى ربع نهائي يورو 2000، وحقق إنجازاً غير مسبوق بصعوده إلى نصف نهائي مونديال 2002، وتتويجه بالميدالية البرونزية للمونديال العالمي، مع حضور قوي في يورو 2008 قبل أن يخرج على حساب الألمان في الطريق إلى النهائي، بعد أن سجل فيليب لام هدفاً قاتلاً في الدقيقة 90 من عمر المباراة.
أثبتت تركيا مكانتها على الساحة العالمية بإنجازاتها السابقة، وقدمت نفسها كمنافس شرس لا يهاب أحداً مهما كانت قوته، بمزيج بين الروح المعنوية العالية والقوة البدنية، مع ثبات تكتيكي في المواجهات الكبرى، خصوصا مع عودة السلطان، فاتح تريم، إلى قيادة المنتخب، ونجاحه في الصعود المستحق إلى نهائيات يورو 2016.
الفاتح
باختصار، فاتح تريم أو "الإمبراطور" كما يحلو لدراويشه تسميته، يجسد نوعا إيجابيا من الصورة النمطية الوطنية في تركيا، كما وصفته صحيفة "الغارديان" خلال بطولة يورو 2008، باعتباره الفائز بكأس الاتحاد الأوروبي أمام آرسنال، ثم قيادته لبلاده في أكثر من بطولة قارية. ومع تقدم فريقه من معترك إلى آخر، يسير المدرب بخطى ثابتة نحو إعادة الأمجاد القديمة للأتراك.
وبالعودة إلى مباراة ألمانيا وتركيا في نصف نهائي نسخة 2008، وقتها خرج الفتح بتصريحات لا تُنسى عندما أعاد مقولة أينشتاين، "هناك طريقتان للعيش، المسار الأول هو أن كل شيء معجزة ويجب أن تعيش حياتك بهذه الطريقة، والثاني هو أن نؤمن بأن أي شيء لا يندرج تحت هذا المسمى، ومن الممكن تحقيقه"، ثم سكت أمام الصحافيين وأكمل قائلا، "وأنا أنتمي إلى المسار الثاني"!
وتنعكس شخصية فاتح تريم على كل لاعبي المنتخب التركي، لأن هذا الفريق يلعب بقلبه قبل عقله، ولا يهتم فقط بالجانب الخططي في أثناء المباريات، بل تجدهم مجموعة من المحاربين الذين لديهم القدرة على قلب المعطيات دون خوف، كمدربهم الواقف خارج الخطوط، وبالتالي يتحول إلى منافس معقد أمام أباطرة أوروبا.
أبناء البلد
يلعب المنتخب المميز بأكثر من تكتيك، من 4-2-3-1 في حالة الثبات، إلى اللعب بثنائي هجومي في بعض المباريات، ويركز تريم كثيرا على لعبة التحولات، ويحاول بكل الطرق زيادة سرعة الفريق خلال المرتدات، لذلك يسجل الأتراك أهدافاً عديدة من قلب الدفاع إلى هجوم في لعبات سريعة وتمريرات عمودية مباشرة.
يضم المدرب عدداً كبيراً من الأسماء المحلية. فِرقٌ، مثل غالطا سراي، فينربتشه، وبشيكتاش، تضم عناصر رائعة ومميزة، وتشارك بشكل أساسي مع المنتخب كالمهاجم طوسون، والمدافع هاكان بالطا، وحارس المرمى فولكان باباكان، لكن من يحمل الجميع على عاتقه في الأوقات الصعبة هما هاكان تشالهنوغلو وأردا توران، لاعبا باير ليفركوزن وبرشلونة.
يمتاز تشالهنوغلو بالتسديدات الصاروخية، ويتفوق على أقرانه في لعب الضربات الثابتة، لذلك يستطيع التسجيل أمام أي منتخب قوي، أما أردا فهو صانع اللعب غير المركزي، من خلال تحركاته المثمرة في العمق وعلى الأطراف، وبالتالي تصبح مهمة الشيخ الكتالوني معقدة، في كونه جناحاً صريحاً وساعداً هجوميّاً عند الحاجة في آن واحد.
ما لم يتوقف العالم عن التغير وكرة القدم عن التطور، لن تكون هناك أجيال متماثلة. وبرغم القيم المشتركة، فإن اللاعب الذي ترعرع وسط ثقافات وظروف مختلفة يجب تدريبه والتعامل معه بناءً على ما يناسب جيله. إن جيل 2002 لعب بالتزام كبير وبذل تضحيات جمة، كما أن مجموعة 2008 تميزت بالطموح الكبير وستحظى أجيال 2016 بنظرة مغايرة، هكذا قال فاتح تريم عندما سئل عن مستقبل تركيا في كرة القدم، لتكون بطولة يورو 2016 بمثابة الاختبار الجديد لهذا المدرب، مع نوعية مميزة من الأسماء التي تريد فعل شيء كبير في الملاعب الفرنسية.