يسكن المزارع الفلسطيني أبو محمود قبلان، في حي قاع القرين بمدينة خان يونس، جنوب قطاع غزة، قريباً من المناطق الحدودية المواجهة مع الاحتلال، ويضطر كل عامٍ لزراعة الحمضيات في مناطق بعيدة عن مكان سكنه في تلك المنطقة، تفادياً لسياسة الاحتلال في محاربة هذا المحصول، لكن عوامل أخرى حاربته أيضاً، وأضرت بالإنتاج في الموسم الجديد.
يقول قبلان لـ"العربي الجديد"، إن المناطق الحدودية لطالما كانت الأنسب لزراعة الحمضيات، لكنها تكاد تصبح معدومة، وذلك لعوامل عدة، منها ممارسات الاحتلال وتجريف الأراضي الزراعية وتدميرها، فضلاً عن صعوبة توفير مصادر المياه، ولذلك يتجه المزارعون للزراعة في مناطق قريبة من بحر غزة غرباً.
ويوضح قبلان أنه زرع نحو 1300 دونم (الدونم ألف متر) من الحمضيات هذا العام، بأنواعها من الليمون والكلمنتينا والبرتقال بأنواعه، لكن الإنتاج كان متوسطاً، مرجعاً ذلك إلى حركة التسميد الضعيفة التي تتأثر بفعل الحركة الاقتصادية، ومشكلة تغير المناخ وقلة الأمطار.
وعلى مدار سنوات، يحاول قطاع غزة النهوض بزراعة الحمضيات التي تراجعت منذ العام 2000، حيث سدّ إنتاج العام الجاري ما يقارب 80% من احتياجات السكان في غزة، وسط آمال وتطلعات بإمكانية الوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي من إنتاجها في السنوات المقبلة.
وتزرع في قطاع غزة عدة أصناف من الحمضيات، أبرزها البرتقال بأصنافه المختلفة والبوملي والجريب فروت وشجرة الليمون، وأيضاً شجرة الكلمنتينا بأنواعها، في حين تبدأ زراعة أشجار الحمضيات مع مطلع شهر إبريل/ نيسان من كل عام.
ويُطلق سكان غزة على محصول الحمضيات اسم "الذهب الأصفر"، وخلال عقود ماضية، تعرضت هذه الزراعة إلى استهداف مباشر من قبل الاحتلال، من أعمال تجريف للأراضي و"قتل" المحصول، إضافة إلى وضع العراقيل أمام حركة تصدير الحمضيات إلى خارج القطاع، خلال الفترة التي كانت تصل فيها زراعتها في غزة إلى مراحل الاكتفاء الذاتي.
يقول وكيل وزارة الزراعة في غزة، إبراهيم القدرة، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن مجموع ما تمت زراعته من محصول الحمضيات هذا الموسم هو 20 ألف دونم، من كافة أنواعه، بواقع إنتاجٍ وصل إلى نحو 37 ألف طن، مضيفاً: "لقد تمكنا من سد 80% من احتياجات سكان القطاع من الحمضيات".
ويُرجع القدرة حالة التذبذب في إنتاج الحمضيات من عامٍ إلى آخر، إلى ارتفاع وانخفاض درجات الحرارة وشح المياه وملوحتها، إضافة إلى التوسع العمراني، فضلاً عن ما يقوم به الاحتلال من أعمال تجريف مستمرة للأراضي الزراعية، مشيراً إلى أن "إنتاج الحمضيات لم يصل إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي بعد".
ومنذ السبعينيات وحتى بداية الثمانينيات، تراجعت المساحات المزروعة بالحمضيات في القطاع بشكل كبير، إذ كانت تصل تلك المساحات إلى 77 ألف دونم، بواقع إنتاج لا يقل عن 200 ألف طن من الحمضيات المتنوعة، وفقاً لوزارة الزراعة في غزة.
ولطالما اعتمدت غزة طوال العقود الماضية على زراعة الحمضيات، وتحديداً في المناطق الحدودية، التي كانت تضم نحو 60% من حقول الحمضيات الموجودة في غزة، ولكنها اختفت كلياً خلال الفترة الجارية، ومعها تقلصت مساحة الأراضي المزروعة بالحمضيات وتراجع حجم الإنتاج المحلي.
وخلال انتفاضة الأقصى عام 2000، قام الاحتلال الإسرائيلي بتجريف آلاف الدونمات الزراعية ويقوم بذلك حتى اللحظة، وهو الأمر الذي أدى إلى تراجع المساحات المزروعة من الحمضيات وغيرها، إضافة إلى فرضه قيوداً مشددة على حركة الاستيراد والتصدير من داخل وخارج غزة.
وبلغت مساحة الأراضي المزروعة بالحمضيات قبل عام 2000، نحو 31 ألف دونم، ووصل الإنتاج الإجمالي السنوي إلى نحو 60 ألف طن، بينما وصل حجم التصدير الخارجي إلى بعض الدول العربية والأوروبية بجانب أسواق الضفة الغربية المحتلة لنحو 40 ألف طن سنوياً.
وفي ظل ممارسات الاحتلال والتضييق على زراعة الحمضيات، ترك عدد من المزارعين هذه المهنة، ومنهم من اتجه إلى زراعة محاصيل أخرى.
فخلال حروب الاحتلال الثلاث على قطاع غزة، أعوام 2008 و2012 و2014، جرى استهداف الأراضي الزراعية وقصفها بمئات القذائف، الأمر الذي أدى إلى تدمير مئات الدونمات من الأشجار، وتحويل تلك الأراضي إلى مناطق غير صالحة للزراعة، وتكبيد أصحابها خسائر باهظة.
وخلال عامي 2009 و2013، واجه مزارعو الحمضيات في غزة تحديات أخرى، حين سمحت الأنفاق الحدودية التي كانت تربط مدينتي رفح المصرية والفلسطينية بإدخال كميات كبيرة من مختلف أصناف الحمضيات المصرية، والتي بيعت في ذلك الوقت بأسعار منخفضة داخل أسواق القطاع المحاصر إسرائيلياً.
وعلى رغم تراجع إنتاج الحمضيات في غزة، إلا أن موسمها يوفر فرص عمل للعديد من الشباب داخل القطاع، مع ارتفاع نسبة البطالة والفقر بين صفوف الفلسطينيين. هذا وكانت هذه الزراعة تزيد من فرص العمل في الأعوام الماضية، وتحديداً لأولئك الذين لحقوا بنشاط مصانع العصائر المنتشرة في غزة، والتي دمّرها الاحتلال أيضاً.