خلال ست سنوات من الحرب المتواصلة على الثورة السورية لم يتمكن نظام بشار الأسد من تدمير البنية التحتية فقط، ولكنه تمكن كذلك من تدمير التجارة الخارجية ومنافذها كما دمر القطاع العام والصادرات.
وفي هذا الصدد، كشفت خطة تنفيذ وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية بحكومة بشار الأسد، ، مدى تراجع دور القطاع الحكومي بسورية الذي كان يساهم مناصفة مع القطاع الخاص، قبل الحرب التي أعلنها النظام على الثورة عام 2011، سواء بالناتج المحلي الإجمالي، أو حتى بالصادرات.
وبينت خطة الوزارة التي اطلعت عليها "العربي الجديد" أن قيمة المستوردات الفعلية للوزارة بلغت من 29.5 مليار ليرة بنسبة 23% من المخطط لكامل عام 2016 البالغ نحو 129 مليار ليرة.
في حين لا توجد صادرات لدى الوزارة والجهات التابعة لها، وقيمتها صفر.
ويعتبر الدكتور عبد الناصر الجاسم، أستاذ الاقتصاد بجامعة ماردين التركية، أن الأمر لم يعد مفاجئاً، بعد الحرب التي استمرت لست سنوات وتهديم أكثر من 80% من المنشآت الصناعية السورية وتوقف إنتاج معظم القطاع الحكومي وتحوله لمستنزف حتى على مستوى أجور عمالته، والأهم برأيه، توقف تصدير النفط الذي كان يستر عورة التجارة السورية.
وكان النفط السوري يساهم قبل الحرب بنحو 40% من مجمل الصادرات السورية.
ويقول الجاسم أتت الحرب على التجارة الخارجية بسورية، والتي انخفضت قيمتها خلال الثورة إلى نحو 0.2% من إجمالي قيمة التجارة العالمية.
وحسب إحصائيات رسمية لم تزد حصة سورية العام الماضي عن 0،01% من التجارة العالمية، وذلك بعد أن تراجعت الصادرات من 8 مليار دولار عام 2011 إلى نحو 650 مليون دولار عام 2015، أي ما نسبته 1130%.
وحول استمرار القطاع الخاص بالتصدير، يضيف الجاسم لـ "العربي الجديد" لو نظرنا إلى نوعية السلع والمواد التي يصدرها القطاع الخاص، لوجدنا أن معظمها خضر وفواكه، وهي ما يحتاجه السوريون، وأيضاً بعض الألبسة ومنتجات الشركات الصغيرة والمتوسطة التي صمدت واستمرت بالإنتاج حتى الآن.
ولكن الجاسم يقول: الأهم أن ننظر إلى قائمة البلدان المستوردة للمنتجات السورية، لأنها لا تتعدى شركاء النظام السوري بالحرب، وتأتي الصادرات ضمن عمليات مبادلة أو تسديد لبعض الديون على أفضل تقدير.
وتشير تقارير رسمية إلى أنه وحتى عام 2010 كانت دول الاتحاد الأوروبي تستحوذ على القسم الأكبر من الصادرات السورية ، ومع انفجار الثورة السورية عام 2011 تغيرت وجهة الصادرات السورية نحو روسيا وإيران بالمرتبة الأولى، لتأتي بعض الدول العربية بالمرتبة الثانية، حيث بلغت الصادرات السورية خلال عام 2015 نحو 650 مليون دولار موزعة عربياً، على مصر في المرتبة الأولى بقيمة صادرات بلغت 158 مليون دولار وبنسبة 23% من إجمالي الصادرات، تليها الأردن بنسبة 15.5% وبقيمة صادرات 101 مليون دولار، لتأتي السعودية في المرتبة الثالثة بقيمة صادرات 84 مليون دولار وبنسبة 13%.
وأما فاتورة الصادرات، فقد تغيرت خلال الثورة، من النفط الخام والقطن، لتقتصر الصادرات على القهوة والشاي التي تحتل المرتبة الأولى، والتي نستوردها بمقدار يقارب 195 مليون دولار، ليتم تصدير جزء هام منها بقيمة 55 مليون دولار، وتشكل أكبر وزن للصادرات السورية، يليها تصدير الفواكه بقيمة 54 مليون دولار، والخضار بمقدار 27 مليون دولار، وأما القطن الذي كان يأتي في المرتبة الثالثة ضمن الصادرات السورية، بعد النفط والفوسفات، فقد تراجعت صادراته من 199 مليون دولار في عام 2011 إلى 10 ملايين دولار في عام 2015.
