ما لم يقله الرجل الأبيض في العلن
انتهت منذ عقود، أو هكذا يفترض بنا أن نُساق في الصراط المستقيم لثقافة نخبوية رأسمالية التحكم والتسيير؛ حالة من استعلائية "الأبيض" في ولايات أميركا.
وبالمناسبة، قليلة هي السياقات التي تقدم أسباباً لاستمرار حالة الفرز العنصري 100 عام، على انتهاء الحرب الأهلية الأميركية، ما قبل إنزال "الحرس الوطني" ليفرض قرار انتهاء "ممنوع الكلاب والسود".
تطل برأسها، في عقود ما بعد "الأبرتهايد" في جنوب إفريقيا، حالة أخرى مقززة في هوس لا مثيل له عند أعراق أخرى، ألا وهي تلك التي تعيش هاجس "نقص أعداد البيض".
في الولايات المتحدة الأميركية، يضطر البشر، في ظل "رئيس أسود"، أن يرفعوا شعاراً غاية في الخطورة: BLACK LIVES MATTER... سنوات فقط بعدما ودعت البشرية/ وهل ثمة شك أنها من اخترعت التأريخ الميلادي، إذ لا نص مقدساً عن البداية والنهاية/ ألفية لتدخل بأخرى؛ فنصبح أمام مشهد مريع، يعيد ذاكرة ميسيسيبي إلى واجهة فرز أقسى وأبشع في طلب الحياة، وأهمية حيوات أفريقيين، تم تكديسهم قبل قرون، في مشهد عبودية أوقح بكثير من ابتسامات كونداليزا رايس... ورطانتها الروسية... أو حتى اندفاعة كولن بول، في تدافع معسكر اليمين المحافظ ليؤكد كذبته الكبرى..
ليست في الواقع مقولة إن دونالد ترامب يخوض حرباً لأجل "أميركا البيضاء" بعيدة كثيراً عن نصف الحقيقة. وما لم تقله النخب مباشرة يظهره هؤلاء الذين يؤمنون بـ"العرقية" كمحرك في السياسة والثقافة... على سبيل المثال لا الحصر يقدم زعيم حزب الحرية الأميركي /American Freedom Party / وليام جونسون، ودون كثير من التردد هدف حزبه: "الحفاظ على مصالح البيض من أصول أوروبية".
لدى جونسون، وأمثاله من الحركات، دافيد دوك وحركته كوكلوكوس كلان، والأحزاب اليمينية المتشددة ما يُصدح به عرقياً، تفوقاً و"ضرورة" هيمنة، بحجة "استعادة البيض لأرضهم"، في أميركا نفسها التي استولى عليها "المستوطنون الأوائل" من شعوبها الأصلية، التي أبيد أكثرها.
رأى هؤلاء في دونالد ترامب مرشحهم "الثقافي والحضاري"، أكثر من مرشح السياسة والاقتصاد والرأسمالية... حتى الطبقات الدنيا والعاملة، من أصل أوروبي أبيض، تتشارك بنسب مفجعة هذه النظرة وذلك الهاجس...
الانشغال بين بيض أميركا، وحين نقول إن لدى الأوروبيين "ترامبييهم"، فذلك ليس تجنيا إن مَحصنا أسس وتاريخ شعبوية القارة التي تشيخ؛ ليس انشغال المصالح اليومية، فالخديعة تُغرق أميركا حتى تعمي الرائي المحلي للمشهد بجمالية خطاب اليمين المتطرف، بابتسامات صفراء تعد بالكثير...
نطق باراك أوباما في جامعة القاهرة ثرثرة مكررة لجيل عربي وغربي أميركي، فلم نسمع سوى أنين من طلقات قتل الشبان السود، وقتل بالغاز في سورية في لعبة خطوط حمراء تحولت إلى مهزلة "سلم سلاحك تسلم"...
قد يحاجج البعض بأنه لتطور هائل من أميركا "دريد سكوت ضد ساندفورد"، إلى المحكومة بمواطن "أفروأميركان"... لكن، في المقابل ثمة جدل تثيره 8 سنوات من جهد إثبات "هوية أوباما الحقيقية"... كمؤشر على عمق الإيمان بمفصلية الانتماء العرقي لنخب أميركا "البيضاء".
كشفت سجالات عادية وبسيطة في أشهر السير نحو "البيت الأبيض" عمق هذا المشهد الفج في التحول من شعبوية سياسية إلى ثقافية. بل منذ سنوات يتهم صموئيل هاننغتون بتقديم شعبوية أميركا بلباس آخر، وقد بشرنا بعقيدة صدام حضارات، قبل أن تترسخ في أواخر العمر مقدرة العنصر الأبيض العظيمة في "خلق عظمة أميركا" بمستوطنيها؛ والأخيرون، بالمناسبة، وباعتراف بعض تلك النخب، لديهم عقدة بروتستانتية حتى تجاه الأيرلندي.
وذلك قبل أن تتحول إلى زينوفوبيا متأصل، بالتصفيق العلني، والإعجاب خلف الجدران اندفاعا نحو جهل دونالد ترامب... وقد وصل مستوى التراشق إلى ما تحت حزام "بلاي بوي"... ما هو نصيبنا؟