فيما قد يختلف قانونيون بشأن دستورية عزل رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، هشام جنينة، يؤكد أكثر خبراء الاقتصاد أن قرار إقالته يزيد مناخ عدم الثقة السائد الأوساط الاقتصادية المصرية؛ بسبب التدخل في أعمال أكبر هيئة رقابية في البلاد.
وأصدر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، مساء أول من أمس، قرارا جمهوريا بعزل هشام جنينة من منصبه، وتم نشر القرار في الجريدة الرسمية للدولة، على الرغم من أن المادة 216 في الدستور الذي تم إقراره في عام 2014، لا تسمح بإقالة رئيس الجهاز المركزي من منصبه، وهو ما يتوافق مع نص المادة 20 من قانون الجهاز المركزي.
لكن قانونيين قالوا لـ"العربي الجديد"، إن السيسي أصدر قراره الجمهوري، بناء على قانون أصدره بنفسه قبل أشهر، يسمح له بعزل المستشار جنينة، بدعوى إضراره بسمعة البلاد، وتأثيره على الاستثمار والاقتصاد، بسبب تصريحاته الشهيرة حول حجم الفساد في الدولة التي قال جنينة فيها إنه وصل لـ 600 مليار جنيه (68 مليار دولار) خلال الأعوام الثلاثة
وقال الخبير الاقتصادي مصطفى النشرتي، في تصريح لـ "العربي الجديد"، إن قرار عزل رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات جاء صادما، خاصة أن فترة ولايته ستنتهي بعد شهرين فقط، وبالتالي كان يجب الانتظار حتى انتهاء المدة.
وأضاف أن هذا العزل، الذي يعتبره عدد كبير من خبراء القانون الدستوري غير صحيح، "يحمل رسالة سلبية لأي مستثمر، خاصة الأجانب، ويعطي انطباعا بأنه لا توجد دولة قانون، خاصة أن البعض سيفسر عملية العزل بتصفية سياسية".
وأشار إلى أن كشف جنينة عن وجود فساد يقدر بنحو 600 مليار جنيه خلال الأعوام الثلاثة الماضية، يدعم ما يُثار حول أن إزاحته عن منصبه جاءت لتصفية حسابات وهو منطق يتعارض مع مبادئ الدول المحترمة.
وقال عضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات السابق، عبد الرحمن الجباس، لـ "العربي الجديد"، إن عزل جنينة يعطي مؤشراً سيئا للمستثمرين المحليين والأجانب، في ظل إدارة دولة تخالف الدستور الذي تم التصويت عليه في 2014.
وأضاف أن الاقتصاد المصري الآن يمر بأسوأ مراحله، وسط عزوف تام عن الاستثمار سواء للمستثمر المحلي أو الأجنبي، نتيجة لحالة عدم الاستقرار الذي تعيشه مصر، خاصة في الوضع الاقتصادي وتضارب تصريحات المسؤولين الحكوميين وعدم وجود سياسة مالية ونقدية متناغمة.
وقال: "لست خبيرا قانونيا. ولكن الدستور صريح ويقول إن منصب رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات لا يجوز عزله قبل نهاية مدته. هذا العزل يعطي مؤشراً بأنه لا توجد دولة قانون، وبالتالي كيف أنمي استثماراتي في هذا الوضع".
وقال مصدر بالجهاز المركزي للمحاسبات، إن قرار عزل المستشار جنينة، مخالف للدستور، ويحق لجنينة الطعن عليه أمام القضاء الإداري.
وأضاف المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن الدستور يمنع العزل إلا بموجب قانون، وبالتالي كان يجب الانتظار حتى يُنهي جنينة مدته التي تنتهي في يوليو/تموز المقبل، دون الوقوع في جدل.
وعما إذا كان السبب الرئيس في عزل جنينة هو إعلانه وجود فساد في الدولة بمئات مليارات الجنيهات سنويا، قال المصدر: "هذه أحد الأسباب. لكن الجميع يعرف نية القيادة السياسية للتخلص من أي شخص لمجرد الشك في أنه تابع لجماعة الإخوان المسلمين. فما بالك بأن جنينة عينه الرئيس الأسبق محمد مرسي".
وفي تغريدة على صفحته بفيسبوك، قال الروائي علاء الأسواني: "قرار إقالة المستشار هشام جنينه مخالف للدستور وللقانون. ويحمل رسالة إرهاب لكل من يدافع عن المال العام. جماعات الفساد أثبتت أنها أقوى من الجميع".
فيما اعتبر الناشط السياسي مصطفى النجار، عزل جنينة بداية لمرحلة جديدة، قائلا: "عزل المستشار جنينة رئيس أهم جهاز رقابي على السلطة التنفيذية في مصر بعد تصريحاته عن حجم الفساد حدث جلل يوثق للمرحلة الحالية بكل ما فيها". وسرد وزير الدولة للشؤون القانونية السابق، محمد محسوب، حيثيات عزل جنينة، وقال: "إقالة جنينة خلافا للدستور متوقعة من سلطة لا تعرف دستورا ولا قانونا، الفشل لا يتعايش مع من كشف جزءا من فساده، ولا يتعايش وطني مع قمع وفساد الفشل.
وفي المقابل، قال المستشار محمد حامد الجمل، رئيس مجلس الدولة الأسبق، إن "القرار دستوري". وأضاف الجمل، أنه لا صحة لما يتردد حول مخالفة القانون الذي تم عزل جنينة على أساسه، الدستور المصري، لأنه يحدد الحالات التي يتوجب فيها عزل رؤساء الأجهزة والهيئات الرقابية. وتابع أن القانون يحدد أنه في حالة فقدان أحد رؤساء الهيئات الرقابية، الثقة، أو الإضرار بالأمن القومي، يجوز عزله، مشيرا إلى أن تصريحات جنينة بشأن الفساد أضرت بالأمن القومي.
اقرأ أيضا: تفاصيل أكبر قضية فساد في وزارة الداخلية المصرية