شنّت السلطات الصينية حملة جديدة على المنتجات الحلال باسم مكافحة التطرف في إقليم شنغيانغ، وزعم مؤيدون للحملة أن القوانين الجديدة جاءت لتنظم قطاع تجارة الأغذية في الإقليم، وفي جميع الأقاليم التي تقطنها غالبية مسلمة بدعوى "منع الإسلام من التسلل إلى الحياة العلمانية وتغذية التطرف".
ويُلزم قادة الحملة، وهم زعماء في الحزب الشيوعي الحاكم، الكوادر المشتركة في الحملة بالقَسم من أجل مكافحة "التوجه إلى الأطعمة والمشروبات الحلال" ومضمونه: "معتقدي هو ماركسي - لينيني، ويجب أن أرفع العلم عاليًا، وأقاوم التوجه إلى الحلال حتى النهاية، وأن أتمسك بمعتقداتي إلى الأبد".
ونشر الحساب الرسمي للمدينة على موقع "وي شات"، أشهر مواقع التراسل في الصين، مذكرة تفيد بأن زعماء الحزب الشيوعي في أورومشي قادوا كوادره للقَسم على "خوض معركة حاسمة ضد الأطعمة الحلال".
ونقلت صحيفة "جلوبال تايمز" الناطقة باسم الحكومة الصينية قبل أيام عن كوادر في الحملة، قولهم إن "الميل العام إلى المنتجات الحلال يطمس الحدود بين الدين والعلمانية، ومن ثم يكون من السهل السقوط في مستنقع التطرف الديني".
وعلامة "حلال" تعني الأطعمة والمشروبات المسموح بها طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، بما فيها طريقة ذبح الحيوانات، والخالية من الكحول ولحوم الخنزير ومشتقاته، بالإضافة إلى استيفاء المواصفات القياسية والاشتراطات الصحية وسلامة الغذاء المعمول بها في مجال إنتاج وإعداد وتداول وتخزين الأغذية ومنتجاتها، مثل الأيزو والهاسب.
مزاعم كاذبة
السلطات الصينية تناهض الأطعمة الحلال بدعاوى أمنية، ولكنها في ذات الوقت تعتبر أكبر مستثمر في هذه التجارة الرائجة، وقد كشف موقع فوود نافيغيتور الأميركي، أن الصين على وجه الخصوص تساهم في تسريع نموّ سوق المنتجات الغذائية "حلال"، وأصبحت أكبر مصدر للأزياء المحتشمة للدول الإسلامية، وتحرص على تلبية الطلب المتزايد بسرعة على سوق الغذاء الحلال العالمي، وأنشأت لذلك مراكز لتصنيع الأغذية والإمدادات الحلال، مثل حديقة ووزونغ الحلال الصناعية بمنطقة نينغشيا التي اجتذبت 218 شركة.
مزاعم السلطات الصينية بأن منتجات "حلال" تشجع التطرف الديني لا أساس لها من الصحة، ولا سيما أن الدول العشر الأكثر إنتاجًا وتصديرًا لمنتجات الحلال وتستحوذ على 85% من سوق حلال على المستوى العالمي هي بلدان غير مسلمة بالأساس، وتسمح بتداول منتجات حلال داخل أسواقها المحلية، وتمتلك شهادات وعلامات حلال، ولم تدّعِ يومًا أن منتجات حلال تشجع التطرف الديني، وهذه الدول هي: الهند والبرازيل والنمسا وأميركا والأرجنتين ونيوزيلندا وفرنسا وتايلاند والفلبين وسنغافورة، في مقابل 15% تنتجها بقية الدول الإسلامية.
منتجات حلال تنمو بسرعة، وقد قُدرت قيمة تجارة الحلال في عام 2012 بأكثر من 3.5 تريليونات دولار، مع توقعات بمعدل نمو متسارع يتخطى حاجز 5% سنويًا، ليصل إلى نحو 4.6 تريليونات دولار عام 2020، وهي تجارة لا تقتصر على الأطعمة والأشربة فقط، وإنما تمتد إلى مستحضرات التجميل والملابس والأدوية، ويستهلكها نحو 1.7 مليار مسلم في قارّات الأرض الست دون اعتراض من السلطات في أي دولة من الدول، باستثناء الصين، على الاشتراطات الإسلامية الخاصة بمواصفة حلال.
طريق الحرير الجديد
نموّ تجارة الحلال تُغري السلطات الصينية، ويتوقع خبراء الأغذية وصول قطاع المنتجات الحلال في الصين وحدها إلى 1.9 تريليون دولار بحلول عام 2021، وبمعدل نموّ سنوي 9%، مع طلب محلي قوي على الأطعمة الحلال يقدر بـ20 مليار دولار، مدفوعًا بزيادة إقبال وثقة غير المسلمين في منتجات حلال، إذ إن نسبة السكان المسلمين في الصين تبلغ 2% فقط.
وأنشأت الصين أول مركز اعتماد للأغذية الحلال، يسمى مركز نينغشيا لاعتماد التجارة الدولية في الأطعمة الحلال، في مقاطعة نينغشيا ذات الأغلبية المسلمة، وقامت سلطات نينغشيا ببناء مجمعات صناعية في عمان جذبت 14 مشروعًا استثماريًا، وكذا في السعودية، وتخطط لبناء حديقة صناعية في موريتانيا.
