يعيش قطاع المقاولات في قطاع غزة واقعاً متردياً بفعل تلاحق الأزمات واشتدادها على مدار سنوات الحصار التي تتجاوز 12 عاماً والعدوان المتكرر من الاحتلال الإسرائيلي على القطاع.
وما فاقم من الواقع المتردي عدم حصول كثير من المقاولين الغزيين على حقوقهم الضريبية المتراكمة لدى الحكومات الفلسطينية المتعاقبة، وارتفاع معدل الشيكات المرتجعة، فضلاً عن انسحاب العشرات من الشركات من سوق العمل وإغلاق أبوابها وتسريح الأيدي العاملة، بالإضافة إلى انعكاسات آلية الأمم المتحدة لإعادة الإعمار "GRM" على المقاولين والتحكم بهم.
ويخشى المقاولون في القطاع المحاصر إسرائيلياً منذ عام 2007 من الوصول إلى مرحلة عدم القدرة على تسديد الالتزامات المالية لمستحقيها في ظل ندرة المشاريع المتوفرة وتأخر الممولين في الكثير من الحالات من دفع المستحقات للمقاولين والضغط عليهم للتنازل عن بعض حقوقهم لصرف الدفع المالية.
ويقول المقاول الفلسطيني جهاد الفرا لـ"العربي الجديد" إن حالة الركود تعصف بشكلٍ كبير بقطاع المقاولات منذ أكثر من 15 عاماً وارتفعت حدته بشكلٍ أكبر خلال الفترة الأخيرة بفعل الأزمات الاقتصادية التي تمر بها غزة.
ويوضح الفرا أن أحد أكبر الأزمات التي تعصف بهذا القطاع تتمثل في عدم صرف الحكومة المرتجعات الضريبية الخاصة بالمقاولين والتي من شأنها أن تسدد الديون المتراكمة عليهم.
ويشير إلى أن آلية الأمم المتحدة لإعادة الاعمار أسهمت هي الأخرى في تكبيد المقاولين المزيد من الخسائر، إذ يقوم الاحتلال في التحكم بالشركات العاملة بغزة ويمكن أن يوقف دخول مواد البناء في أي لحظة.
ويضيف: كنت أنفذ مشروعاً ضمن مشاريع المنحة الكويتية المخصصة لإعادة الإعمار بقيمة 8 ملايين دولار، وبشكل مفاجئ أوقف الاحتلال إدخال المواد واضطررت لشرائها من شركات أخرى.
ويلفت إلى أن حالة الركود دفعت هي الأخرى إلى تخفيض أعداد الأيدي العاملة. ولا يعمل من شركات المقاولات في القطاع سوى 100 شركة تقريباً، حسب الفرا.
ومن جانبه يقول المقاول عماد أبو مطر لـ"العربي الجديد" إن قطاع المقاولات في غزة على وشك الانهيار في ضوء الأزمات المتلاحقة والضربات المتتالية التي تصيبه دون أن يتم محاولة نجدته من الحكومة.
ويبين أبو مطر أنّ الحكومة لم تقم بصرف الإرجاع الضريبي لصالح أي من المقاولين منذ سنواتٍ طويلة بالرغم من كون هذا الأمر عبارة عن حقوق لصالح المقاولين ويساهم في التخفيف من الإشكاليات المتمثلة في السيولة المالية.
ويلفت المقاول الغزي إلى أن كثيراً من القائمين على المشاريع لا يلتزمون بدفع المستحقات المالية في موعدها، إلى جانب الضغط على المقاول للتنازل عن حقوقه والتي تمثل هوامش ربح بسيطة للحصول على هذه الدفعات، ما يضطر الكثير من أصحاب الشركات للقبول به تحت سيف شح السيولة النقدية.
وإحدى أكبر الضربات المالية التي عصفت بالمقاولين خلال الأعوام الأخيرة هي فروقات العملات وتحديداً الدولار مقابل الشيكل الإسرائيلي، وفق أبو مطر، الذي يشير إلى أنّ ذلك كبد أصحاب شركات المقاولات خسائر كبيرة في الوقت الذي لم يجرِ دفع تعويضات مقابل هذه الفروق.
وشهد العام الماضي ارتفاعًا غير مسبوق في عدد المتعطلين عن العمل في قطاع غزة، حسب بيانات رسمية، حيث بلغت نحو 54.9% من عام 2018 وتجاوز عدد العاطلين عن العمل 280 ألف شخص وهي النسبة الأعلى عالمياً، في الوقت الذي تتجاوز فيه بين فئة الشباب والخريجين في الفئة العمرية من 20 إلى 29 سنة الحاصلين على مؤهل دبلوم متوسط أو بكالوريوس في قطاع غزة لتتجاوز 73%.
وفي الأثناء، يقول رئيس اتحاد المقاولين الفلسطينيين في غزة، أسامة كحيل، لـ"العربي الجديد"، إن قطاع المقاولات بالقطاع يمر بظروف هي الأصعب منذ تأسيس ونشأة الاتحاد، بفعل عوامل تنحصر ما بين الحصار الإسرائيلي والانقسام السياسي الداخلي.
ويوضح كحيل أن قلة المشاريع المتوفرة لدى الشركات للعمل وتنصل الحكومة الحالية وسابقاتها من دفع ما عليها من التزامات مالية متراكمة منذ عام 2008، ساهم في تدهور القطاع.
ويضيف رئيس اتحاد المقاولين أن عدم وجود عملة وطنية فلسطينية ساهم كذلك في ارتفاع الخسائر حيث انخفض سعر صرف الشيكل الإسرائيلي مقابل الدولار لأكثر من 12% منذ عام 2017، الأمر الذي قلص هامش الربح الذي لا يتجاوز في الكثير من الأحيان 5% وعرض المقاولين لخسائر مالية.
وحسب الأرقام فإن أعداد شركات المقاولات في انخفاض متزايد، إذ بلغ أعداد المسجلة في الدورة الانتخابية الماضية باتحاد المقاولين ما بين 2017 إلى 2019، نحو 328 شركة، وفي الدورة الانتخابية الجديدة ما بين 2019 إلى 2021، وصلت إلى 285 شركة فقط.
ويبيّن كحيل أن قطاع المقاولات في غزة يشغّل ما يتراوح بين 22 و25% من العمالة، ويعتبر من القطاعات التي تنشّط الدورة الاقتصادية، إلا أنها تعتبر من أكثر القطاعات التي دفعت فاتورة الانقسام وحصار الاحتلال الإسرائيلي والعدوان المتكرر على غزة.