وتنبهت حكومة بشار الأسد إلى خطورة عجز الميزان التجاري المتنامي منذ عام 2011، فأصدرت هيئة دعم وتنمية الصادرات يوم الاثنين، ما أسمته "المصفوفة التنفيذية" لعام 2017، والتي ركزت على دعم الإنتاج المحلي عبر تشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة باعتبارها الداعم الأساسي لعملية النمو، وتشجيع وتعزيز الصادرات، وإيجاد البيئة اللازمة لتشجيع الاستثمار الموجّه للتصدير.
ويتفرّع عن هذه النقاط مسارات عمل تفضي إلى تحقيق أهداف فرعية وذلك عبر التوجّه لدعم القطاعات الزراعية والصناعية والحرفية، فضلاً على تقديم خدمات استشارية وفنية لتحسين جودة الإنتاج بالشكل الذي يحقق تصريفه في الأسواق الخارجية، وإعادة إعمار الصناعات التي تم تدميرها خلال الأزمة لإعادة توجيه الإنتاج نحو التصدير.
وأشارت "المصفوفة" التي اطلعت عليها "العربي الجديد" إلى ضرورة تنفيذ مشاريع جديدة ذات بعد حيوي بالتعاون والتشاركية مع القطاع الخاص، ودعم المنتجات القابلة للتصدير، وإزالة العقبات المتعلقة بالعملية التصديرية، وترويج الصادرات في الأسواق المستهدفة، وتحسين الإنتاج من حيث تطوير نوعيته عبر الحصول على شهادات الجودة المطلوبة، والمساهمة في إعداد وتنفيذ برامج تتبع الصادرات.
وبيّن مدير عام الهيئة، المهدي الدالي، أن الاستراتيجية المعتمدة لدى الهيئة حالياً هي (تصدير ما ننتج، وصولاً إلى الإنتاج من أجل التصدير)، مشيراً خلال تصريحات في بداية الأسبوع، إلى أن أوجه الدعم الرئيسية لمعظم المشاريع والأنشطة تتمثل بتحمل الهيئة لفواتير الماء والكهرباء والاتصالات والضرائب، إضافة إلى تأمين قروض صغيرة ومتوسطة للحرفيين من خلال هيئة المشروعات الصغيرة والمتوسطة، للوصول إلى مخرج صناعي ذي قيمة مضافة عالية، كما أنه ولزيادة تنافسية المنتج السوري وتمكينه من الولوج إلى الأسواق الخارجية، بيّن الدالي أنه تم ربط الدعم بالحصول على شهادة الجودة المطلوبة.
ورأى الاقتصادي السوري، حسين جميل، أن طرح هيئة دعم الإنتاج والصادرات، رغبوي ونظري، لأنه لا ينطلق من الممكن والمتاح بواقع استمرار الحرب وتوقف القروض المصرفية وارتفاع تكاليف الإنتاج، بعد رفع أسعار حوامل الطاقة والمواد الأولية وأجور العمال.
ويضيف جميل لـ"العربي الجديد" خسرت سورية اكتفاءها الذاتي وصادراتها، منذ هدم النظام الاقتصاد الزراعي وبنيته، وتعرّى الميزان التجاري بعد أن خسر الأسد صادرات النفط والفوسفات، لأن سورية وللأسف لم تعرف كيف تجذب استثمارات حقيقية ولم تصل خلال حكم الأسدين الأب والابن، إلى اقتصاد صناعي، بل بقيّ الاعتماد على خيرات سورية ومواردها الطبيعية، ضمن اقتصاد ريعي كشفته الحرب.
ووفق دراسة سابقة، لهيئة تنمية وترويج الصادرات، فإن معظم الصادرات السورية هي من المنتجات الأولية حيث تتراوح قيمة مؤشر التبعية التكنولوجية للمنتجات الأولية بين 0.57% في عام 2010 و 0.60% في عام 2014، وتعتمد سورية بشكل قليل على تصدير المنتجات متوسطة ومنخفضة التكنولوجيا حيث انخفض مؤشر التبعية التكنولوجية للمنتجات منخفضة التكنولوجيا من 0.14% إلى 0.10% للفترة الواقعة بين عامي 2010 و 2014 وكذلك للمنتجات متوسطة التكنولوجيا من 0.09% إلى0.07% لنفس الفترة، في حين لا تصدّر سورية أية منتجات عالية التكنولوجيا.
وفي ظل الدعم العسكري القوي الذي تقدمه الحكومة الإيرانية لنظام بشار الأسد، فقد رهنت الحكومة العديد من الموارد للشركات الإيرانية.