تناقلت وكالات الأنباء الأسبوع الماضي خبر فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعريفات جمركية جديدة، تبدأ بنسبة 10%، على ما تبقى تقريباً مما لم يتم فرض تعريفات إضافيه عليه، من واردات بلاده من الصين، وتقدر قيمته بنحو 300 مليار دولار، يبدأ تطبيقها مطلع سبتمبر/ أيلول القادم.
وفي حين تعاملت أغلب التقارير مع قرار الرئيس الأميركي باعتباره أداة للضغط، بعد استمرار تعنت المفاوض الصيني، في محاولة للتوصل إلى اتفاق يحقق أهداف الإدارة الأميركية، توجد بعض الدلائل التي تشير إلى أن القرار يمثل وسيلة للضغط بالفعل، ولكن في اتجاه آخر، سيكون على الأغلب بنك الاحتياط الفيدرالي، الذي وصفه ترامب في أكثر من مناسبة بأنه "أكبر مشكلة يواجهها في الوقت الحالي".
وترجع خيوط الصراع بين ترامب والبنك الفيدرالي إلى شهورٍ مضت، حيث حاول الرئيس الأميركي مراراً الضغط على المسؤولين فيه، على عكس العرف المتبع من الرؤساء الأميركيين، خلال الخمسين عاماً الأخيرة على الأقل، من أجل خفض معدلات الفائدة لدفع النمو الاقتصادي، ومساعدة مؤشرات الأسهم الأميركية على الاستمرار في تسجيل مستويات قياسية جديدة، كونه يعتبرها الدليل الأكبر على نجاح سياساته الاقتصادية، منذ وصوله للبيت الأبيض في يناير/ كانون الثاني من عام 2017.
لكن البنك الفيدرالي، تحت قيادة رئيسه جيرومي باول، تجاهل ترامب تماماً، واستمر في الاعتماد على البيانات الصادرة، وما تعطيه من دلالات عن حالة الاقتصاد الأميركي والعالمي، عند وضع سياسته النقدية. وتبعاً لذلك، فقد استمر البنك الفيدرالي في رفع معدلات الفائدة، وكان آخر تلك الرفعات في ديسمبر / كانون الأول الماضي، وهو ما قوبل بانتقادات شديدة اللهجة من ترامب، حتى أن بعض مستشاريه نقلوا عنه أنه فكر في إقالة باول بعد الإعلان عن القرار.
مرت الشهور بعد ذلك، حتى تمكن باول من العثور في البيانات الصادرة، وكذا تطورات الحرب التجارية بين بلاده والصين، على ما يمكن أن يعتمد عليه، أولاً في اتخاذ قرار بالتوقف عن رفع معدلات الفائدة، ثم بعد ذلك في تخفيضها، مع الحفاظ على ماء وجهه، وعدم ظهوره بمظهر الخاضع لأوامر الرئيس الأميركي.
ولما وصلنا إلى اجتماعات 30-31 يوليو / تموز المنتهي، اتخذ البنك الفيدرالي قراراً بتخفيض معدلات الفائدة للمرة الأولى منذ الأزمة المالية العالمية في 2008، بمقدار خمسٍ وعشرين نقطة أساس فقط، أو ربع بالمائة، وهو ما اعتبره ترامب مخيباً للآمال، خاصة بعد تصريحات رئيس البنك، التي جاءت بعد اتخاذ القرار، وتعاملت مع الخفض على أنه مجرد خطوة وقائية، لا بداية لدورة جديدة من دورات خفض الفائدة على المدى الطويل.
وتظهر التطورات التي تلت الإعلان عن القرار أن بيان البنك أعطى الرئيس الأميركي مفتاحاً للتعامل مع مقاومة البنك الفيدرالي لضغوطه، حين أكد رئيس البنك أن الخطوة القادمة ستتوقف إلى حدٍ كبير على تطورات النزاع التجاري، وتأثيره على البيانات الصادرة في الفترة القادمة.
وفي أقل من 24 ساعة، اتخذ ترامب قراره بالتصعيد في الحرب التجارية، بعد ساعات قليلة من عودة فريقه التفاوضي من شنغهاي، العاصمة المالية والتجارية للصين، لانتهاء مهمته هناك دون التوصل إلى اتفاق بشأن النزاع القائم، وكأن لسان حال ترامب يقول لباول "ها هي النزاعات التجارية تزداد اشتعالاً، وسيؤثر ذلك بالسلب على البيانات الاقتصادية الصادرة بكل تأكيد، فلتخفض إذاً أسعار الفائدة"!
ويدعم وجهة النظر تلك معارضة أقرب مستشاري الرئيس الأميركي للخطوة، وعلى رأسهم روبرت لايتايزر، الممثل التجاري للولايات المتحدة، والمعروف بمواقفه المؤيدة لفرض التعريفات، والسياسات الحمائية بصفة عامة، حمايةً للصناعة الأميركية، وكذلك ستيفن منوشن، وزير الخزانة، الذي لا يعصِي للرئيس الأميركي أمراً، ولورانس كادلو، المستشار الاقتصادي بالبيت الأبيض، الذي نادراً ما يكون له آراء مستقلة، بالإضافة إلى جون بولتون، مستشار الأمن القومي، المشغول بتحديات كبيرة، بعيدة عن النطاق التجاري أو الاقتصادي.
