لم تنجح كل محاولات الحكومات المتعاقبة في العراق في التصدي لملف الفساد المالي والرشى والإتاوات بالمنافذ الحدودية المشتركة مع دول الجوار.
ورغم أن غالبية الأحزاب العراقية تتفق على استشراء ظاهرة فساد المنافذ، إلا أنها تؤكد براءتها من ضلوع أعضائها أو شخصيات مقربة منها أو أجنحتها المسلحة بالتورط في هذا الملف.
وكشف مسؤول بالأمانة العامة لمجلس الوزراء لـ"العربي الجديد"، أن الفساد على الحدود "يُعرض العراق سنوياً لخسارة نحو ستة مليارات دولار".
وشرح المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، بعض الطرق المعتمدة في تمرير البضائع بالاعتماد على أساليب "غير قانونية"، قائلاً: "بضائع كثيرة خاضعة للضريبة العالية، يتم تمريرها على اعتبارها مواد غذائية أو سلعاً معفاة من الضريبة، أو بأرقام غير حقيقية، في حين نجد أن الإيرادات التي يحصل عليها ممثلو الأحزاب في منفذ حدودي، توزع عليهم، ثم تعود الأموال إلى الهيئات الاقتصادية للأحزاب ذاتها.
ولفت المسؤول إلى أن "مكافحة الفساد في المنافذ الحدودية العراقية لا تتمّ إلا ببناء منظومة رقابية جديدة في المحافظات التي تحوي المنافذ، بالإضافة إلى اعتماد طريقة (الحكومة الإلكترونية) من أجل منع احتكاك الموظفين بالتاجر".
وللعراق 22 منفذاً برياً وبحرياً مع جيرانه الستة المحيطين به، إلا أن المنافذ العاملة حالياً هي سبعة فقط، لأسباب أغلبيتها أمنية وعدم وجود اتفاقات سياسية حولها، عدا المنافذ الجوية المتمثلة في المطارات.
وتمارس هذه المنافذ نشاطاً تجارياً دائماً لا ينقطع نهائياً، وتحديداً ما يرتبط بالاستيراد، حيث يستقبل العراق سلعاً مختلفة وأطعمة وأشربة ومعدات وخضاراً، وكل ما تحتاجه السوق، لا سيما وأن المعامل العراقية قد توقفت منذ احتلال أميركا العراق في عام 2003، وبعضها تعرض لقصف جوي من الطيران الأميركي خلال فترة غزو البلاد.
وهذه المنافذ بحسب القانون، تخصص للحكومة المركزية في بغداد، النصف من واردات الجباية والجمارك والضرائب، وللحكومات المحلية التي تحوي المنافذ، النصف الآخر.
وبحسب مسؤولين وبرلمانيين لـ"العربي الجديد"، فإن الحكومتين لا يصلهما إلا قليل من الأموال، فيما تسيطر الأحزاب والمليشيات المسلحة وحتى العشائر على غالبية المبالغ، ناهيك بفرض ضرائب لا علاقة لها بالقانون العراقي على التجار كشرطٍ أساسي لدخول بضائعهم إلى السوق، الأمر الذي تسبب بارتفاع أسعار السلع وتأزم الأوضاع الاقتصادية.
ورغم أن رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي أسس "المجلس الأعلى لمكافحة الفساد"، إلا أنه جُمّد بسبب الحرب على تنظيم "داعش" خلال السنوات الماضية، ليعود خلفه عادل عبد المهدي، للتحدث بنفس اللهجة السابقة والوعود مع نفس التأييد الحزبي والبرلماني.
ولا يختلف الأمر كثيراً عن المنافذ الحدودية الشمالية في إقليم كردستان، إذ تتقاسم السيطرة عليها مليشيات مسلحة تابعة للحزبين الحاكمين (الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني).
و"المشكلة في منع الفساد بالمنافذ، لا تعني السيطرة على الرسمي منها، إنما في كيفية احتواء المنافذ غير الرسمية"، بحسب عضو تيار الحكمة محمد اللكاش، الذي قال لـ"العربي الجديد"، إن "العراقيين يعرفون عشرات المنافذ العاملة حالياً دون تخويل رسمي من الحكومة، وهو ما يسمونه (القجق)".
وأضاف اللكاش أن "إقليم كردستان لوحده يمتلك حالياً 13 منفذاً حدودياً يصدر ويستورد من خلاله البضائع، إلا أن المنافذ الرسمية التي تعمل بعلم الحكومة في بغداد، هي ثلاثة فقط، وهذا الأمر ينطبق على المنافذ البرية والبحرية والجوية، لذلك فإن ملف الفساد على الحدود ليس سهلاً، إنما هو صعب بسبب الأحزاب والمليشيات التي تعيش عليه".
من جهته، بيَّن النائب في البرلمان العراقي رعد الدهلكي، أن "عبد المهدي لن يتمكن من مجابهة الفاسدين"، موضحاً لـ"العربي الجديد"، أن "غالبية الأحزاب في البلاد تعتمد على مؤسسات استثمارية فاسدة ومشاريع وهمية من خلالها تبني اقتصادها، والوقوف بوجه هذه الكيانات يحتاج إلى قوة، ومواصفات هذه القوة متوفرة حالياً عند عبد المهدي، خصوصاً أنه يحظى بدعم شعبي وبرلماني ومن بعض الأحزاب الوطنية".
ورغم اعتراف هيئة المنافذ الحدودية في العراق، بوجود فساد في دوائر حكومية تابعة لها، وأن ميناء "أم قصر" في مدينة البصرة الجنوبية، هو الأكثر فساداً بين المنافذ العاملة في البلاد، بسبب التدخلات الحزبية، بحسب بيان رسمي للهيئة، صدر في وقت سابق.
إلا أن عضو المجلس المحلي في المدينة غانم حميد، أكد أن "الحديث عن تورّط الأحزاب في ملف المنافذ بالبصرة، فيه مبالغة وتجنٍ"، مبيناً لـ"العربي الجديد"، أن "جميع الأحزاب مرتبطة بقوانين، وأن الحكومة تعرف مصادر تمويل الأحزاب، مع ذلك قد تكون هناك بعض الثغرات لارتكاب مخالفات، ولكن بطبيعة الحال هناك من يريد أن يورّط الأحزاب بالبصرة في هذا الملف"، بحسب تعبيره.