يقع إقليم "شينجيانغ" أقصى شمال غربي الصين، وعاصمته مدينة "أورومُتشي"، وتبلغ مساحته سُدس مساحة الصين، أي 1.66 مليون كيلومتر مربع، وهو غني بالموارد الطبيعية كالبترول، إذ يُعتبر ثاني أكبر إقليم مُنتِج للنفط في الصين، وهو غنيّ أيضًا بالغاز الطبيعي والفحم والرصاص والنحاس والزنك وخامات اليورانيوم، وتعتمد الصين على هذا الإقليم بشكل مُباشر في مدّها بمصادر الطاقة.
ويُعدّ هذا الإقليم من أهم المناطق الحيوية لدي الصين إذ يمُر به "طريق الحرير القديم"، وتسعى الصين إلى إنجاز مشروع إحياء الطريق القديم تحت مُسمّى جديد هو مشروع "الحِزام والطريق"، وترى السلطات الصينية أن هذا المشروع سيُنشط الإقليم تجاريًا.
وفي سبتمبر 2017، أعلنت السلطات الصينية استثمار مبلغ تريليون دولار في مشروع "الحزام والطريق"، لتعزيز سوق الحلال في دول مجلس التعاون الخليجي البالغ قيمته 50 مليار دولار، ويمر الطريق بـ 68 بلدًا، ويضم 4.4 مليارات نسمة ويهدف إلى إقامة روابط برّية مباشرة بأسواق الشرق الأوسط.
وتسيطر السلطات الصينية على إقليم شينجيانغ ذاتي الحكم وذو الأصول التركية منذ عام 1949، وكان يعرف سابقا بتركمانستان الشرقية، وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن تعدد المسلمين في الاقليم 11 مليون مسلم، في حين تُصرح مصادر أويغورية مُعارضة أن عدد المسلمين بهذا الإقليم يتجاوز 25 مليون نسمة، وأن أعداد المسلمين في الصين تناهز الـ100 مليون، ونحو 9.5% من مجموع السكان.
قتل وإبادة
تجتهد السلطات الصينية في القضاء على التقاليد الإسلامية في شينجيانغ، وتمنع أغطية الرأس وملابس النساء المحتشمة، وتحارب علامات حلال على اللحوم ومنتجات الألبان، وأغلقت أكثر من 700 متجر لبيع منتجات "حلال" مطلع هذا العام. وكثّفت من حملات الاعتقال الجماعية، والمراقبة التدخلية، وتلقين العقائد السياسية، والإدماج الثقافي القسري ضد الأويغور، الذين تعتبرهم فيروسات أيدولوجية، كما جاء في تقرير الأمم المتحدة الصادر في سبتمبر الماضي بعنوان "القضاء على الفيروسات الأيديولوجية.. الصين لقمع مسلمي شينجيانغ".
وكشفت الأمم المتحدة عن تقارير موثوقة، تؤكد وجود نحو مليوني شخص من أقلية الأويغور المسلمة في معسكرات صينية سرّية في إقليم شينجيانغ، تطلق عليها السلطات "معسكرات التلقين السياسي". وأكدت لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري أن هناك غموضا يلف مصير الطلاب الإيغور في الخارج الذين عادوا إلى الإقليم.
ونشرت فورين بوليسي الأمريكية تقرير تعرض للرد الذي نشرته صحيفة "جلوبال تايمز" الحكومية الصينية على إدانة الأمم المتحدة لسياسات الصين العنصرية في إقليم شينجيانغ، والذي قالت فيه "يمكننا اللجوء إلى كل الإجراءات التي تحقق استقرار الصين إلى الحد الذي يبدو فيه القتل الجماعي والإبادة غير مستبعدين".
وقامت السلطات المصرية باعتقال مئات من الطلاب المسلمين الإيغور الذين يدرسون في الأزهر الشريف وترحيلهم إلى بلادهم بطلبٍ من السلطات الصينية ووفق اتفاق أمني عقد أثناء زيارة الرئيس الصيني مصر العام الماضي. واعترفت الصين قبل أيام بعد انكار متكرر بوجود معسكرات سرية لاعتقال المسلمين في إقليم شينجيانغ، وفق صحيفة ساوث تشاينا مورنينغ بوست التابعة للحزب الحاكم في الصين.
ونقل موقع تركستان تايمز عن ناشطين إيغور قولهم: "إن ما تقوم به السلطات الصينية بحق مسلمي الإيغور جريمة إنسانية، ولكن ما قامت به السلطات المصرية بالقبض على الطلاب التركستانيين وتسليمهم للسلطات الصينية، جريمة أبشع، وهدم لكل معاني الأخوة الإسلامية، بل والإنسانية".
الدول العربية والإسلامية مطالبة الآن، وأكثر من أي وقت مضى، وقبل أن تشرع في استقبال منتجات حلال الصينية بمليارات الدولارات الملطخة بدماء إخوانهم المسلمين الصينيين، بالتحرك السياسي والإعلامي والجماهيري للضغط على السلطات الصينية لإنهاء الجرائم الإنسانية ضد المسلمين في الصين وفي إقليم شينجيانغ ووقف التمييز والظلم والاضطهاد ضدهم.