يترقب السودانيون انتهاء المهلة التي حددها البنك المركزي، للبدء في طرح فئات نقدية جديدة، بحلول منتصف يناير/ كانون الثاني الجاري، لإنهاء أزمة السيولة التي تضرب البلاد، وتعدّ أحد الأسباب الرئيسية في اندلاع الاحتجاجات الشعبية منذ التاسع عشر من الشهر الماضي رفضا لتردي الظروف المعيشية، قبل أن تتطور إلى حدّ المطالبة بإسقاط النظام.
وحدد محافظ البنك المركزي محمد خير الزبير قبل نحو أسبوعين، منتصف الشهر الجاري، لانفراج أزمة النقود بدخول الدفعة الأولى من الفئات الكبيرة التي تمت طباعتها داخل وخارج السودان، ضمن خطة للبنك لعلاج الأزمة بنهاية إبريل/ نيسان المقبل نهائيا.
ووفق الزبير، سيتم طرح فئة الـ 100 جنيه الجديدة، يليها طرح الفئات الأخرى من فئتي 200 و500 جنيه لوضع حد لأزمة السيولة التي تخنق الأسواق منذ فبراير/ شباط من العام الماضي 2018، بينما قلل خبراء اقتصاد من جدوى طباعة النقود، مشيرين إلى أنها ستزيد من تضخم أسعار السلع في الأسواق.
وقال حسن بشير محمد نور، أستاذ الاقتصاد العام والسياسات الكلية في جامعة النيلين، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة اضطرت إلى طباعة الفئات الجديدة نظرا للظروف الحالية، لكن في المقابل هذه الخطوة تسهم في هروب الكتلة النقدية من المصارف بسهولة وتخزينها في المنازل والخزن الحديدية، وخاصة إذا استمر البنك المركزي في إجراءات حجب السيولة.
ويعاني السودان من أزمات في الخبز والوقود والأدوية والسيولة المالية، نتيجة ارتفاع سعر الدولار، مقابل الجنيه في الأسواق الموازية (غير الرسمية)، إلى أرقام قياسية تجاوزت 60 جنيها مقابل الدولار الواحد.
وتسبب انفلات سعر الدولار في انفلات مواز بأسعار السلع الأساسية في الأسواق، لتزداد معاناة المواطنين مع أزمة نقص السيولة النقدية، فلم يعد كثرٌ قادرين على سحب مدخراتهم من البنوك.
واتخذت الحكومة خطوات لحل أزمة الخبز والوقود مع تعهدات بتوفير العلاج، بينما لا تزال ندرة السيولة النقدية قائمة، ولم تعد في العاصمة سوى ماكينات آلية معدودة لصرف النقود، وهي تعمل بصورة متقطعة، في حين لا تسمح المصارف للمواطنين بسحب أكثر من عشرة دولارات يومياً.
وقبل أيام، أعلن اتحاد أصحاب العمل تدشين مبادرة "إيداع" لدعم السيولة، فيما أعلن التجار والموردون وأصحاب العمل في سوق ليبيا بأم درمان، نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إيداع نحو 500 مليون جنيه (10.5 ملايين دولار تقريبا) بمصارف مختلفة إنفاذا للمبادرة، التي تزامنت مع إعلان المركزي طباعة نقود جديدة بفئات كبيرة.
وقلل محمد أبو شورة، المحلل المالي، من أثر طرح الفئات النقدية الجديدة في حل أزمة السيولة، مشيرا في حديث لـ"العربي الجديد" إلى ارتفاع تكلفة طباعتها.
وتسببت إجراءات البنك المركزي خلال الأشهر الماضية بامتصاص السيولة من الأسواق، بهدف إيقاف المضاربات في أسعار الذهب والعملات الأجنبية في نتائج عكسية، إذ تدهور الجنيه السوداني بشكل أكبر وتوجه المواطنون إلى الانصراف عن الادخار في البنوك والسحب التدريجي للودائع، خوفا من عدم القدرة على استردادها في حالة احتياجهم إليها.
كما أفرز تحجيم البنك المركزي للسيولة، ظواهر سلبية مالية وتجارية، منها بيع الشيكات مقابل الحصول على مبالغ نقدية تقل عن قيمة الشيك، وانتشار مكاتب خاصة بأسواق الخرطوم لتسيير تلك المعاملات وتوفير الكاش للراغبين، وإحجام المحالّ التجارية عن استخدام الكروت المصرفية، وسط زيادة الأعباء المعيشية على المواطنين.
وتعهدت الحكومة السودانية برئاسة معتز موسى، بحل أزمة السيولة في مناسبات عديدة، وسبق أن حددت أسقفاً زمنية لذلك، حين أشارت عقب تولي مهامّها في سبتمبر/ أيلول الماضي إلى اعتزامها إنهاء الأزمة في غضون ما بين 7 أسابيع و10 أسابيع، ثم عاودت تحديدها في المرة الثانية نهاية يناير/ كانون الثاني 2019، ثم مارس/ آذار، قبل أن تعلن أخيراً نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي أن خطتها للحل، تمتد من منتصف يناير/ كانون الثاني حتى إبريل/ نيسان الذي وعدت بأن يشهد نهاية المشكلة.
وأشار مجذوب جلي، الأمين العام السابق لاتحاد المصارف لـ"العربي الجديد"، إلى أهمية خطوة طباعة الفئات النقدية الكبيرة، حتى تكتفي المصارف لمقابلة طلبات العملاء من داخل الفروع والصرافات الآلية لاستعادة ثقة المواطنين في الجهاز المصرفي، الا أنه دعا لترشيد الصرف النقدي.
لكن خبراء اقتصاد، حذروا من أن طباعة المزيد من النقود سترفع معدلات التضخم بشكل أكبر، ما يزيد من الأعباء المعيشية التي تسببت بالأساس في اندلاع الاحتجاجات.
ووفق بيانات الجهاز المركزي للإحصاء (حكومي)، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بلغت معدلات التضخم 68.93% في نوفمبر/ تشرين الثاني على أساس سنوي، مقابل 68.44% على أساس سنوي في أكتوبر/ تشرين الأول، مشيرا إلى أن أكثر السلع التي أثّرت على التضخم كانت اللحوم والبصل والزيوت والألبان.
ولفت جهاز الإحصاء إلى أن ولاية "البحر الأحمر" (شرق)، سجلت أعلى معدل للتضخم بين ولايات السودان الـ 18، بنحو 98.24% مقابل 97.86% في أكتوبر/ تشرين الأول 2018.