يتهيأ الأردن لمفاوضات حاسمة مع صندوق النقد الدولي تبدأ في السابع والعشرين من مارس/آذار الجاري لاعتماد برنامج اقتصادي جديد من أجل الحصول على قرض لسد العجز المالي، في الوقت الذي تنتاب المواطنين والقطاعات الاقتصادية مخاوف من احتمال فرض الحكومة مزيدا من الضرائب ورفع الأسعار تنفيذا لإملاءات الصندوق.
ولم يخف وزير المالية الأردني، عمر ملحس، خلال لقائه بالقطاع الصناعي يوم الخميس الماضي اعتراضات الصندوق على تخفيضات ضريبية وجمركية أجرتها الحكومة مؤخرا على بعض السلع، ومطالبته لها بإلغاء تلك القرارات من باب زيادة الإيرادات.
وقال ملحس إن أغلب الإيرادات الحكومية تأتي من الضرائب، التي يدفعها المواطنون والقطاعات الاقتصادية بأشكال مختلفة وأهمها ضريبتا الدخل والمبيعات.
وبحسب أحدث بيانات للمصرف المركزي الأردني، فقد بلغت الإيرادات الضريبية المتحققة خلال الشهور الـ 11 الأولى من العام الماضي 5.33 مليارات دولار، مشكلة ما نسبته 71.6% من إجمالي الإيرادات المحلية المتحققة في تلك الفترة.
مسوؤل في وزارة المالية الأردنية، قال في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، إن بعثة صندوق النقد الدولي التي ستزور الأردن نهاية الشهر الجاري، ستستكمل المباحثات مع الحكومة بشأن اعتماد برنامج إصلاح اقتصادي جديد يختلف إلى حد ما عن البرامج التي طبقها الأردن بالتعاون مع الصندوق منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي.
وأوضح أن "هناك اشتراطات للصندوق من بينها إعادة النظر في قانون ضريبة الدخل، الذي جرى تطبيقه بداية العام الماضي 2015، نأمل ألا تكون هناك زيادة للضريبة على القطاعات الاقتصادية".
وأشار المسؤول، الذي فضل عدم ذكر اسمه، إلى إمكانية مطالبة الصندوق كالمعتاد للحكومة بالعمل على تخفيض الدعم المقدم لبعض السلع والخدمات، مثل الخبز والكهرباء والغاز المنزلي وغيرها، لتخفيض عجز الموازنة العامة للدولة.
وأضاف أن هناك محاور أخرى سيركز عليها الصندوق هذه المرة، أهمها العمل على زيادة الصادرات ورفع مشاركة المرأة الأردنية في سوق العمل وأمور تتعلق بالاقتصاد الكلي، إضافة إلى إعادة النظر بالإعفاءات الضريبية الممنوحة لبعض الجهات والأنشطة الاقتصادية.
وكان الأردن قد أنهى برنامجا ائتمانيا مع صندوق النقد الدولي في أغسطس/آب 2015، استمر لمدة عامين وحصل بموجبه على 2.1 مليار دولار كقرض ميسر من الصندوق لدعم الموازنة.
تحديات اقتصادية
وقال عدنان أبو الراغب، رئيس غرفة صناعة الأردن لـ"العربي الجديد": " لقد اعتدنا في جولات تفاوضية سابقة للحكومة مع صندوق النقد على فرض مزيد من الضرائب وتخفيض قيمة الدعم الحكومي لبعض السلع، وبالتالي يساور القطاع الصناعي وغيره من القطاعات الاقتصادية مخاوف من احتمال تحميلها أعبأء مالية جديدة، وخاصة مع الحديث عن تعديل قانون ضريبة الدخل، رغم أنه لم يمض على تطبيقه سوى 15 شهرا تقريبا.
وأضاف أن القطاع الصناعي يعاني من تحديات صعبة للغاية، خاصة مع خسارته للأسواق التقليدية في سورية والعراق وظروف المنطقة لا تتحمل رفع نسبة الضرائب، بل لا بد من تخفضيها حتى يستطيع مواجهة الظروف الراهنة.
