100 مليار جنيه لرفع الروح المعنوية.. "يا بلاش"

06 يونيو 2016
رفع الروح المعنوية للمصريين له متطلبات أخرى
+ الخط -


في حواره التلفزيوني الأخير قال السيسي إن مشروع قناة السويس كان بهدف رفع الروح المعنوية للشعب المصري، وحسب قوله "حققنا مكاسب أخرى.. المصريون كانوا بحاجة ليعلموا أنهم قادرون بالمعدلات والتكاليف والوقت، والمشروع كان محاولة لتقديم الذات المصرية على أنها قادرة على صنع المستحيل، والخروج من الكبوة، وتبني وتعمر لشعبها والأحفاد القادمين".

أعترف بصدمتي من هذا التصريح لأنه ببساطة، يقيس كيف تدير دولة نامية مواردها المالية المحدودة وثرواتها النقدية القليلة، وكيف تؤسس حكومة مشروعات عملاقة وتضعها تحت بند (المشروعات القومية) بلا دراسات جدوى فنية واقتصادية تحدد بدقة تكلفة المشروع الاستثمارية والمالية وإيراداته المتوقعة ومصروفاته والأرباح المتوقعة منه.

وكيف تخلط الحكومة بين الضروريات والكماليات عندي اتخاذها القرارات الخطيرة والحيوية، حكومة لا تعرف الفارق بين مشروع ملح لارتباطه باحتياجات الناس الضرورية والمعيشية، ومشروع آخر يمكن تأجيل تنفيذه سنوات طويلة لعدم حاجة الاقتصاد والمجتمع إليه في الوقت الحالي وربما لسنوات مقبلة.

رفع الروح المعنوية للمصريين في هذا التوقيت بالذات لم يكن بحاجة لإنفاق أكثر من 100 مليار جنيه؛ هي التكلفة الإجمالية لمشروع تفريعة قناة السويس الجديدة والمشروعات المرتبطة بها، منها 64 مليار جنيه قيمة القرض التي حصلت عليها الحكومة من المدخرين عبر طرح شهادات استثمار، و38 مليار جنيه تكلفة الأعباء المترتبة على القرض من أسعار فائدة وغيرها.


ولم يكن رفع هذه الروح بحاجة لمشروع لم تكن له جدوى اقتصادية حالياً، ولم يكن الاقتصاد بحاجة إليه في هذا التوقيت، خاصة مع بطء التجارة الدولية، وتهاوي أسعار النفط، وركود الاقتصاد الصيني، والمشاكل التي يعاني منها اقتصاد منطقة اليورو، وكل هذه عوامل أثرت سلباً وبشكل مباشر على مرور السفن في القناة من حيث العدد والكميات.

رفع الروح المعنوية للمصريين له متطلبات أخرى ليس من بينها تبديد ثروة البلاد وسيولتها المالية المحدودة، وإرهاق الموازنة العامة بمزيد من العجز.

رفع هذه الروح كان في حاجة لخطوات فعلية على أرض الواقع تخفف الأعباء عن المصريين، لا خطوات تجميلية وتحسينية وإعلامية، رفع الروح في حاجة مثلا لسلع أرخص، ورغيف أنظف، ودخل مناسب للأسرة، وأنبوبة غاز يحصل عليها بكرامة، ومياه نظيفة وكهرباء بلا انقطاع لساعات، ورعاية صحية وتعليمية.

المصريون في انتظار توفير فرص عمل لملايين الشباب العاطل، وكبح جماح الأسعار الهائجة، وتهدئة سعر صرف الدولار المجنون الذي أربك حياة المصريين، وتحسين الرواتب والأجور بدلا من خفضها.

المصريون بحاجة لتحسين أوضاعهم المعيشية، وزيادة دخل الفرد، والحد من الفقر والبطالة داخل المجتمع، والقضاء على الفساد، وتحسين بيئة العمل، وجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية، وإنقاذ قطاع السياحة المتردي، وإعادة الحياة لموارد النقد الأجنبي ومنها الصادرات وتحويلات المغتربين، وفتح أسواق جديدة أمام السلع المصرية بالخارج، والبحث عن فرص عمل لملايين المصريين في البلدان المجاورة.

نعم مشروع تفريعة قناة السويس الجديدة رفع معنويات ملايين المصريين لبعض الوقت خاصة مع الزفة الإعلامية الشديدة التي صاحبته، لكن في المقابل أحبط قطاعاً كبيراً منهم خاصة هؤلاء الذين وجدوا أنفسهم أمام إيرادات متراجعة للقناة شهراً بعد آخر، حيث لم تشهد الإيرادات قفزات كما وعدهم الإعلام وصانع القرار قبل افتتاح التفريعة الجديدة بداية أغسطس الماضي، كما أن تكلفة التفريعة الباهظة سحبت مليارات الجنيهات من جيوب المصريين وأثرت سلبا على السيولة.

تفريعة القناة الجديدة ضغطت على سوق الصرف الأجنبي، وخلقت أزمة في سعر صرف الدولار بشهادة هشام رامز محافظ البنك المركزي السابق، وبالتالي فإنها لم ترفع الروح المعنوية للمصريين كما قيل، بل كانت جزءا من الأزمة المعيشية التي يعيشها المصريون حالياً.

لقد قلت من قبل وسأكرر إن مشروع تفريعة قناة السويس الجديدة هو مشروع قومي كبير تم إنجازه في وقت قياسي ومحدود، هذه حقيقة لا يمكن إنكارها، لكن هذا المشروع لم نكن بحاجة إليه حاليا أو حتى بعد سنوات، خاصة مع حالة الركود التي تشهدها الاقتصادات الكبرى المستفيدة من القناة في تجارتها الدولية، وبالتالي فإن الاستثمارات التي تم ضخها في القناة كان من الممكن أن توجه لفرص استثمارية أخرى أكثر نفعا للمصريين، وهو ما يسعدهم حقيقة.

مثلاً توجه لإقامة آلاف المصانع والمشروعات الصغيرة والمتوسطة الجديدة، أو حتى مساعدة نحو 5 آلاف مصنع مغلق على فتح أبوابها، وخلق فرص عمل لملايين الشباب، كما كان يمكن توجيه جزء من هذه الاستثمارات لإقامة الاف الوحدات السكنية والحد من أزمة السكن الحادة، أو أن يتم تزويد المدن الجديدة بالبنية التحتية من كهرباء ومياه وطرق وتليفونات ومساعدة المستثمرين على إقامة مشروعات صناعية جديدة والمد العمراني، وبالتالي التخفيف عن العاصمة، أو كان من الممكن أن توجه لإقامة مستشفيات ومدارس ومخبز وتخفيف الأعباء المعيشية عن المواطنين.