اقــرأ أيضاً
جاء ترامب إلى البيت الأبيض من خارج المؤسسة الأميركية تماماً، وأحضر معه فريقا من المستشارين من ذوي التخصصات والخبرات المختلفة، الذين دأبوا على التفكير خارج الصندوق، وتقديم أفكار وسياسات غير تقليدية، وأثبت كثيرٌ منها نجاحه، خاصةً على الجانب الاقتصادي، وفقاً للأرقام المعلنة.
ورغم إقالة أو استقالة أكثر من مائة مسؤول بالمكتب التنفيذي الخاص بالرئيس، خلال الثلاثين شهراً التي تلت انتخابه، مازال ترامب وفريقه قادرين على إبهار الجميع بقرارات غير معهودة، الأمر الذي يفرض عدم استبعاد أي احتمال، في تفسير تلك القرارات.
لكن المشكلة في القرار الأخير، والخاص ببدء تطبيق التعريفات الجديدة مطلع الشهر المقبل، أنه من المتوقع أن يؤثر سلبياً على الاقتصاد الأميركي أكثر من أي تعريفاتٍ سابقة.
فالتعريفات الجديدة، حال تطبيقها، ترفع تكلفة إنتاج العديد من السلع، ومنها الملابس ولعب الأطفال والأحذية والهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمول، وستكون النتيجة إما انخفاض ربحية الشركات الأميركية، لو امتنعت عن تمرير ارتفاع التكلفة إلى المستهلك الأميركي، أو ارتفاع التكلفة على المستهلك الأميركي.
ورغم وجود احتمال كبير لأن يتسبب انخفاض ربحية الشركات الأميركية، في زيادة الضغط على البنك الفيدرالي، ويدفعه لمزيد من الخفض لمعدلات الفائدة، كما يأمل ترامب، فإن ارتفاع أسعار المستهلكين سيكون مؤشراً على عودة التضخم إلى الاقتصاد الأميركي، وفي حالة ارتفاعه عن معدل 2% المستهدف من البنك الفيدرالي، سيكون من رابع المستحيلات أن يتجه البنك إلى المزيد من خفض الفائدة، وربما يضطر مرة أخرى إلى عكس الاتجاه، للحد من ارتفاع التضخم.
كثير من المحللين ينتظرون ركوداً اقتصادياً، ظهرت بشائره في تباطؤ نمو الاقتصاد الأميركي في الربع الثاني من العام. ومع ازدياد التوتر على جبهة الحرب التجارية مع الصين، وتوسع ترامب في فرض التعريفات، فهل يكون بقراره الأخير كمن أطلق النار على قدميه؟!
وفي حين تعاملت أغلب التقارير مع قرار الرئيس الأميركي باعتباره أداة للضغط، بعد استمرار تعنت المفاوض الصيني، في محاولة للتوصل إلى اتفاق يحقق أهداف الإدارة الأميركية، توجد بعض الدلائل التي تشير إلى أن القرار يمثل وسيلة للضغط بالفعل، ولكن في اتجاه آخر، سيكون على الأغلب بنك الاحتياط الفيدرالي، الذي وصفه ترامب في أكثر من مناسبة بأنه "أكبر مشكلة يواجهها في الوقت الحالي".
وترجع خيوط الصراع بين ترامب والبنك الفيدرالي إلى شهورٍ مضت، حيث حاول الرئيس الأميركي مراراً الضغط على المسؤولين فيه، على عكس العرف المتبع من الرؤساء الأميركيين، خلال الخمسين عاماً الأخيرة على الأقل، من أجل خفض معدلات الفائدة لدفع النمو الاقتصادي، ومساعدة مؤشرات الأسهم الأميركية على الاستمرار في تسجيل مستويات قياسية جديدة، كونه يعتبرها الدليل الأكبر على نجاح سياساته الاقتصادية، منذ وصوله للبيت الأبيض في يناير/ كانون الثاني من عام 2017.
لكن البنك الفيدرالي، تحت قيادة رئيسه جيرومي باول، تجاهل ترامب تماماً، واستمر في الاعتماد على البيانات الصادرة، وما تعطيه من دلالات عن حالة الاقتصاد الأميركي والعالمي، عند وضع سياسته النقدية. وتبعاً لذلك، فقد استمر البنك الفيدرالي في رفع معدلات الفائدة، وكان آخر تلك الرفعات في ديسمبر / كانون الأول الماضي، وهو ما قوبل بانتقادات شديدة اللهجة من ترامب، حتى أن بعض مستشاريه نقلوا عنه أنه فكر في إقالة باول بعد الإعلان عن القرار.