ورأى أكرم كرمول، رئيس جمعية حماية المستثمر، أن فرض ضرائب جديدة على الأفراد والقطاعات الاقتصادية بمبادرة من الحكومة أو بموجب إملاءات صندوق النقد، سيؤدي إلى إضعاف فرص الاستثمار، وكذلك التاثير على القدرات الشرائية للمواطنين.
وقال كرمول لـ"العربي الجديد"، إن برامج صندوق النقد الدولي تغفل تنافسية بيئة الاستثمار والجوانب الاجتماعية، التي تترتب على زيادة الضرائب ورفع الأسعار.
وكانت كريستينا كوستيال، موفدة صندوق النقد الدولي للأردن قد توقعت في تصريحات صحافية الأسبوع الماضي، أن ينمو الاقتصاد الأردني بنسبة 3.2% للعام الحالي و3.7% للعام 2017، بينما سبق أن توقعت الحكومة في موازنتها للعام 2016 أن يحقق الاقتصاد نموا بنسبة 3.7% للعام الحالي و4.5% للعام القادم.
وطالبت كوستيال الحكومة بإجراء إصلاحات هيكلية لتحقيق نمو اقتصادي أقوى ومستدام لخلق وظائف لتحسين تنافسية المملكة.
وقال حسام عايش، الخبير الاقتصادي، إن من حق المواطنين والقطاعات الاقتصادية التخوف من برنامج الإصلاح الاقتصادي الجديد المنتظر التوصل إليه مع صندوق النقد، مضيفا أنه على مدى أكثر من ربع قرن من برامج الصندوق الإصلاحية شهد الأردن ارتفاعا للضرائب وزيادة الأسعار من خلال إزالة الدعم الحكومي عن المواد التموينية وغيرها، كما ارتفعت الضرائب بسنب كبيرة.
توسع ضريبي
وأضاف عايش لـ"العربي الجديد"، أنه ما دامت مديونية الأردن مرتفعة وكذلك العجز المالي للموازنة، فإن سطوة صندوق ستبقى موجودة.
وتقدر مديونية الأردن العامة وفقا لبيانات المصرف المركزي بحوالي 33 مليار دولار بشقيها الداخلي والخارجي.
وكانت الحكومة قد ألغت الدعم الذي كانت تقدمه للمحروقات، وذلك اعتبارا من نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2012، كما اعتمدت خطة للرفع التدريجي لأسعار الكهرباء والمياه، فيما لا تزال مترددة في إلغاء الدعم عن الخبز خوفا من احتجاجات الشارع.
وقال عايش، إن ما يزيد الأمر خطورة أن الحكومة تتحدث عن نتيها إصدار قانون جديد لضريبة الدخل وبموجبه سيتم زيادة الضريبة على بعض القطاعات، وكذلك إخضاع جميع المواطنين للقانون ما يعني أن 90% من الأردنيين ممن هم غير مشمولين بالضريبة سيصبحون مكلفين بضريبة الدخل.
وأضاف أن المواطن هو على الدوام ضحية لبرامج صندوق النقد، ولكن الأمر هذه المرة ينطوي على مخاطر أكبر من خلال إخضاع جميع المواطنين لضريبة الدخل.
وأشار الخبير الاقتصادي الأردني إلى أهمية أن تراعي الحكومة لدى تفاوضها مع صندوق النقد على برنامج جديد، الأبعاد الاجتماعية ووضع المواطنين في حال زيادة الأسعار والضرائب.
وقال الصندوق سابقا إن الاقتصاد الأردني لا يزال صامدا في مواجهة البيئة الإقليمية الصعبة، نتيجة الصراعات الدائرة في العراق وسورية والتي استمرت بالتأثير سلبا على كل من التجارة والسياحة وثقة المستثمرين.
وحصل الأردن الشهر الماضي على تعهدات دولية في مؤتمر لندن للمانحين لمساعدته في تحمل أعباء اللاجئين السوريين المقيمين على أراضيه ويبلغ عددهم حوالي 1.3 مليون لاجئ، حيث ستتراوح المساعدات بين منح مالية للموازنة العامة وإقامة مناطق تنموية وتسهيل دخول الصادرات الأردنية للأسواق الأوروبية ودعم قطاع التعليم.
اقرأ أيضا: محامو الأردن يحتجون رفضا للتمويل الأجنبي