قرر رئيس الحكومة التونسية، الحبيب الصيد، إلغاء عقد أبرمه وزير التنمية والاستثمار ياسين إبراهيم مع مصرف "لازار" الفرنسي بهدف الترويج لمخطط التنمية، واضعاً بذلك حدّاً للجدل الذي أثاره العقد في الأوساط البرلمانية والاقتصادية.
ويأتي القرار عقب مطالبة عدد من أعضاء البرلمان بإقالة وزير الاستثمار بسبب "خرقه لقوانين الدولة وسيادتها" وفق تعبيرهم.
وكان وزير التنمية والاستثمار قد أبرم عقداً مع المصرف الفرنسي يتولى بمقتضاه تحديد أولويات التنمية في الجهات التونسية والترويج للمشاريع الاستثمارية في السنوات الخمس القادمة. وهو ما يراه برلمانيون "سابقة خطيرة في تاريخ تونس"، مشيرين إلى أن مخططات التنمية لا يتم إنجازها إلا من قبل الدولة، باعتبارها الطرف الوحيد القادر على تحديد الاحتياجات الاستثمارية الحقيقية لكل جهة.
وأثار نائب البرلمان مهدي بن غربية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي ضجة في البرلمان حول هذا العقد، قائلاً إن العقد يشوبه الفساد وتبديد المال العام، فيما طالبت عدة أحزاب سياسية ونواب في البرلمان بإقالة الوزير. كما طالبت عمادة المحامين (جمعية تضم المحامين التونسيين) بإلغاء العقد.
وقرر رئيس الحكومة طرح مناقصة عامة لتلقي عروض جديدة من أجل اختيار مؤسسة للترويج للاستثمارات في تونس، وذلك بعد إلغاء العقد مع مصرف "لازار".
وقال مسؤول من رئاسة الحكومة طلب عدم ذكر اسمه في تصريح لـ" العربي الجديد"، إن قرار رئيس الحكومة اتخذ بعد اطلاعه على الملف من جميع جوانبه، وانتهى إلى فسخ العقد وإخضاع المناقصة إلى القانون التونسي المنظم للصفقات العمومية.
ووصف رئيس منظمة الشفافية ومكافحة الفساد، إبراهيم الميساوي، قرار الصيد بالصائب، داعياً الحكومة إلى التصدي إلى ما وصفها بـ"الصفقات المشبوهة" وإلى المسؤولين المتجاوزين للقانون.
اقرأ أيضاً: التونسيون يستنجدون بالقروض لمواجهة أعباء الدراسة
واعتبر الميساوي في تصريح خاص، أن ثمن بقاء وزير التنمية في التشكيل الوزاري الجديد الذي جرى في السادس من يناير/كانون الثاني الجاري، كان إلغاء العقد.
وواجه وزير التنمية والاستثمار ياسين ابراهيم في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي انتقادات كبيرة بعد كشف الصفقة وهو ما جعله يجنح إلى إنكار الملف في بداية الأمر، قبل أن يواجهه البرلمان.
وكان عضو البرلمان مهدي بن غربية قد انتقد في مقابلة سابقة مع "العربي الجديد"، تسليم ملف التنمية لمصرف فرنسي معتبراً هذا التصرف "سابقة خطيرة في تاريخ تونس".
ولفت بن غربية إلى أن تونس يمكن أن تستعين بالخبرات الأجنبية، لكن لا يمكن أن تترك وظيفة تحديد أولوياتها لشركة خاصة تختار برامج عملها والمشاريع ذات الأولوية فيها، متسائلاً عن المواصفات التي تم على أساسها اختيار المصرف الفرنسي لإجراء الدراسة، وهو ما يحيل إلى إمكانية وجود شبهة فساد حول هذا الملف، وفق تعبيره.
وكان من المفترض أن يتقاضى المصرف الفرنسي نحو 300 ألف دولار كمرحلة أولى في الصفقة مع وزارة التنمية والاستثمار، كما طالب الحكومة بإمداده بكافة المعلومات المطلوبة وفق ما ورد في نص العقد الذي تم تداوله، الأمر الذي اعتبرته الأطراف الرافضة للصفقة مسَّاً بالسيادة الوطنية.
وتسعى تونس إلى تعزيز الاستثمارات لزيادة معدلات النمو، التي شهدت تراجعاً خلال السنوات الماضية بسبب الاضطرابات السياسية، حيث تشير بيانات وزارة التنمية والاستثمار إلى عدم تجاوزها 0.5% في 2015.
وشهدت الاستثمارات الخارجية خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الماضي 2015، وفق مؤشرات وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي (مؤسسة عمومية تعنى بالاستثمارات الخارجية) ارتفاعاً إلى 1.62 مليار دينار (854 مليون دولار)، بزيادة 41% مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2014.
اقرأ أيضاً:
تونس تنظم مؤتمراً لجذب استثمارات بقيمة عشرة مليارات دولار
تونس بحاجة إلى 500 مليون دولار لإنقاذ المصارف