يواجه قطاع الطاقة في تونس العديد من الصعوبات، بعد أن أعلنت شركتا "انكواست" البريطانية و"شل" الهولندية مؤخراً عن مغادرة تونس نهائياً، فيما أعلنت "ايني" الإيطالية أيضاً، إحدى أكبر الشركات العاملة في البلاد عن رغبتها في تغيير وجهتها نحو دولة أخرى.
واعتبر بعض شركاء النفط في تونس، أن مغادرتهم للسوق التونسية جاء بسبب تعقيدات
القوانين، لكن برلمانيين قالوا إنه لم يتم تجديد تراخيص بعض الشركات لقيامها بعدة خروقات وعدم التزامها بالاتفاقات المبرمة، خاصة ما يتعلق بضخ الاستثمارات المتفق عليها، فيما أشار محللون إلى أن الخسائر التي تكبدتها شركات عالمية على خلفية تهاوي أسعار النفط دفعتها لترتيب أولويات عملها في الكثير من الدول.
وكان المجلس الوطني التأسيسي سابقاً قد رفض، تجديد عقود عدة شركات نفطية، فيما لم يشرع مجلس نواب الشعب الجديد في مناقشة قانون الطاقة، الذي يسمح للشركات العاملة في هذا المجال بمواصلة عملها.
ويلزم الدستور الجديد في تونس، الدولة بالاستغلال الرشيد للثروات والحصول على موافقة نواب الشعب بالنسبة لتراخيص الاستثمار في المحروقات والثروات الطبيعية.
وقال رئيس لجنة الطاقة في المجلس الوطني التأسيسي السابق، شفيق زرقين، في تصريح لـ "العربي الجديد"، إن العديد من الشركات النفطية استوفت الفترة المحددة، وطالبت بالتمديد في الامتياز لفترة تصل إلى 15 عاماً أخرى، وهو ما يعد مخالفة للقانون.
وأضاف أن التمديد لهذه الشركات كان يتم سابقاً بمقتضى ملاحق وليس بنص قانوني، معتبراً أن هذا الأمر أدى إلى عدة تجاوزات، لافتاً إلى أن شركات الطاقة لم تف بالتزاماتها تجاه تونس حيث قامت شركة "بريتش غاز" على سبيل المثال بتحويل أرباحها إلى الخارج وإنفاق 345 مليون دولار من الاحتياطي المتفق عليه للاستثمار في مشاريع خدماتية، بدلاً من المشاريع الصناعية والفلاحية المتفق عليها.
وأشار زرقين، إلى أن هناك عدة معايير تفتقدها الشركات التي لم يتم التجديد لها، من بينها أيضاً إجراء مهام الرقابة اللاحقة مرة واحدة في السنة بدلاً من 4 مرات، وكذلك نقص في عمليات التدقيق المالي بشأن مداخيلها ومصاريفها، وهو ما أثبته تقرير دائرة المحاسبات لعام 2012.
وتابع أن لجنة الطاقة السابقة اتخذت قراراً بعدم تمديد العقود لعدد من شركات الطاقة، استناداً إلى تقرير دائرة المحاسبات ( هيكل عمومي يشرف على المحاسبة العمومية)، الذي أثبت أن تجديد رخص بعض الشركات لم تكن متطابقة مع الإطار العام المنظم لمجال البحث.
كما أشار تقرير دائرة المحاسبات، حسب رئيس لجنة الطاقة في المجلس الوطني التأسيسي السابق، إلى وجود خروقات متنوعة تتعلق بنطاق "الامتيازات" الممنوحة في رخصتي البحث والتنقيب لبعض الشركات، منها حرق ما يقدّر بـ 11% من الغاز المنتج أثناء استخراج النفط، وهو رقم اعتبرته دائرة المحاسبات كبيراً، خاصة في ظل وجود شح في الموارد الوطنية من المحروقات.
وقال رزقين، إن هناك خللاً على صعيد حوكمة قطاع النفط في تونس وغياب استراتيجية طويلة المدى، وعدم تفعيل المجلس الوطني للطاقة، فضلاً عن غياب نظام معلومات متكامل حول منظومة المحروقات.
