وتوصلت الحكومة المغربية إلى التسليم بأن عجزا في الموازنة في حدود 3.5 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي يبقى أمرا مقبولا، بالنظر لضرورة التعاطي مع المطالب الاجتماعية الملحة عبر الموازنة.
وسبق لوزير الاقتصاد والمالية، محمد بنشعبون ومحافظ البنك المركزي، عبد اللطيف الجواهري أن التزما في رسالة بعثا بها إلى مديرة صندوق النقد الدولي، كريتسين لاغارد، في نهاية العام الماضي، ببلوغ عجز في حدود 3 في المائة في العام الماضي.
غير أن رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، يميل للتحرر من ضغط الوصول لهذا الرقم بالنظر للحاجيات الاجتماعية المعبر عنها في مجالات الصحة والتعليم والتشغيل، حسب مراقبين. ومن جانبه، يتصور الرئيس السابق لاتحاد الجامعة الوطنية للفلاحة، محمد الهاكش، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن الامتثال لتوصيات صندوق النقد الدولي، يدفع المغرب إلى الحرص على التوازنات المالية على حساب التوازنات الاجتماعية، هذا في الوقت الذي تتراكم المطالب وتتسع دائرة الفوارق الاجتماعية.
وكانت مسألة الخروج عن توصيات صندوق النقد مثار جدال في الأشهر الأخيرة، فقد اعتبر المندوب السامي في التخطيط، أحمد الحليمي، أن التمسك بالتوازنات المالية، نزولا عند توصيات المؤسسات الدولية، لم يفد المغرب. ويعتبر الحليمي، أنه لا يوجد بلد في طريق النمو يتشبث بحصر التضخم في 2 في المائة وعجز الموازنة دون 4 في المائة، داعيا إلى السماح بما سمّاه "التضخم الجيد"، الذي يساعد على تمويل استثمارات وخلق القيمة المضافة عبر الصادرات، ما سينعكس إيجابا على سوق الشغل ويحسن إيرادات الأسر.
غير أن محافظ البنك المركزي، عبد اللطيف الجواهري، رد بأنه لا يجب المساس بالتوازنات المالية، عبر التوسع في الإنفاق غير المنتج، المؤثر على مستوى المديونية، ما من شأنه أن يعيد إنتاج الظروف التي دفعت إلى إخضاع المملكة لبرنامج التقويم الهيكلي في الثمانينيات من القرن الماضي. وإذا كانت الحكومة تعتزم في العام الحالي اللجوء إلى السوق الدولية من أجل اقتراض مليار يورو، فإن الخبير المغربي في المالية العمومية، محمد الرهج، يؤكد في حديثه لـ"العربي الجديد" أن ضغط الإنفاق على الجوانب الاجتماعية، يبرر عودة الحكومة للخصخصة هذا العام. وكانت الحكومة عمدت في السابق، إلى تقليص نفقات الدعم وسعت إلى التحكم في كتلة أجور الموظفين الحكوميين، بهدف تقليص عجز الموازنة، وهو ما جر عليها انتقادات واسعة. ويتصور الرهج، أنه يفترض في المغرب العمل على ترجمة الإصلاح الجبائي، القائم على الإنصاف، على أرض الواقع، بما يساعد على تنمية الإيرادات الجبائية للموازنة، بشكل يسهل تمويل الإنفاق في الأعوام المقبلة.
والتزم وزير الاقتصاد والمالية محمد بنشعبون، في آخر مؤتمر حول الوضع الاقتصادي، بتوسيع الوعاء الجبائي، مؤكدا أن الهوامش المالية التي ستُتاح نتيجة ذلك، ستوجه لتمويل النفقات الاجتماعية.