مرت الشهور بعد ذلك، حتى تمكن باول من العثور في البيانات الصادرة، وكذا تطورات الحرب التجارية بين بلاده والصين، على ما يمكن أن يعتمد عليه، أولاً في اتخاذ قرار بالتوقف عن رفع معدلات الفائدة، ثم بعد ذلك في تخفيضها، مع الحفاظ على ماء وجهه، وعدم ظهوره بمظهر الخاضع لأوامر الرئيس الأميركي.
ولما وصلنا إلى اجتماعات 30-31 يوليو / تموز المنتهي، اتخذ البنك الفيدرالي قراراً بتخفيض معدلات الفائدة للمرة الأولى منذ الأزمة المالية العالمية في 2008، بمقدار خمسٍ وعشرين نقطة أساس فقط، أو ربع بالمائة، وهو ما اعتبره ترامب مخيباً للآمال، خاصة بعد تصريحات رئيس البنك، التي جاءت بعد اتخاذ القرار، وتعاملت مع الخفض على أنه مجرد خطوة وقائية، لا بداية لدورة جديدة من دورات خفض الفائدة على المدى الطويل.
وتظهر التطورات التي تلت الإعلان عن القرار أن بيان البنك أعطى الرئيس الأميركي مفتاحاً للتعامل مع مقاومة البنك الفيدرالي لضغوطه، حين أكد رئيس البنك أن الخطوة القادمة ستتوقف إلى حدٍ كبير على تطورات النزاع التجاري، وتأثيره على البيانات الصادرة في الفترة القادمة.
وفي أقل من 24 ساعة، اتخذ ترامب قراره بالتصعيد في الحرب التجارية، بعد ساعات قليلة من عودة فريقه التفاوضي من شنغهاي، العاصمة المالية والتجارية للصين، لانتهاء مهمته هناك دون التوصل إلى اتفاق بشأن النزاع القائم، وكأن لسان حال ترامب يقول لباول "ها هي النزاعات التجارية تزداد اشتعالاً، وسيؤثر ذلك بالسلب على البيانات الاقتصادية الصادرة بكل تأكيد، فلتخفض إذاً أسعار الفائدة"!
ويدعم وجهة النظر تلك معارضة أقرب مستشاري الرئيس الأميركي للخطوة، وعلى رأسهم روبرت لايتايزر، الممثل التجاري للولايات المتحدة، والمعروف بمواقفه المؤيدة لفرض التعريفات، والسياسات الحمائية بصفة عامة، حمايةً للصناعة الأميركية، وكذلك ستيفن منوشن، وزير الخزانة، الذي لا يعصِي للرئيس الأميركي أمراً، ولورانس كادلو، المستشار الاقتصادي بالبيت الأبيض، الذي نادراً ما يكون له آراء مستقلة، بالإضافة إلى جون بولتون، مستشار الأمن القومي، المشغول بتحديات كبيرة، بعيدة عن النطاق التجاري أو الاقتصادي.
ورغم إقالة أو استقالة أكثر من مائة مسؤول بالمكتب التنفيذي الخاص بالرئيس، خلال الثلاثين شهراً التي تلت انتخابه، مازال ترامب وفريقه قادرين على إبهار الجميع بقرارات غير معهودة، الأمر الذي يفرض عدم استبعاد أي احتمال، في تفسير تلك القرارات.
لكن المشكلة في القرار الأخير، والخاص ببدء تطبيق التعريفات الجديدة مطلع الشهر المقبل، أنه من المتوقع أن يؤثر سلبياً على الاقتصاد الأميركي أكثر من أي تعريفاتٍ سابقة.
فالتعريفات الجديدة، حال تطبيقها، ترفع تكلفة إنتاج العديد من السلع، ومنها الملابس ولعب الأطفال والأحذية والهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمول، وستكون النتيجة إما انخفاض ربحية الشركات الأميركية، لو امتنعت عن تمرير ارتفاع التكلفة إلى المستهلك الأميركي، أو ارتفاع التكلفة على المستهلك الأميركي.
ورغم وجود احتمال كبير لأن يتسبب انخفاض ربحية الشركات الأميركية، في زيادة الضغط على البنك الفيدرالي، ويدفعه لمزيد من الخفض لمعدلات الفائدة، كما يأمل ترامب، فإن ارتفاع أسعار المستهلكين سيكون مؤشراً على عودة التضخم إلى الاقتصاد الأميركي، وفي حالة ارتفاعه عن معدل 2% المستهدف من البنك الفيدرالي، سيكون من رابع المستحيلات أن يتجه البنك إلى المزيد من خفض الفائدة، وربما يضطر مرة أخرى إلى عكس الاتجاه، للحد من ارتفاع التضخم.
كثير من المحللين ينتظرون ركوداً اقتصادياً، ظهرت بشائره في تباطؤ نمو الاقتصاد الأميركي في الربع الثاني من العام. ومع ازدياد التوتر على جبهة الحرب التجارية مع الصين، وتوسع ترامب في فرض التعريفات، فهل يكون بقراره الأخير كمن أطلق النار على قدميه؟!