وأشار إلى أن المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية تشكو من ضعف شديد في الموارد البشرية، وما له من تأثير على دورها الرقابي في استغلال الرخص، دون اعتبار للإطار القانوني المنظم لها وغير المتطابق مع طبيعة دورها أثناء تعاملها مع الشركات الأجنبية.
وحسب عضو مجلس نواب الشعب، حسونة الناصفي، فإن المجلس سينظر مباشرة في هذا
الملف بعد استكمال هياكله وتركيز اللجان في قانون الطاقة.
وقال الناصفي لـ "العربي الجديد"، إن رئيس الحكومة التونسي الحبيب الصيد، أوصى باستعجال النظر في القوانين ذات الصبغة الاقتصادية، للحد من العجز المتفاقم لميزان الطاقة، وتوفير الإطار القانوني الملائم والمشجع للشركات العاملة في هذا المجال للاستثمار في تونس، مع حماية الثروات الطبيعية طبقاً لما نص عليه الدستور الجديد.
وسجل ميزان الطاقة التونسي خلال الفترة من يناير/كانون الثاني من العام الماضي إلى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني عجزاً بنحو 3.3 ملايين طن مكافئ نفط، حيث بلغ الإنتاج من النفط والغاز حوالى 5 ملايين طن، بينما ارتفع الطلب إلى مستوى 8.3 ملايين طن.
وكان وزير الصناعة والطاقة والمناجم السابق، كمال بن ناصر، قد قال في حديث لوكالة الأنباء التونسية مؤخراً، إن عجز ميزان الطاقة يتسع منذ عدة سنوات، مشيراً إلى أن إنتاج النفط تراجع بنسبة 13% بنهاية العام الماضي، مقارنة بالعام السابق 2013، فيما تصاعدت نسبة الطلب بنحو 4% خلال نفس الفترة.
اقرأ أيضا: اقتصاد تونس "العليل" يترقّب إنعاش السياحة والإنتاج
وحول تجديد رخص التنقيب عن النفط، أشار بن ناصر، إلى حرص الحكومة على التثبت والتدقيق في مختلف عمليات التجديد نظراً للجدل المطروح حول هذه الموضوعات على الساحة الوطنية.
ولفت إلى أن وضع الطاقة يتفاقم بالنضوب الطبيعي لبعض حقول النفط، كما أن الاضطرابات الاجتماعية في الفترة الأخيرة طالت أيضاً النشاط، مشيراً إلى أن معدل العمال الذي يعملون على الحفارات قد وصل إلى حدود 200 عامل، في حين لا يتطلب تشغيلها سوى 35 عاملاً، وذلك بسبب المطالب العمالية التي وصفها بغير المعقولة.
وبينما ترى شركات النفط أن هناك تعقيدات في القوانين التونسية تحول دون تجديد تراخيص الاستخراج، يقابلها اتهامات برلمانية بخرق هذه الشركات القوانين، فإن محللين في قطاع الطاقة يقولون إن التراجع الحاد في أسعار النفط في الأسواق العالمية منذ منتصف العام الماضي 2014، أجبر الكثير من الشركات على ترتيب أولويات استثماراتها وأدى إى عزوفها عن الاستثمارات الأقل إنتاجية وربحية.
وتهاوى سعر برميل النفط بأكثر من 50% منذ يونيو/حزيران الماضي، حيث وصل إلى
أدنى مستوياته في يناير/كانون الثاني الماضي، عندما تراجع لأقل من 50 دولاراً للبرميل.
وحسب المحللين، فإن الاستثمارات النفطية تأثرت بشدة من جراء التراجع الحاد في الأسعار وهو ما جعل كثيرا من المستثمرين يعيدون حساباتهم بعدما أصبحت بعض الاستثمارات غير ذات جدوى اقتصادية.
وكانت عدة شركات نفطية قد أعلنت في الفترة الأخيرة، عن خفض النفقات الرأسمالية وكشفت شركة "بي بي" البريطانية عن خفض نفقاتها الرأسمالية بنسبة 13% لتصل إلى 20 مليار دولار في 2015، كما أعلنت "شيفرون" الأميركية أيضاً خفض الإنفاق الرأسمالي 13% إلى 35 مليار دولار.