العالم يغرق في بحر من الديون بعدما غرق في طباعة النقود، وهو ما يهدد النظام النقدي القائم منذ اتفاقية بريتون وودز في عام 1945، حيث أصبحت الديون العالمية تمثل أكثر من ثلاثة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي بالعالم.
وتتضاعف الديون بسرعة مذهلة في وقت تتجه فيه أسعار الفائدة العالمية نحو الارتفاع، وهو ما يعني أن خدمة هذه الديون سترتفع وترهق كاهل ميزانيات الدول والشركات والعائلات خلال العقد المقبل.
ووفقاً لتقرير معهد التمويل الدولي الصادر هذا الأسبوع عن مستويات الديون العالمية، فإن حجم الديون العالمية ارتفع بأعلى مستوى له بنهاية الربع الأول من العام الجاري، حيث قفز بحوالى 9 تريليونات دولار في ثلاثة أشهر فقط ليصل إلى 247 تريليون دولار.
وكان حجم الديون العالمية قد بلغ في نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي حوالى 238 تريليون دولار.
وحسب تقرير معهد التمويل الدولي الذي يوجد مقره في واشنطن، فإن الديون العالمية تكون بذلك قد ارتفعت بحوالى 30 تريليون دولار منذ نهاية عام 2016. وتمثل هذه الديون نسبة 318% من إجمالي الناتج المحلي العالمي.
وحسب إحصائيات المعهد الدولي، الذي يراقب شؤون التمويل الدولي بالنسبة للدول والشركات والأفراد، فإن ديون حكومات العالم، أو الديون السيادية، ارتفعت بنهاية الربع الأول من العام الجاري إلى 67 تريليون دولار.
وطبقا للأرقام، فإن أعلى هذه الديون من حيث القيمة ديون الولايات المتحدة التي فاقت 20 تريليون دولار، وتمثل نسبة 101% من الناتج المحلي الإجمالي الأميركي. وتقارب خدمة الديون الأميركية السنوية في الوقت الراهن حوالى نصف تريليون دولار.
وتقدر جيبس حجم التمويل الذي تحتاجه الولايات المتحدة في الوقت الراهن لتغطية احتياجاتها الإنفاقية بحوالى 25% من إجمالي الناتج المحلي. ويقدر حجم الاقتصاد الأميركي بحوالى 19 تريليون دولار، فيما يقدر أن ترتفع الفائدة بنسبة نصف في المئة على الأقل خلال العام الجاري.
لكن أميركا ليست وحدها من بين الدول المتقدمة التي تعاني من ضخامة الديون وتزايد حجم خدمتها مقارنة بالدخل، فهنالك اليابان التي تزيد ديونها على 11 تريليون دولار، وهنالك الدول الأوروبية التي ترتفع فيها الديون لتصل إلى ما بين تريليونين وأكثر من 3 تريليونات دولار.
وحسب التقرير، ارتفعت ديون المؤسسات غير المالية إلى 74 تريليون دولار، وديون الشركات المالية والمصارف إلى 61 تريليون دولار. وارتفعت الديون الشخصية للأفراد والعائلات إلى 47 تريليون دولار.
وحذر المدير التنفيذي لمعهد التمويل الدولي، هينغ تران، في التقرير، من تداعيات هذا المستوى المخيف من الديون على صحة النظام النقدي العالمي.
وقال تران "إن سرعة تنامي المديونية مقلقة، وأن ارتفاعها بهذا المستوى السريع بالنسبة للدول والشركات والأفراد يثير المخاوف من عدم القدرة على التسديد"، مشيراً إلى تدهور النوعية الائتمانية وقدرة المديونين على التسديد.
لكن يبدو أن مخاوف الديون تبدو أكثر خطورة في الاقتصادات الناشئة التي غرقت في الديون في فترة سعر الفائدة الأميركية الرخيصة، حيث تواجه هذه الدول وشركاتها حالياً مشكلة ارتفاع الدولار والفائدة معاً، وبالتالي تتزايد أعباء خدمة الديون من ناحيتين، الأولى من ناحية ارتفاع سعر صرف الدولار مقارنة بعملاتها المحلية، والثانية من ناحية ارتفاع نسبة الفائدة. ويضاف إلى هذه الأعباء ارتفاع سعر المشتقات النفطية المسعرة بالدولار.
وكان مصرف "غولدمان ساكس" الأميركي الاستثماري، قد حذّر في تقرير نشره على موقعه، من مخاطر ارتفاع أسعار الفائدة والنفط والدولار معاً على الاقتصادات الناشئة.
واعتبر المصرف أن هذه المعادلة الثلاثية الحارقة، إذا استمرت لفترة طويلة، فستهدد باضطرابات سياسية في العديد من الدول الناشئة.
وحسب التقرير، فإن ديون الاقتصادات الناشئة "عدا المؤسسات المالية" قد ارتفعت بحوالى 2.5 تريليون دولار خلال الربع الأول من العام الجاري.
ويلاحظ أن معظم دول الاقتصادات الناشئة ليست دولا نفطية تحصل على مداخيل بالدولار مثلما يحدث بالنسبة لدول الخليج العربية.
وبرر مصرف "غولدمان ساكس" تحذيره من حدوث اضطرابات سياسية، بقوله إن أسعار النفط المرتفعة التي تشتريها البلدان النامية بالدولار القوي ستقود تلقائياً إلى ارتفاع أسعار الوقود، وبالتالي سترفع معدل التضخم والغلاء في هذه البلدان.
وعلى صعيد الدولار القوي، أشار المصرف، في تقريره الصادر يوم الأربعاء الماضي، إلى أن قوة الدولار سترفع من خدمة الديون بالعملات في الدول الناشئة.
وحتى الآن ضرب الدولار المرتفع وارتفاع سعر الفائدة عليه الاقتصاد الأرجنتيني الذي شارف على الإفلاس خلال العام الجاري، لولا تدخل صندوق النقد الدولي الذي قدم للأرجنتين قروضاً قيمتها 50 مليار دولار، لكن في حال استمرار ارتفاع الدولار والفائدة، فإن أزمة خدمة الديون المرتفعة في اقتصادات العالم الناشئة ستقود تلقائياً إلى أزمات سياسية.